لقد كانت الأبحاث الجديدة التي أجريت في جامعة تكساس A&M لعلوم الطب البيطري والحيوي (VMBS) الأولى من نوعها في تزويدنا بدليل تجريبي مباشر على أن الكسور قد لا تلتئم لدى المصابين بمتلازمة داون.

قادت كيربي شيرمان الدراسة التي نشرت مؤخرًا، وهي عضو في جامعة (VMBS) قسم العلوم البيطرية والصيدلانية (VTPP)، ولم تسلط هذه الدراسة الضوء على قضية غير معروفة سابقًا فقط، بل أبرزت الحاجة أيضًا إلى أن يعيد الأطباء النظر جيدًا في قضية التئام الكسور لدى المصابين بمتلازمة داون.

متلازمة داون هي العيب الخلقي الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة، وقد غيرت هذه المتلازمة التطور البشري وقادت إلى قضايا سريرية متنوعة، التي تضمنت التخلف العقلي ورخاوة المفاصل والعيوب القلبية وانقطاع النفس أثناء النوم والعقم.

أشارت الأبحاث السابقة إلى أن الكثافة العظمية لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة داون أقل مما هي عليه لدى الأشخاص الطبيعيين، الأمر الذي يزيد احتمال حدوث كسور العظام.

اعتقد العلماء سابقًا أن استجابة العظم للكسر بالالتئام ستكون مختلفة لدى المصابين بمتلازمة داون، لكن وحسب شيرمان، فقد اكتشفوا أن الكسور لن تلتئم أبدًا لديهم، الأمر الذي كان لا يصدق.

قالت شيرمان: «درس العلماء الكسور لوقت طويل لدى العديد من الأنواع المختلفة، وقد كان الالتئام بطيئًا في بعض الحالات، وعلى الرغم من ذلك فإن الأغلبية الساحقة من الكسور ستلتئم في النهاية لدى الأنواع كلها، أما في بحثنا الجديد، فقد وجدنا أن الكسور لن تلتئم أبدًا!».

أوضحت شيرمان: «عندما تبدأ العظام بالالتئام، فإن مادةً ذات قوام غضروفي لين تشبه الغراء وتدعى الدشبذ، ستتشكل على سطح العظم وستصل بعدها نهايتي العظم المكسور مع بعضهما مجددًا، ندعو هذه العملية بالتجسير».

وأردفت: «في حالة الإصابة بمتلازمة داون، فإن الصمغ سيبدأ بالتشكل لكن لن يتمكن أبدًا من التجسير».

اعتبر الباحثون هذا الأمر مقلقًا، لأن عدم التئام الكسور بشكل كامل قد يسبب تأثيرات صحية مدمرة، تكون مضاعفة لدى المصابين بمتلازمة داون بسبب نقص الكثافة العظمية الواضح لديهم.

ولذلك قالت شيرمان أن «خطر الكسور يشكل قلقًا صحيًا كبيرًا لمجموعة المصابين بمتلازمة داون».

وأوضح د.لاري سوفا، رئيس قسم العلوم البيطرية والصيدلانية VTPP: «عدم التئام الكسر بالشكل الصحيح الذي نسميه عدم الانجبار، يمكن أن يقتل الناس، سواء كانوا مصابين بمتلازمة داون أم لا».

وأضاف د.لاري: «معدل عدم انجبار الكسور المرتفع لدى هؤلاء الأشخاص مقارنة بالناس الطبيعيين يشكل قضية كبيرة وحاسمة».

بحسب سوفا وشيرمان، يوجد سببان رئيسيان لعدم اكتشاف هذه القضية حتى الآن:

السبب الأول:

إن المصابين بمتلازمة داون أصبحوا يعيشون اليوم أطول مما اعتادوا عليه. فوفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في عام 1960 كان العمر المتوقع للمصابين بمتلازمة داون يقدر بعشر سنوات فقط. أما في عام 2007، ارتفع العمر المتوقع للمصابين بمتلازمة داون حتى 47 سنة، ويعود ذلك إلى تعلم المزيد عن طرق تعديل تأثيرات الغدد الصماء وتطبيق ما تم تعلمه على المصابين بهذه المتلازمة.

وقال سوفا: «علمنا سابقًا أن كتلة العظم لدى هؤلاء المصابين بمتلازمة داون أقل من المستوى الطبيعي، وبسبب تزايد عمرهم المتوقع فقد تمكن الباحثون أن يفهموا بشكل أفضل التأثيرات طويلة الأمد للكتلة العظمية المنخفضة لديهم.

يوجد اليوم مصابون بمتلازمة داون في العشرينات والثلاثينات من عمرهم، ويملكون هيكلا عظميا ثابتا وكتلة عظمية تماثل تلك التي يملكها شخص طبيعي في الستينات من عمره. وغالبًا ما يتمتع هؤلاء بالنشاط والقدرة على ممارسة الرياضة، وبالتأكيد إنه أمر عظيم، لكن سيصبح الأمر مقلقًا إذا كان هذا الأمر يعرضهم لخطر متزايد من كسور العظام التي لن تلتئم».

السبب الثاني لعدم اكتشاف هذه القضية لوقت طويل هو أن الرعاية المتخصصة للمصابين بمتلازمة داون لم تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الأطباء والمشافي، الذي يعني عدم توفر بيانات سهلة المنال لدراسة هذه القضية.

وقد وضح سوفا أيضًا: «لا يوجد قانون طبي يحدد الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، لذلك لم يملك الباحثون أي نوع من البيانات لاستخدامها في جمع الإحصائيات التي تدعم هذا النوع من الأبحاث.

مجموعات الدعم الخاصة بالمصابين بمتلازمة داون وأفراد عائلاتهم لا يريدون أن يتفردوا هم أو أحبائهم بهذا المرض فرغم كل هذا هم بشر طبيعيون».

وتابع سوفا: «كنتيجة لذلك، وعلى الرغم من حالات الكسور كلها التي تسجل يوميًا في الولايات المتحدة، فإنه لا توجد طريقة لتحديد أي من هؤلاء المرضى مصاب بمتلازمة داون، ولذلك لا يوجد طريقة منظمة لتعقب التئام الكسور لديهم».

ستتضمن الخطوة التالية في البحث العمل على إيجاد بيانات المصابين بمتلازمة داون، والتركيز على الآليات الفعلية التي تمنع التئام الكسور لديهم.

من الضروري ذكره أنه إذا لم يعلم أحد أن عدم التئام الكسور عند هؤلاء الأشخاص يعد مشكلة، فلن يبحث أحد عن الحلول. ويأمل الباحثون في أثناء ذلك -ومع هذا الوعي الجديد تجاه المشكلة- أن يكون هناك تبنٍ وعلى نطاق واسع لإجراءات وتدابير تهدف إلى زيادة قوة العظام، ومراقبة الكسور بحذر أكثر عندما تحدث، وعندها سيأخذ الأطباء وغيرهم صحة العظام لدى المصابين بمتلازمة داون بعين الاعتبار.

وقال سوفا في هذا السياق: «نتمنى من الأطباء أن يُطمئنوا المصابين بمتلازمة داون، فيقولوا على سبيل المثال: أنت في السابعة عشرة من عمرك، وتستطيع الاستمرار بلعب كرة القدم والحركة بنشاط.

لكن في الوقت ذاته، نتمنى أيضًا أن يتأكدوا من صحة نظام هؤلاء الأشخاص الغذائي وأن مستوى “فيتامين د” جيد لديهم، فهدفنا هو أن نتمكن من تطبيق المقترحات السابقة كلها للحفاظ على صحة الهيكل العظمي».

اقرأ أيضًا:

أقدم حالة مكتشفة لمتلازمة داون تعود للعصور الوسطى في فرنسا

باحثون يتمكنون من إيقاف جينات متلازمة داون

ترجمة: حلا بلال

تدقيق: أميمة الغراري

المصدر