خلال النفق الطويل المُظلم لعام 2020، وقف شهر نوفمبر في آخره كالضوء، بعضنا يراه ضوءًا ساطعًا وبعضنا الآخر يراه ضوءًا خافتًا، لكنه دون شك يستحق الوقوف عنده. في التاسع من نوفمبر، أعلنت شركة «فايزر» النتائج المؤقتة للقاحها المُرشح، مُشيرةً إلى فاعلية تفوق 90% في الوقاية من أعراض فيروس كورونا المُستجد في المراحل المتأخرة من التجارب السريرية على البشر. قوبلت هذه الأخبار بفرحة كبيرة.

بعد عدة أيام من هذا الإعلان، أعلنت منظمة الاستثمار المباشر الروسية أن اللقاح المُرشح الذي تطوره، المُسمى «سباتنيك V» قد أظهر فاعلية تبلغ 92% في المراحل المتأخرة من التجارب السريرية. ثم أعلنت شركة «مودرنا» عن نسبة فاعلية تبلغ 94.5% للقاحها المُرشح.

بعدها جاء الإعلان الأخير عن لقاح فيروس كورونا المُستجد من جامعة أوكسفورد، إذ بلغت نسبة فاعلية لقاحها الذي طُور بالتعاون مع شركة «أسترازينيكا» للصناعات الدوائية 70.4%.

إذا كنت تعد ذلك مخيبًا للآمال، فتذكر أن هذه النتائج مؤقتة وربما تتغير الأرقام بمرور الوقت. وأن لقاح أوكسفورد أُعطي لمجموعة واحدة من المتطوعين بجرعتين معياريتين أظهرتا فاعلية 62%، ولمجموعة أخرى من المتطوعين بجرعة أقل متبوعة بجرعة معيارية. ما رفع نسبة الفاعلية إلى 90%.

لماذا يعد لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا منقذ البشرية من جائحة كورونا - الوقاية من أعراض فيروس كورونا المستجد في المراحل المتأخرة من التجارب السريرية

ليس السبب واضحًا. وصف البروفيسور أندرو بولارد أحد الباحثين البارزين في المشروع النتائج بأنها غريبة ومثيرة للاهتمام. أشار أيضًا إلى فكرة أن استخدام جرعات صغيرة يعني توفر المزيد من جرعات اللقاح.

لم توجد حالات شديدة من الإصابة بالفيروس عند الأشخاص الذين تلقوا اللقاح. ويبدو أنه يولّد استجابة مناعية واقية في الأشخاص الأكبر سنًا. مع ذلك، يجب علينا انتظار النتائج النهائية للحصول على توضيح شامل.

الفاعلية ليست المعيار الوحيد

رغم امتلاك لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا فاعلية أقل مقارنةً بلقاحي فايزر ومودرنا -على الأقل حتى الآن- توجد عوامل أخرى للنجاح يجب وضعها في الحسبان. منها السلامة، إذ يمتلك لقاح أوكسفورد معدل أمان جيد حتى الآن دون أعراض جانبية خطيرة.

التخزين من العوامل الحاسمة الأخرى التي يجب النظر إليها. إذ يمكن تخزين لقاح أوكسفورد في ثلاجة منزلية. قد تكون الحاجة إلى إبقاء اللقاح مجمّدًا باستمرار طوال الطريق من المصنع إلى مراكز التلقيح بدرجات شديدة البرودة، كما هو حال لقاح شركة فايزر، مشكلة للكثير من البلدان خاصة الفقيرة منها.

إن لقاح أوكسفورد المعتمد على الناقلات الفيروسية أرخص ثمنًا (4 دولارات أمريكية) مقارنةً بلقاحي فايزر ومودرنا المعتمدين على الحمض النووي الريبوزي الرسول للفيروس -20 دولارًا و33 دولارًا أمريكي تواليًا- وبهذا يكون لقاح أسترازينيكا هو الأنجح في تجاوز العبء المالي.

التوزيع العادل

من المهم احترام سياسة التوزيع العادل للقاحات الجديدة، خاصة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي لا تمتلك مقدرة شرائية مُضاهية للبلدان الغنية. التحالف العالمي للقاحات والتمنيع، هو شراكة صحية عالمية هدفها زيادة إمكانية الوصول إلى اللقاحات ورفع مستوى التمنيع في البلدان الفقيرة، قد عملت سنوات من أجل الوصول إلى هذه النقطة، وأطلقت مبادرة كوفاكس عام 2020، إذ ستحصل على 700 مليون جرعة من لقاح فيروس كورونا المُستجد حال نجاح التجارب السريرية.

سابقًا، تعهدت جامعة أوكسفورد بالتعاون مع شركة أسترازينيكا بتقديم مليار جرعة من لقاحهما للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، على أن تُتاح 400 مليون جرعة قبل نهاية عام 2020. وتعهدت شركة أسترازينيكا بتقديم المزيد من الجرعات للبلدان خارج أوروبا وأمريكا أكثر من الشركات المنافسة لها.

بداية ممتازة

هذه التعهدات لن تكون كافية لتغطية الاحتياج العالمي في البداية، لكنها بداية ممتازة. يعيش تقريبًا 9% من تعداد السكان حول العالم في فقرٍ مدقع مع نظام صحي هش.

مع الوعود بسياسة عادلة في توزيع اللقاح، يوجد أمل ألا تُنسى البلدان الفقيرة. يجب على المجتمع الصحي العالمي أن يصب اهتمامه على هذه النقطة.

ما الذي يعنيه هذا الإعلان للعالم؟ إنه يعني الكثير. لكن علينا التذكر أننا لم ننته بعد من التجارب السريرية، يجب على المنظمين أن يوافقوا على اللقاحات الجديدة المُرشحة.

رغم النجاح في التغلب على هذه العقبات، ما زلنا بحاجة إلى تمنيع العالم أجمع، وهذا يتطلب الإبحار بنجاح خلال بحر من العوائق مثل التغلب على المسافات البعيدة والسياسة والأمور اللوجستية والسلوك البشري.

لم تنتهِ الجائحة العالمية بعد، ولن تنتهي خلال فترة منظورة، ولكن ذلك الضوء يزداد سطوعًا مبشرًا بأمل قادم.

اقرأ أيضًا:

تجارب لقاح فيروس كورونا لن تعطينا أجوبة قاطعة عن أكبر أسئلتنا.. وهذا هو السبب

لقاح فيروس كورونا الروسي الجديد يثير شكوك العلماء في سلامته

ترجمة: محمد عيسى

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر