الطقس بالخارج مشمس ومشرق، ويشعر جميع أفراد الأسرة بالحر، وهم متعطشون لشرب الماء، ولا بد أن وليدكم الجديد يحتاج إلى أن يُسقى أيضًا، أليس كذلك؟ نعم، لكن ليس بالماء الصافي بصيغته H2O، فيجب أن يقتصر طعام الطفل وشرابه في أول 6 أشهر من العمر على حليب الأم أو الحليب الصناعي فقط.

ربما تعرف ذلك بالفعل، لكنك لا تعرف لماذا. السبب أن أجساد الرضع لا تتقبل شرب الماء حتى عمر معين، فالبطون الصغيرة والكُلى النامية تعرضهم لخطر سوء التغذية والتسمم المائي water intoxication، وسنتناول ذلك بالتفصيل.

التداخل الغذائي

تكون معدة الرضيع حديث الولادة صغيرة للغاية، في الواقع لا تتسع لأكثر من سعة ملعقة أو ملعقتي شاي، أي 5 – 10 ملليلتر! وعليه فإنها تفرغ بسرعة، وهو ما يفسر احتياج الرضيع إلى إطعامه عدة مرات على مدار اليوم، بحليب الأم الغني بالعناصر المغذية، أو بالحليب الصناعي.

لذا فحين نسقي الرضع ماءً فإننا نملأ جوفهم بمواد غير مفيدة، شاغلين بطونهم عما ينفعهم من فيتامينات ومعادن ودهون وطاقة مهمة جدًّا لنموهم، وهو ما يخلق مشكلةً خطيرة.

تنمو بطون الرضع خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم تدريجيًّا، وباكتمال الشهر الأول تسع معدة الرضيع نحو 80 – 150 ملليلتر، وبحلول الشهر السادس تبلغ سعة المعدة 200 ملليلتر، ويمكن حينها أن نعطيه بعض الماء.

في فترة ستة أشهر إلى سنة يجب أن تكون كمية الماء المُعطاة للرضيع محددة، إذ يُعطى لهم كي يعتادوا طعم الماء، فضلًا عن فائدته العلاجيه بوصفه مصدرًا للإراوء، وإن كان الحليب يمثل مصدرًا للإرواء، ويمد الطفل بما يحتاج للنمو.

التسمم المائي

الخطر الأشد لإعطاء الرضع دون 6 أشهر الماء هو حدوث تسمم مائي.

لماذا لا يستطيع الرضع شرب الماء؟ ومتى يمكنهم شربه - لماذا لا يشرب الطفل سوى حليب الأم أو الحليب الصناعي فقط - سوء التغذية والتسمم المائي

مهلًا! هل الماء سام؟

نعم، في الحقيقة يصبح الماء سامًا لأي شخص في حال شربه بكميات كبيرة، وبطبيعة الحال فإن وصف (كبيرة) يجب أن يتناسب مع الحجم والعمر، فالبالغين الذين يتمتعون بكُلى صحية لا يصابون بالتسمم المائي إلا إذا شربوا عدة لترات في وقت قصير. يحدث ذلك للجنود والرياضيين إذا بالغوا في شرب الماء لإرواء عطشهم الشديد.

سبب ذلك هو انتقال الكثير من الماء إلى مجرى الدم، ما سيخفف بلازما الدم ويقلل من تركيز الأملاح المهمة للجسم، مثل الصوديوم. أي إن شرب الماء الزائد يعرضك لخطر الإصابة بنقص الصوديوم في الدم hyponatremia.

لا تستطيع كُلى الرضع والأطفال تحمل المقدار الذي تتحمله كُلى البالغين من الماء، ليس فقط لكونها أصغر حجمًا بل لأنها أقل تطورًا، فلا تستطيع معالجة الماء بنفس الكفاءة.

إن إعطاء رضيع عمره أقل من 6 أشهر كمية -وإن كانت معتدلة- من الماء في غضون فترة قصيرة، قد يسبب نقص الصوديوم في الدم، ما قد يؤدي في أسوأ الحالات إلى تورم الدماغ وربما الوفاة، لأن الدماغ ما يزال ينمو ويتطور، لذا فإن احتمالية حدوث التورم عند الأطفال أكبر.

معادلة خطيرة

تذكر: بطون صغيرة + كُلى غير مكتملة النمو + دماغ غير بالغ = تجنب إعطاء الماء للأطفال حتى يبلغوا سن ٦ أشهر.

أشياء يجب الانتباه إليها

لا يملأ أكثر الآباء الرضاعات بالماء ليسقوا أطفالهم، لكن الخطر يأتي من مصادر أخرى غير متوقعة.

مثلًا تسمح بعض مدارس السباحة بتسجيل الرضع أقل من 4 أشهر، وإن كان أكثرها لا يسجل من هم أصغر من 6 أشهر. لا مانع من تعليم الرضع السباحة إذا أُجري بطريقة آمنة، لكن دون أخذ الاحتياط الكافي قد يبتلع الرضيع مياه المسبح ما يؤدي إلى تسمم مائي.

مصدر آخر للخطر هو شرب الحليب الصناعي المخفف، فقد يُقدِم البعض على إضافة المزيد من الماء إلى الحليب الصناعي إذا كان الطقس حارًّا، لكن ذلك يحرم الرضيع من المواد المغذية، ويُحَمِّل الكلى كميةً زائدة من الماء.

يبقى الحليب الصناعي وحليب الأم في الجسم فترةً أطول قبل أن تعالجه الكلى، لأنه غني بالسعرات الحرارية، وبقاؤه فترةً أطول في الجسم يعني بقاء الجسم مرتويًا، فلا حاجة إلى مزيد من الماء.

الوقت المناسب لشرب الماء

يمكن البدء بإعطاء الرضيع الماء بكميات صغيرة بعمر 6 أشهر، أي بحجم ملعقة شاي أو ملعقتين، وليس ملء الرضاعة، فهو الوقت المناسب ليعرف الرضيع أن العطش يمكن أن يُروى بالماء، لكن يظل المصدر الأساسي للإرواء مقتصرًا على حليب الأم أو الحليب الصناعي.

سينظر معظم الرضع إلى الماء في هذا السن بوصفه شيئًا مُستحدثًا، وسيفضلون الحليب عليه، وقد يشمئز البعض من طعم الماء، خاصةً وهم يتوقعون شيئا آخر، لكن لا داعي للقلق فهذا لن يستمر.

بعمر السنة يمكن أن يشرب الطفل كميات أكبر من الماء حسب رغبته، إضافةً إلى الطعام والحليب العادي.

استشر الطبيب

استشر طبيب الأطفال إن راودتك مخاوف حول إراوء الطفل ومدى استعداده لشرب الماء، فقد يختلف تقبل الأطفال للماء بناءً على حالتهم الصحية أو إن ولدوا قبل أوانهم.

في حال ظهرت على طفلك إحدى علامات التسمم المائي هذه، اذهب به للمشفى فورًا:

  •  بكاء حاد
  •  قيء
  •  خمول
  •  نوبة
  •  رعشة.

لحسن الحظ يدرك الآباء، سواء من طريق الخبرة أو عبر طبيب الأطفال، أنه يجب الامتناع عن إعطاء الرضع الماء، الآن أنت تعرف السبب.

اقرأ أيضًا:

التسمم بالفطر لدى الأطفال

المخاض الباكر: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: لبيد الأغبري

تدقيق: عبد الله كريم

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر