يعتمد مقدار استمتاعنا بقدوم الصيف على كمية البعوض التي تنتظرنا عند خروجنا من منازلنا وممارسة نشاطاتنا الصيفية.

تسبب عضات البعوض الحكاك وطيرانها مزعج بالإضافة للأمراض الخطيرة التي يمكن أن تنقلها.

إذن، ما الذي يجعل بعض السنوات أسوأ من غيرها بالنسبة لأعداد البعوض؟ هل هي سنة مناسبة للبعوض؟

لا تحتاج لأن تكون عالم حشرات “Entomologist” لتلاحظ أن أعداد البعوض تتفاوت من سنة لأخرى ومن مكان لآخر.

في الصيف الماضي كانت أعداد البعوض كبيرةً جدًا في مدينة أوتاوا بينما اختبرت مدينة وينيبيغ أقل تعداد للبعوض منذ أربعة عقود.

ما الذي يجعل أعداد البعوض تتضخم أو تتقلص؟ باختصار، إنه مزيج من المناخ والطقس؛ لأن البعوض حساس جدًا للبيئة الحاضنة له.

درجة الحرارة والمطر هما مؤشران رئيسيان للتنبؤ بوجود البعوض، ولهذين العاملين تأثير هائل على بقاء البعوض وقدرته على التكاثر.

عند محاولة التنبؤ بطبيعة موسم البعوض الذي ينتظرنا فإن الأسئلة التالية هي ما تصنع الفرق:

ما هي كمية المطر التي هطلت في المرة الواحدة؟، متى هطل المطر؟، ما هي المدة التي دامت فيها موجة باردة أو دافئة؟، ومتى حدثت؟

البعوض يفضل الطقس الحار والرطب:

البعوض، مثل غالبية الحشرات، من ذوات الدم البارد، على عكسنا نحن البشر، فإن حرارة جسمها قريبة جدًا من درجة حرارة البيئة المحيطة بها (الماء أو الهواء).

إذا كان الطقس باردًا فهي باردة، وإذا كان دافئًا فهي دافئة.

أي وقت يقضيه البعوض خارج منطقة راحته يمكن أن يبطئ أو يوقف من تطوره أو حتى قد يسبب تضرره وموته.

من أجل أن تنمو غالبية يرقات البعوض، يجب أن تتجاوز درجات الحرارة عتبةً معينةً، وهي تختلف تبعًا لنوع البعوض، ولكنها عادةً حوالي من 7 إلى 16 درجةً مئويةً.

بما أن اليرقات مائية تمامًا، فهي تحتاج إلى مصدر للمياه الراكدة (مثل إناء الزهور خاصتك) يبقى موجودًا حتى تصبح جاهزةً لتفقس.

هذا الأمر يعني أنه إذا تواجد طقس جاف أو بارد في فترة تطور اليرقات في الربيع أو الصيف فيمكن لهذا الأمر أن يخفض بشكل كبير أعداد البعوض الناضج الذي سيبدأ البحث عن وجبة طعام خلال أسبوع أو أسبوعين لاحقًا.

البعوض صائد للبشر وناشر للأمراض:

لقد اعتدنا على كره البعوض، لكن الغالبية العظمى من أنواع البعوض لا تملك تأثيرًا مباشرًا على حياتنا.

البعوض، مثل غالبية الحشرات، متنوع بشكل كبير: هناك أكثر من 3000 نوع من البعوض على كوكبنا، وفقط مقدار ضئيل من هذه الأنواع يهاجم البشر بشكل نشيط.

إناث البعوض هي فقط من يتغذى على الدم، بينما يتغذى الذكور على رحيق الأزهار.

لسوء الحظ، بعض أنواع البعوض تحمل تهديدًا أكبر من مجرد إزعاجنا، حيث تستطيع أن تنقل أمراضًا خطيرةً.

تحمل بعض أنواع البعوض المحلية في كندا وأمريكا فيروس غرب النيل والذي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل الغيبوبة والشلل في عدد قليل من الحالات.

أحد أفضل الطرق لتوقع معدل الإصابات بفيروس غرب النيل في مدينة أونتاريو هي معرفة أدنى درجة حرارة تم تسجيلها خلال شهر شباط.

في حال كانت أبرد درجة حرارة في شباط أدفأ من المعتاد؛ عندئذٍ سيصاب عدد أكبر من الناس بهذا الفيروس خلال أشهر الصيف.

