في حدث تاريخي، اقتربت مركبة فضائية تابعة لناسا من الشمس في دنو غير مسبوق. دخل مسبار باركر الخاص بوكالة ناسا الهالة النجمية الخاصة بالشمس، إذ تمكن المسبار من تحمل الحرارة العالية وإرسال الكثير من البيانات المهمة لنا عن تلك المنطقة، ما سيساعدنا على فهم نظامنا الشمسي فهمًا أفضل.

تحدث الفيزيائي توماس زوربوخين، المسؤول عن المهمة، قائلًا: إن هذا الإنجاز يُعد ذا أهمية فيزيائية كبيرة. وأضاف: «ستساعدنا البيانات التي أرسلها مسبار باركر على فهم تكوّن منظومتنا الشمسية، ونجمنا، والتعرف على الكثير من خصائص النجوم المختلفة في أنظمة أخرى».

انطلق مسبار باركر عام 2018، في مهمة تهدف إلى اكتشاف الهالة النجمية الخاصة بالشمس. سيقترب المسبار 26 مرة من الشمس خلال مهمته الممتدة سبع سنوات، أتم 9 منها حتى الآن، كان الاقتراب الذي حدث في أبريل هو الثامن، وهو الدخول الفعلي الأول إلى الهالة الشمسية. يعتمد المسبار على جاذبية الزهرة للاقتراب إلى هذه المسافة.

خلال 5 ساعات قضاها مسبار باركر داخل الهالة النجمية، تمكن من رصد تغيرات في المجال المغناطيسي للشمس، وفي الجزيئات الشمسية. وهي بيانات اعتمدت تقديراتنا لها سابقًا على معلومات خارجية.

قال نور رؤوفي، الباحث في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية: «يساعدنا اقتراب مسبارنا من الشمس، ودخوله الهالة النجمية، على التعرف على تلك المنطقة وخصائصها، وهو أمر لم يكن متاحًا من قبل».

وأضاف أن البيانات التي وصلت إلينا مختلفة عما عرفناه سابقًا، متضمنةً صورًا عن تلك المنطقة، وبيانات متعلقة بالرياح الشمسية والمجال المغناطيسي.

في الأعلى، النقاط الساطعة المرئية هي التدفقات الإكليلية، التي لا تُرى عادةً إلا من الأرض في أثناء الكسوف. التقط الصور مسبار باركر خلال اقترابه التاسع من الشمس، في أغسطس هذا العام

في الأعلى، النقاط الساطعة المرئية هي التدفقات الإكليلية، التي لا تُرى عادةً إلا من الأرض في أثناء الكسوف. التقط الصور مسبار باركر خلال اقترابه التاسع من الشمس، في أغسطس هذا العام

لا تمتلك الشمس سطحًا صلبًا، لذا فإن حدود وجودها تقع في منطقة تُسمى «سطح ألفين الحرج» (alven critical surface)، حيث لا يمكن للمجال المغناطيسي الشمسي احتواء البلازما.

بعد هذه المنطقة، نلحظ وجود الرياح الشمسية بقوة، لدرجة انفصال هذه الرياح عن الشمس. أما ما نسميه سطح الشمس، المكون من البلازما الناتجة من عمليات الحمل الحراري المتواصلة، فيقع بعيدًا في الأسفل.

من أهداف مسبار باركر التعرف على خصائص الهالة الشمسية، وخصائص سطح ألفين الحرج، إذ لا نمتلك بيانات كافية عن هذه المناطق. توقعت الدراسات الأولية وجود سطح ألفين الحرج على بعد نحو 10 ملايين و 400 ألف كيلومتر من الشمس. تمكن مسبار باركر من الاقتراب إلى هذه المسافة خلال مروره داخل الهالة.

جذب المجال المغناطيسي الذي تعرض له مسبار باركر اهتمام الباحثين، إذ كان المجال متقطعًا، ما يرجح نظرية تتوقع أن منطقة سطح ألفين الحرج متغيرة ومنحنية. مع اقتراب باركر أكثر، تعرض المسبار لمجال مغناطيسي مختلف، يُسمى «التدفق الزائف» (pseudo streamer)، عادةً يُرصد خلال الكسوف الشمسي. من المرجح أن هذا المجال المغناطيسي هو سبب تغير سطح ألفين الحرج وانحنائه، لكن الباحثين ما زالوا يدرسون الأمر.

كان المجال المغناطيسي داخل «التدفق الزائف» هادئًا، دون جزيئات شمسية تصدم المسبار.

درس المسبار ظاهرة شمسية تُعرف بارتداد الطاقة الشمسية، إذ يتغير شكل المجال المغناطيسي الخاص بالرياح الشمسية، لكن العلماء ما زالوا يحاولون معرفة سبب حدوث هذه الظاهرة وكيفيته.

رُصدت ظاهرة ارتداد الطاقة الشمسية منذ التسعينيات، لكن مسبار باركر أسهم في التعرف على بيانات حديثة تسهم في توسيع أفق هذه الدراسة، إذ رصد الارتداد الشمسي داخل الهالة الشمسية، ما يضيق نطاق البحث عن سبب هذه الظاهرة.

يقول الفلكي ستيوارت بيل من جامعة كاليفورنيا بوجود تشابه بين مجال الارتداد الشمسي والمجال في الهالة الشمسية، وهو ما توقعته بعض النظريات، ما قد يحدد مصدر الرياح الشمسية ذاتها.

مع وجود مسبار باركر واقترابه المتكرر من الشمس والهالة الشمسية، سنتمكن من التعرف على خصائص هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر. من المخطط أن يقترب المسبار مستقبًلا إلى نحو 6 مليون كيلومتر من الشمس.

اختتم رؤوفي حديثه قائلًا إن الهالة النجمية تمتلك الكثير من الأسرار الفيزيائية التي تهمنا، التي تنطوي على الكثير من الإجابات عن الحرارة والبلازما، وغيرها من الخصائص الفيزيائية. وأضاف: «سيسهم مسبار باركر في هذه الرحلة بالإجابة عن الكثير من التساؤلات».

اقرأ أيضًا:

صدور التفاصيل الأولى للشمس من مسبار ناسا الشمسي باركر

سيُلامس الشمس دون أن يحترق.. كيف سينجو مسبار باركر الشمسيّ؟

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: عون حدّاد

المصدر