هبط الجوال المريخي الصيني زورونغ على سطح المريخ منذ أكثر من العام، وقد نشر العلماء مع بداية شهر مارس أول تقرير مهم عن مشاهدات زورونغ حتى الآن.

تعرض الدراسة تفاصيل الأيام المريخية الستين الأولى للجوال، واليوم المريخي أطول من الأرضي بسبع وثلاثين دقيقة، عبر الجوال في أثناء هذه المدة مسافة تبلغ نحو 400 متر على سطح المريخ، ووجد الكثير من ظواهر الحت الريحي، ولعله وجد بعض الأدلة على وجود ماء سائل.

يستكشف زورونغ الأراضي الشمالية المنخفضة للمريخ، ويقف الآن تحديدًا على سهل «يوتوبيا بلانيشيا» الذي تقارب مساحته مساحة البر الرئيسي للولايات المتحدة.

زورونغ ليس وحيدًا على هذه الرقعة من المريخ، إنه أول جوال على سطحه لا يتحكم به علماء ناسا في مختبر الدفع النفاث جنوب كاليفورنيا، إذ إنه مشروع لإدارة الفضاء الوطنية الصينية.

يستكشف زورونغ منطقة تبعد بضعة مئات من الكيلومترات فقط عن نظرائه كيوريوسيتي وبريزيرفانس التابعين لناسا.

تقول عالمة الجغرافيا كريستين م. رودريغ التي عملت مع ناسا على مهمة كاسيني أن سبب تقارب المسابير عوضًا عن تباعدها لاستكشاف أقاصي المريخ يعود إلى صراع تقليدي بين المهندسين والعلماء، الأمر ليس صراعًا بمعنى الكلمة، إنما قد نسميه امتلاك كل من الطرفين أهدافًا متعاكسة يسعى لتحقيقها، وتفسر ذلك بقولها: «يميل المهندسون للقلق الشديد على سلامة المهمة، لذا يصرون غالبًا على الهبوط في مناطق ممهدة خفيفة الانحدار، وعلى الجانب الآخر، لدى الباحثين اهتمامات معينة، أي مناطق جذابة يريدون استكشافها، وأحيانًا تكون المناطق الآمنة هندسيًّا أقل إثارةً للاهتمام عند العلماء».

التاريخ يظهر أنه قرار حاسم

تقول رودريغ: «الذهاب إلى المريخ أمر محفوف بالمخاطر ، فقد فشلت نحو 50% من المهمات الموجهة إليه، ما يثير مخاوف المهندسين». المشكلة هي أن المريخ مكان وعر للغاية.

جغرافيا المريخ مرآة لتاريخه

تقول رودريغ إن المريخ مثله مثل كل جرم كبير في النظام الشمسي، تلقى صدمات لا تحصى من النيازك والكويكبات على مدى مليارات السنين، والأرض ليست استثناء، لكن علامات التصادم على الأرض لا تبدو كثيرة لأن نشاطها الجيولوجي أخفى معظم الأدلة، لكن الديناصورات شاهدة على ما حدث.

يتكون الثلثان الجنوبيان للمريخ من أراضٍ مرتفعة، ويظهران على الخريطة الطوبوغرافية أكثر وعورة من أراضي الثلث الشمالي المنخفضة.

تسمي رودريغ الأراضي الجنوبية المرتفعة «البكر» لأن ذلك القسم من الكوكب يحوي الأدلة المحفوظة جيدًا للاصطدامات العنيفة المنتظمة التي تعرض لها المريخ لمليارات السنين إلى أن هدأ النشاط النيزكي في المجموعة الشمسية قبل 3.7 مليار سنة.

تقول رودريغ إن الباحثين ما زالوا يحاولون اكتشاف سبب تشكل الأراضي الشمالية المنخفضة، النظرية السائدة هي أن اصطدامًا هائلًا اقتطع الجزء الشمالي للكوكب، الأمر الذي لم يكن نادرًا قبل مليارات السنين، فقد صدم جرم بحجم المريخ كوكبنا بعد فترة قصيرة من نشأته وشكّل الحطام حلقات حول الأرض اندمجت أخيرًا مكونة القمر.

تقول رودريغ إن الظن الشائع هو أن الأراضي الشمالية المنخفضة مجرد فوهة كبيرة لدرجة أنها تشمل نصف المريخ الشمالي كاملًا.

نقطة الانقسام العظيم منطقة جميلة

ليس الهبوط على الأراضي الجنوبية المرتفعة مستحيلًا، فهناك هبطت مركبة مارس 3، أول مهمة مريخية ناجحة أرسلها السوفييت عام 1971، بعد عامين فقط من هبوط رواد الفضاء الأمريكيين على سطح القمر، لكنه أمر صعب، فمهمة مارس 3 كانت الهبوط الناجح الأول والأخير على الأراضي المرتفعة الوعرة.

هناك حل يرضي الجميع

وفقًا لرودريغ فقد اتضح أن الحدود بين الأراضي الجنوبية المرتفعة والشمالية المنخفضة حادة جدًا، وتقول بأنها جرف يبلغ ارتفاعه بين كيلومتر إلى 3 كيلومترات، ويبلغ أقصى ارتفاع له نحو 3.5 كيلومتر.

بينما تعد محاولة الهبوط على منطقة الانقسام العظيم مهمة انتحارية، يشكل الهبوط إلى الشمال منه حلًّا يرضي كل المهندسين القلقين على سلامة المركبة، والعلماء الطامعين باستكشاف التضاريس المذهلة.

هناك المزيد من التفاصيل الجغرافية على مقاييس أدق بالتأكيد، إن زورونغ وكيوريوسيتي وبريزيرفانس جميعهم على مقربة من جبل أوليمبوس، أكبر بركان في المجموعة الشمسية، ولنستوعب مدى ضخامته، يكفي أن نتخيل أنه لو كان على الأرض لغطى معظم مساحة بلاد الشام، ولأمكنت رؤيته من أبعد من بغداد.

ترتبط عدة تفاصيل جغرافية أصغر بالهبوط، ربما لم يعد المريخ نشطًا كما كان قبل بضعة مليارات من السنين، لكن فيه الكثير من الفوهات والصخور والمناطق الأقسى من أن يهبط عليها روبوت أرضي دقيق ويتجول في أرجائها.

تختم رودريغ بقولها إنه لا يوجد الكثير من المناطق الملائمة للهبوط على المريخ، وإن الأمر ينحصر بمكانين أو ثلاثة إذا أخذنا كل العوامل بعين الاعتبار.

اقرأ أيضًا:

الميكروبات قد تساعدنا في صنع وقود الصواريخ على سطح المريخ

مسبار ناسا على سطح المريخ يعثر على جزيئات عضوية غير معروفة سابقًا

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر