أوقفت بعض شركات الطيران رحلاتها في معظم مطارات الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية مخاوف من تداخل ترددات الحزمة سي (C-Band) من شبكات الجيل الخامس مع رادار الارتفاعات، الذي يؤدي دورًا محوريًّا في تحديد ارتفاع الطائرة، ويعتمد عليه الطيارون في ظروف الرؤية المتعذرة. رغم استئناف بعض شركات الخطوط الجوية رحلاتها، ما زالت الشكوك تحوم حول تأثير شبكات الجيل الخامس في المطارات.

حذر المديرون التنفيذيون لعشر شركات خطوط جوية في رسالة إلى البيت الأبيض من عدم جاهزية المطارات للتعامل مع الحزمة سي من شبكات الجيل الخامس.

الحزمة -التي كان مقررًا إطلاقها في 19 يناير- كانت لتسبب تأجيل بعض الرحلات وإلغاء عدد كبير من الحجوزات وتأخير شحنات دوائية مهمة، ما دفع شركات الاتصالات إلى تأجيل إطلاق الحزمة في المناطق المجاورة للمطارات حتى التوصل إلى تسوية مع الجهات المعنية بهذا الخصوص.

الحزم الأخرى من شبكات الجيل الخامس لم تثر أي مشكلات، وهي قيد الاستخدام بالفعل حتى في المطارات، إذ لا تتداخل مع أجهزة الطائرات. لم تبدأ المشكلات إلا مع الحزمة سي، التي أشعلت الخلاف بين شركات الاتصال وشركات الطيران.

ما الحزمة سي من شبكات الجيل الخامس؟

يقول ألكسندر بايرز مدير الاتصالات في شركة (AT&T): «تقدم هذه الحزمة مزيجًا بين السرعة العالية ونطاق التغطية الواسع، مكملةً تقنيات شبكات الجيل الخامس الأخرى ذات الحزمة المنخفضة والمرتفعة».

تعمل هذه الحزمة في المجال الترددي بين 3.7 و4.2 غيغاهرتز، وتدعم سرعة أعلى على مساحة أوسع.

شركتا أي تي آند تي وفيريزون، اللتان ربحتا حقوق استخدام شبكات الجيل الخامس بمزاد تبلغ قيمته 81 مليار دولار، اتفقتا على إنشاء مناطق عازلة بقطر 3 كيلومترات تقريبًا حول 50 مطارًا في الولايات المتحدة، للحد من خطر التداخل على مدى ستة أشهر. مع أن إطلاق الحزمة قد أُجل مرتين حتى الآن، يرى مديرو شركات الطيران أن الأمر يتطلب دراسة أوسع للتحقق من أمان حركة الملاحة الجوية.

يؤكد بايرز أن تركيب تجهيزات الحزمة سي لن يؤثر في عمل الحزم الأخرى من شبكات الجيل الخامس الموضوعة في الخدمة مسبقًا، سواءً في المطارات أو غيرها.

وفقًا لإدارة الطيران الفيدرالية، تملك 78% من طائرات الأسطول التجاري الأمريكي رادارات ارتفاع قابلة للعمل في ظروف الرؤية المنخفضة، في أثناء تركيب شبكات الجيل الخامس، وأشارت وكالة الاتصالات إلى أن حزمة سي من شبكات الجيل الخامس مستخدمة في أكثر من 40 دولة حول العالم.

يؤكد مسؤولو «أي تي آند تي» أن تجهيزاتهم نفسها مستخدمة في الدول الأخرى. مثلًا، مستويات الطاقة التي سُمح لهم باستخدامها أقل من تلك المسموحة في الاتحاد الأوروبي.

كيف تتداخل الحزمة سي من شبكات الجيل الخامس مع معدات الطائرات؟

تكمن المشكلة في أن أجهزة الطائرة تعمل على الترددات الراديوية نفسها التي تعمل ضمنها شبكات الجيل الخامس، مع أن 220 ميغاهرتز تفصل إشارات الهاتف المحمول عن تردد الإشارة الذي تستخدمه الطائرات للتواصل، فإن إشارات الراديو لا تبقى محصورة ضمن حزم صغيرة منظمة، بل تنتشر متداخلة مع الترددات المجاورة، ولا يوجد مستقبل راديوي قادر على فصل الإشارة تمامًا لمنع التداخل.

تسمح تشريعات لجنة الاتصالات الفدرالية في الولايات المتحدة بعمل النظم الخلوية بطاقة عالية، ما يولد إشارة أقوى، على عكس فرنسا، حيث تميل الهوائيات للأسفل لكي تصل الإشارات الضعيفة فقط إلى الطائرات.

يقول نيك لينمان مدير شركة سبيكتروم إكس: «يمكن تركيب هذه الشبكات بشتى الطرق، إذا وضعت بعض القيود على التركيب فربما تساعد على الحد من التداخل مع رادارات الارتفاع».

«سيحد ذلك من أداء شبكات الجيل الخامس بالتأكيد، وقد يرفع كلفة الخدمات الخلوية، لذا يجب البحث عن حلول بديلة. الأمر معقد لدرجة حيرت خبراء المجال».

سبيكتروم إكس هي أول مركز ابتكار للطيف الترددي بالمؤسسة العلمية الوطنية، تديره جامعة نوتردام، ويشرف عليه مجموعة مختلفة التخصصات من العلماء والمهندسين والمعلمين، تدرس المنظمة التقنيات اللاسلكية، وتتعاون مع المصنعين والحكومات والمؤسسات العلمية لتوسيع أفق مجال الاتصالات.

لتشغيل الحزمة سي من شبكات الجيل الخامس والحفاظ على سلامة الطيران في الوقت نفسه، على مصنعي رادارات الارتفاع تزويدها بنظام ترشيح أفضل للإشارات الراديوية، لتفادي إشارات شبكات الجيل الخامس الصادرة عن الأبراج الخلوية، ما يعني الحاجة إلى استبدال معدات الطائرات أو تعديلها لتتضمن مرشحات أدق، وهذا ليس بالأمر السهل، بل سيستغرق وقتًا ويتطلب تكاليف كبيرة. من الضروري التحقق من أمان الرحلات الجوية وإن أدى ذلك إلى تأخير إطلاق الحزمة سي حول المطارات.

سيكون تغيير النظم تحديًا عمليًّا أكثر من كونه تقنيًّا، وسيتضمن إدخال جهاز ترشيح في مكان ما بين هوائي الطائرة والراديو الذي يعالج الإشارة، يفترض بهذا الجهاز أن يقمع إشارات شبكات الجيل الخامس أو يضعفها على الأقل. نظريًّا، يشبه الأمر تركيب مضخم بين الهوائي ومستقبل التلفاز لتقوية الإشارة.

اقتضت الخطة الأولية للحزمة سي استعمال ترددات بين 3.7 و3.98 غيغاهرتز، لكن هذا التردد قريب جدًا من تردد رادارات الارتفاع، الذي يتراوح بين 4.2 و4.4 غيغاهرتز، لذلك قدم مشغلو شبكات الخلوي تنازلات، مخفضين التردد إلى 3.8 غيغاهرتز بحد أقصى، وهو ذاته المستخدم في أوروبا، ما يوحد المعايير بين القارتين. أكد لينمان أن سبيكتروم إكس ليست طرفًا في الجدال القائم، لكنها ستساعد على توعية العامة بتحليل المشكلة وتوفير بعض الخيارات التقنية.

يضيف لينمان: «إذا أردنا المزيد من شبكات الجيل الخامس وكانت تستهلك حصة كبيرة من الطيف الترددي فهي ستخلق عدة مشكلات، إنها مفاوضات ضخمة بين شركتين عملاقتين وثلاث جهات تنظيمية، ستستغرق وقتًا لكن يمكن الوصول إلى اتفاق بالتنسيق والتفكير العلمي ومشاركة المعلومات».

كيف نعلم أن مسافة 3.2 كيلومتر هي البعد الأفضل لأجهزة الإرسال عن المطارات؟

تتناسب قوة إشارات الراديو عكسيًّا مع المسافة بين المرسل والمستقبل. اقترحت شركات الاتصال مسافة عازلة مماثلة لتلك المطبقة حول المطارات في فرنسا، كيلومترين تقريبًا، لكنها وُسعت إلى 3.2 كيلومترًا لوجود بعض الاختلافات بين قوانين البلدين، وأيضًا لتكون الإشارة أضعف من أن تتداخل مع رادارات الارتفاعات.

سبق استخدام الحزمة سي في الأقمار الصناعية، لكن إشارتها الضعيفة القادمة من الفضاء لا تؤثر في رادارات الارتفاع الموجودة أسفل الطائرات، التي تستقبل موجات الراديو المرتدة عن الأرض لتحديد ارتفاع الطائرة.

أما إشارات الحزمة سي القوية فتنشأ من الأرض متجهةً إلى أعلى، وقد تصل إلى رادار الارتفاع وتعطل عمله، فالإشارة أقرب إلى الطائرات، وأقوى أيضًا.

يقول لينمان: «علينا إضعاف الإشارة بالمرشحات، أو إضعافها من المصدر، أو إمالة الهوائيات للأسفل».

ربما سيتضرر آلاف المسافرين بسبب توقف الرحلات، كل ما يمكننا فعله الآن هو التحقق من الرحلة لنرى هل أُلغيت أم لا.

اقرأ أيضًا:

ما هو الفرق بين 4G و 5G الجيلين الرابع والخامس من شبكات الانترنت؟

لا، لا تتسبب إشعاعات الجيل الخامس 5G في نشر فيروس كورونا المستجد. وإليك السبب

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: محمد الشعراني

المصدر