هنالك إجماع علمي -توصل إليه أكثر من 2500 خبيرًا- على أن الأرض تشهد تغيرًا مناخيًا على نطاق عالمي، ومن المحتمل أن يكون معظمه بسبب الأنشطة البشرية، وكان لدى بعض العلماء الآخرين آراء مخالفة بقولهم إن الأدلة لا تدعم هذا الاستنتاج، مع أن معظمهم يتفقون أيضًا على أن البيانات تُظهر زيادة تدريجية في درجة حرارة الأرض، سواءً أكنت توافق على الإجماع أم لا، فلا أحد ينكر أن التغيير الطفيف في درجة الحرارة قد يكون له عواقب وخيمة.

تؤدي درجة الحرارة دورًا مهمًا في تشكيل أنماط الطقس، وتوجيه دورة حياة الكائنات الحية المختلفة والحفاظ على مستويات المحيطات، وقد يؤدي تغير في الحرارة بمقدار درجتين إلى حدوث فوضى في النظام البيئي بأكمله، ويمنع نمو المحاصيل التي تنمو عادة في كل منطقة، إذ إن معظم النباتات لديها مستويات من درجات الحرارة التي تنمو فيها. رغم أن عوامل أخرى مثل جودة التربة وكمية هطول الأمطار التي تتلقاها المنطقة تؤدي أيضًا دورًا حيويًا، فإنه خارج نطاق درجات الحرارة هذه، تواجه المحاصيل مشكلة في إنتاج غلات كبيرة؛ وسيؤدي رفع درجة الحرارة بمقدار درجتين فقط إلى انخفاض في الإنتاجية.

عندما يصبح الجو دافئًا، تمر النباتات بعملية تدعى النتح، إذ تتسرب الرطوبة بصورة أساسية عبر أوراق النباتات، ويمكن أن يؤدي معدل النتح المتزايد إلى ذبول النباتات وموتها في النهاية. تسرع الحرارة أيضًا عملية تحلل المواد العضوية في التربة، فعندما تتحلل هذه المواد تحتفظ التربة برطوبة أقل، وهذا ليس جيداً للنباتات؛ إذ إن درجات الحرارة المرتفعة توفر الظروف الملائمة للأنواع الغازية، مثل الأعشاب الضارة التي تنمو في المناطق الاستوائية أو شبه الاستوائية للانتقال إلى مناطق جديدة؛ قد يكون لهذه النباتات المزعجة أيضًا تأثيرٌ سلبيٌ على المحاصيل، وارتفاع درجة الحرارة لا يؤثر فقط في نباتات في المنطقة بل على الحشرات أيضًا.

الحرارة ودورة حياة الحشرات والحيوانات:

تؤثر درجة الحرارة كثيرًا في دورة حياة الحشرات؛ إذ تموت العديد من الحشرات خلال أشهر الشتاء الباردة بسبب نقصان درجة الحرارة، وفي حال زيادتها درجتين فقط، لن يموت عددٌ لا يستهان به من هذه الحشرات، وسنشهد قفزة كبيرة في أعدادها. إذا تكاثرت الحشرات في وقت مبكر من العام، ستعيث فسادًا في محاصيل النباتات وتعرضها لخطر كبير خلال موسم نموها.

تزيد درجات الحرارة المرتفعة من سرعة دورة حياة الحشرة، أي أنها ستنضج وتتزاوج وتتكاثر في فترة زمنية أقصر من المعتاد، ما يعني وقتًا أقل بين كل جيل من الحشرات، ولأن هذه الحشرات يمكن أن تحمل معها الأمراض سيكون هناك احتمالية وباء من الآفات والأمراض التي قد تغزو المنطقة، مثلًا يعرف البعوض بكونه حاملًا لأمراض مختلفة، مثل الملاريا، ومع ارتفاع درجات الحرارة، سيرتفع نشاط هذا البعوض خلال معظم العام وسيكون قادرًا على التكاثر بأعداد أكبر، ونتيجةً لذلك يمكننا أن نتوقع ارتفاع معدلات الأمراض، لاسيّما في البلدان النامية، وسيكلف هذا إدارة الأمراض ومكافحة انتشار البعوض مبالغ باهظة.

تستطيع العديد من الحيوانات التكيف مع ارتفاعٍ طفيفٍ في درجات الحرارة، لكن بعضها يعيش في مناطق أكثر عرضة للتغيرات في درجات الحرارة، خير مثال على ذلك هو الدب القطبي الذي يفقد أجزاءً كبيرة من موطنه مع ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد، ومع محدودية أماكن الصيد التي يذهب إليها الدب القطبي، سيواجه مع أنواع أخرى مشاكل مماثلة، إذ ستواجه المجاعة حالها كحال النباتات المحلية التي تكافح من أجل البقاء في بيئة أكثر دفئًا.

تخفض درجات الحرارة المرتفعة التنوع البيولوجي في مناطق معينة؛ وتنبع أهمية هذا التنوع في مساعدته على حماية حياة المنطقة، لأن انخفاضه سيعرض الكائنات الأخرى لكوارث المجاعة والمرض، إذ إن سنة واحدة عصيبة كهذه قد تودي بحياة نسبة كبيرة من الكائنات الحية.

درجات الحرارة والمحيطات وأنماط الطقس:

رغم أننا أنشأنا نماذج حاسوبية معقدة لتحليل أنماط الطقس والتنبؤ بها، ما زلنا نعده ظاهرة معقدة، وما زلنا نتعلم تعقيدات أنماط الطقس ودوراته، مثل ظاهرة إل نينو التي تحمل في طياتها تعقيدات خاصة.

ظاهرة إل نينو هي دورة طقس تظهر كل عدة سنوات. وعند عدم حدوث ظاهرة إل نينو خلال عام مثلًا، تهب الرياح التجارية عادةً باتجاه الغرب عبر المحيط الهادئ، وفي أثناء انتقال هذه الرياح، تدفع المياهَ الدافئة على سطح المحيط إلى الغرب، وبالعودة تجاه أمريكا الجنوبية شرقًا، ترتفع المياه الباردة (الأغنى بالمغذيات من الماء الدافئ) من المستويات العميقة للمحيط إلى السطح، إذ يساعد هذا الماء المحمّل بالغذاء في دعم الحياة البحرية، ويؤدي دورًا حيويًا في مصائد الأسماك قبالة سواحل أمريكا الجنوبية.

ولكن خلال ظاهرة إل نينو، تضعف هذه الرياح التجارية، ويبقى الماء الدافئ على سطح الجهة الشرقية من المحيط الهادئ في مكانه، ما يمنع الماء البارد من الارتفاع إلى السطح، ما يخلف المعاناة للحياة البحرية التي تعتمد على العناصر الغذائية التي تنمو بصفة طبيعية.

ويعني هذا بدوره أن أنماط الطقس تتغير، فيزداد المطر مع تبخر الماء من الأجزاء الأكثر دفئًا في المحيط. في عام عادي، تدفع الرياح التجارية المطر نحو الغرب، إذ يتساقط المطر في جزء من المحيط الهادئ بينما تظل المنطقة الشرقية خالية من الأمطار نسبيًا، ولكن خلال ظاهرة إل نينو، لا تتفاوت درجة حرارة سطح الماء كثيرًا، ويمكن أن يتشكل المطر في شرق المحيط الهادئ، ما يتسبب في حدوث فيضانات في أمريكا الجنوبية.

رغم أن ظاهرة إل نينو هي حدث دوري، فإنه مع ارتفاع درجات الحرارة قد تصبح التأثيرات التي نراها خلال ظاهرة إل نينو شائعة أكثر؛ يمكن أن يؤدي التغير في أنماط الطقس بدوره إلى تغير جذري في كل شيء من الحياة البحرية إلى دورات المحاصيل على الأرض.

التأثير المحتمل الآخر لارتفاع درجة الحرارة أن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى أعاصير متواترة وأكثر قوة؛ رغم العلاقة بين درجة حرارة الماء وتواتر الأعاصير وشدتها لا تزال غير واضحة؛ فإن علماء المناخ يناقشون ما إذا كانت المحيطات الأكثر دفئًا ستؤدي إلى موسم أعاصير أكثر شدة. لذا مع وجود هذه الاحتمالية (أي أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى أعاصير أقوى)، فليس لدينا بيانات كافية للتأكد من هذه النتيجة.

ويذكر أيضًا عند الحديث عن الاحتباس الحراري أنه يجب التركيز على ارتفاع متوسط درجة الحرارة في منطقة محددة، لذا في حين أن ارتفاع درجتين لا تبدو مشكلة كبيرة، فإن ذلك يعني أن المنطقة ستشهد أحداثًا مناخية شديدة مثل موجات الحرارة المرتفعة؛ وبارتفاع درجة الحرارة درجتين فقط، ستشهد تلك المنطقة 75-90 يومًا في السنة أو أكثر من الموجات الحرارية، وهذا له تأثيرٌ كبير.

اقرأ أيضًا:

ما الفرق الذي يُحدِثه تغيّر درجة الحرارة بمقدار نصف درجة مئوية نتيجة الاحتباس الحراري؟

ارقام قياسية في درجة الحرارة بالقطب الجنوبي الى اين نحن ذاهبون ؟

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: أحمد الحميّد

مراجعة: حسين جرود

المصدر