يصاب الناس في المناطق الاستوائية بفيروس زيكا، شيكونغونيا “Chikungunya”، حمى الضنك “Dengue”، الحمى الصفراء، والملاريا، جميع هذه الفيروسات ينشرها البعوض وتتسبب في مئات آلاف الوفيات كل عام.

عندما ضرب الإعصار هارفي مقاطعة تكساس في شهر أيلول عام 2017، سببت الفيضانات زيادةً في مواطن تكاثر البعوض.

لذلك قامت سلطات الولاية برشّ 240000 هكتار (240 كيلو مترًا مربعًا) من الأراضي المحيطة بمدينة هيوستن لتلافي حدوث زيادة في الأمراض التي ينقلها البعوض.

حقيقة أن البعوض يحمل هذه الأمراض هو ما دفع مؤسسة جيتس “Gates Foundation” أن تطلق على البعوض تسمية الحيوانات الأكثر فتكًا على هذا الكوكب.

النوعان الأسوأ نقلًا ونشرًا للأمراض هما بعوضة الحمى الصفراء “Aedes aegypti” وبعوضة النمر الآسيوي “Aedes albopictus”، والتي تعيش عادةً في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حيث تبقى رطبةً ودافئةً.

يمتد مدى هذا البعوض إلى الولايات المتحدة التي تقع ضمن النطاق القاري، وخاصةً الولايات الجنوبية والشرقية، ومع ذلك، فهي ببساطة لا تستطيع تحمّل المناخ الشمالي بوجود الشتاء الطويل والبارد.

التكيّف مع المناخ:

عادةً ما تمنع درجات الحرارة المنخفضة للشتاء الحشرات الاستوائية وشبه الاستوائية من الاستيطان الدائم في المناطق القريبة من القطبين ذوي الشتاء البارد.

ومع ذلك، فقد تسبب تغيّر المناخ على مدى العقود القليلة الماضية بتغييرات موثقة في أنماط انتشار الحشرات، بما فيها انهيار حدود المدى الجنوبي للنحل الطنان والحركة نحو الشمال للعديد من نطاقات نشاط الحشرات.

بما أن فصول الشتاء أصبحت أكثر اعتدالًا، فإن الحدود الشمالية لنطاقات الحشرات قد تتغير أيضًا، يُعتَقَد أن سبب حركة وتغيّر حدود النطاق الشمالي هو فصول الشتاء الأكثر اعتدالًا، والتي تسمح لأصناف لا تستطيع تحمّل البرد عادةً أن تصمد خلال الشتاء وتتكاثر وتستوطن في مواقع جديدة.

هناك برامج نشطة في جميع أنحاء العالم لمكافحة البعوض، وذلك لأن رصد البعوض والاستجابة تجاهه أمران بالغا الأهمية للصحة العالمية.

في السنوات القليلة الأخيرة (2016-2018)، تم رصد وجود بعوض بالغ من نوع الحمى الصفراء ومن نوع النمر الآسيوي في وندسور أونتاريو (قريبًا من نقطة أقصى الجنوب في كندا)، ما يدل على أن هذا البعوض الناقل الخطير قد يكون مصدر قلق صحي خطير في المناخات الشمالية في المستقبل.

لحسن الحظ، لم يظهر الفحص على البعوضات الفردية التي تم اصطيادها في ويندسور وجود أية فيروسات.

في عصر تغيّر المناخ، إنه لمن الضروري بشكل متزايد معرفة العوامل البيئية التي تحدد الأماكن التي يمكن للحشرات العيش فيها وقدرتها على فعل ذلك.

معرفة كيفية استجابة الحشرات للمناخ هو أمر حرج للغاية لأمننا الغذائي والصحة العالمية.

فقط عندما نتسلح بهذه المعلومات يمكن لنا أن نتنبأ بدقة بانتشار الآفات التي تجتاح المحاصيل الزراعية أو الحشرات الناقلة للأمراض، مثل البعوض الماص للدم والذي يكرهه حتى علماء الحشرات.

كُتب بواسطة: هيث ماكميلان “Heath MacMillan” بروفيسور مساعد في البيولوجيا في جامعة كارلتون “Carleton University”.

نُشرت هذه المقالة بالأصل في “The Conversation”.


  • إعداد: يازد حسامو
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر