الحوسبة الكميّة Quantum computing تَعِدُنا بتحقيق إنجازات مُدهشة ومثيرة للغاية، لكن العلماء يُحذّرون لأنها ستكون مُحمّلة بنوع جديد من المخاطر، وتحديدًا في كسر أفضل وسائل الآمان التي نستخدمها في حماية الإنترنت وذلك عن طريق استخدام القوة الهائلة للتكنولوجيا الكميّة.

يقول تقرير جديد عن “التقدم والتوقعات” للحوسبة الكميّة التي وضعتها الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب (NASEM) في الولايات المتحدة أن العمل يجب أن يبدأ الآن في تجميع الخوارزميات algorithms للتغلب على المخترقين الأشرار * bad guys .

إن القلق يأتي من القوة الواسعة للمعالج التي من الممكن أن تُستخدم في كسر مفتاح التشفير public-key encryption وهو الذي نعتمد عليه حاليًا في كل أنواع التشفير، من أول تشفير تطبيقات الدردشة لحماية المحادثات وصولًا إلى تشفير اتصالنا بمواقع البنوك الإلكترونية.

ويوضح البيان الصحفي المصاحب لتقرير (NASEM) أنه: «في الوقت الذي يستحيل فيه التغلب على شفرة المفتاح الذي نستخدمه حاليًا بواسطة أفضل أجهزة الكمبيوتر التقليدية المتاحة، فمن الممكن أن يؤدي الكمبيوتر الكمّي هذه المهمة في غضون ساعات قليلة لا أكثر».

التشفير بشكل أساسي هو تَرْميز encodes البيانات وبذلك تصبح مجموعة من الرموز غير المنطقية لأي شخص غير مسموح له بأن يراها، ولكي يتم كسر الشفرة فلابد من حلّ المعضلات الرياضية التي رُمّزت بها وهذا مستحيل على أنظمة الكمبيوتر الحالية، ولذا فإننا نستخدم التشفير بشكل واسع.

ومع ذلك ، يوصي خبراء (NASEM) أن تبدأ الاستعدادات للهجمات الكميّة من الآن – إذ يقول التقرير أنه حتى لو كان جهاز الكمبيوتر الفائق الذي سيخترق الشفرة ما تزال أمامه 30 عامًا حتى يظهر، فإن استبدال معايير الويب الحالية سيستغرق وقتًا طويلًا.

إذا فكّرت في عدد الأنظمة التي تعتمد على الاتصالات الرقمية والتشفير، بما في ذلك شبكات الهاتف وشبكات الكهرباء، فمن الواضح أن أي هجوم سَيْبِراني cyber attack ناجح سيسبب مشاكل في غاية الخطورة، حتى إذا لم يكن هناك الكثير من الاهتمام من قِبَل المتسللين لرسائل بريدك الإلكتروني ، فإن الأسرار الحُكوميّة والعسكرية ستصبح مكشوفة ومُعرضة للخطر.

يقول مدير التشفير الكمّي ميشيل ابسورن في مركز أبحاث IBM وهو لم يكن مشارك في التقرير الجديد: «من السيارات إلى الطائرات إلى محطات توليد الطاقة إذا كانت جميعها في العمل بعد 15 أو 30 عام من الآن، فإنها تحتاج بالفعل إلى البدء في التخطيط للهجرة نحو التشفير (الكمي الآمن)».

إذا كنت جديدًا على فكرة الحوسبة الكميّة فإنها ببساطة تعني استبدال البتّات bits الخاصة بأجهزة الكمبيوتر الحالية – وهي ثنائيات الأصفار والآحاد – ببتّات الكوانتم qubits المٌتحكَّم فيها بشكل خاص، حيث احتمالية وجود الصفر أو الواحد أو تراكبهما معًا في نفس الوقت.

توفر حالة التراكب هذه مقدارًا كبيرًا من طاقة المعالجة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستفيد الأنظمة المعقدة ثقيلة البيانات مثل نماذج تغير المناخ بشكل كبير من قوة الحوسبة الإضافية، سنكون قادرين على رؤية الأنماط والاتجاهات التي لا نراها حاليًا.

ويُشدِّد التقرير على أن فوائد الحوسبة الكميّة من المُرجح أن تفوق المخاطر الأمنية، فعن طريقها يُمكن تسريع التقدم في مجالات مثل الجاذبية الكُموميّة والذكاء الاصطناعي مع هذه الآلات الجديدة.

في حين أن لدينا ما يسمى بالحواسيب الكميّة في العالم اليوم، إلا أنها في الحقيقة مجرد خطوات أولى مبكرة، كما أنها مثيرة وواعدة، إذ إنها تتطلب بيئات معينة للغاية للعمل، ولديها فقط كمية محدودة للغاية من الاستخدام العملي.

في الواقع، ما يزال هناك بعض الجدل حول ما إذا كنا سنصل إلى المرحلة التي يمكن فيها للحواسيب الكميّة أن تصبح أدوات مفيدة حقًا وموثوقة ويمكن الاعتماد عليها بما يكفي لتكون مفيدة خارج المختبرات المتخصصة.

لجنة (NASEM) واثقة، إذ يقول رئيس اللجنة مارك هورويتز، من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا: «لقد كان هناك تقدم ملحوظ في مجال الحوسبة الكمومية، ولا ترى اللجنة سببًا جوهريًا وراء عدم بناء حاسوب كمّي كبير من حيث المبدأ».

«ومع ذلك، ما يزال هناك الكثير من التحديات التقنية التي يجب حلها قبل أن نصل إلى هذا الإنجاز».


  • ترجمة : أحمد فوزي.
  • تدقيق: محمد قباني.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر