يصعب على معظمنا التفكير في احتمال انتحار طفل، ولكنه للأسف يبقى ذلك الواقع الذي عاشته أكثر من 5000 عائلة أمريكية المنشأ، في الفترة ما بين عامي 2000 وحتى 2017 (5527 حالة انتحار). وهذه الفئة العمرية ما بين الـ 10 أعوام والـ 14 عامًا. لكن عند النظر إلى إحصائيات الانتحار حتى عمر الـ 24، فتصل تلك الأعداد إلى حد الفزع، وتتمثل في 88,744 حالة انتحار. ما يجعله ثاني أشيع مسبب للموت لهذه الفئة من سكان الولايات المتحدة. ويزداد الأمر سوءًا عندما ندرك أن حالات الانتحار بين فئة الـ 10 أعوام وحتى الـ 14 عامًا، تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا في نفس الفترة الزمنية. إذن السؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ ما الذي يدفع بهؤلاء الأطفال إلى فقدان الأمل لتلك الدرجة؟

لا توجد إجابة بديهية، وبالتأكيد لا تسري على جميعهم الأسباب نفسها، ولكن تلعب بعض العوامل في ذلك دورًا:

  •  العلاقات الأسرية: يزعم يوهان بلسين أن ما يقدر بنحو 50% من حالات الانتحار بين الشباب تعود لعوامل عائلية؛ تتمثل في الإهمال والتجاهل، والعنف المنزلي، وتعاطي المخدرات، أو تاريخ سابق من الأمراض النفسية وحالات انتحارية.
  •  الوراثة: أشارت نتائج دراسات توأمية على ارتفاع نسبة الميول الانتحارية لدى الأطفال الذين نشؤوا وسط عائلة ذات تاريخ بيولوجي انتحاري، حتى لو كان الأطفال متبنين.
  •  يمر الشباب في مرحلة المراهقة بتغيرات، محاولين البحث عن هويتهم الذاتية، ما يجعلهم أكثر عرضةً للتأثر نفسيًا والإصابة بمشاكل نفسية.
  •  تلعب طبيعة تطور الدماغ بالإضافة إلى ذلك دورًا أساسيًا، باعتبارها أحد العوامل التي تساعدنا في فهم وتحليل سلوك الشباب المتغير. إذ يكون الدماغ المتوسط -منطقة مركز الدماغ والمسؤولة عن معالجة المشاعر- قد نمى بشكل تام، وما يزال تكوين وصلات قشرة فص الجبهة -المسؤولة عن الاستدلال وتطبيق المنطق- في مرحلة النمو بعد. تتيح لنا تلك المنطقة التخطيط والتفكير بمنطقية وموازنة السلوك الإجتماعي، وإدراك أولوياتنا وترتيبها. لذلك يصبح المراهقون والأطفال جراء خضوعهم لتلك العملية التطورية أكثر عرضةً لإساءة تفسير الإشارات الاجتماعية، والتصرف الاندفاعي والانخراط في سلوكيات متهورة. ومن هنا قد تنشأ فكرة الانتحار.

مواقع التواصل الاجتماعي والانتحار

لا يُعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لبناء علاقات أمرًا سيئًا بالضرورة. فعلى النقيض، قد تسمح لهم تلك المنصات بتحسين مهارات التواصل لديهم، وتوسع نطاق شبكتهم الاجتماعية، وتساعدهم في تبني اهتمامات جديدة. ولكن تنشأ المشكلات عندما تبدأ الحياة الإلكترونية بأخذ مكان الحياة الواقعية؛ فتحل العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي محل العلاقات الحقيقية، وينعزل الفرد عن العالم الخارجي مستبدلًا أنشطته الخارجية بغيرها الداخلية، فاقدًا قدرته على التلذذ بالعالم من حوله. ومع أن وباء كوفيد-19 تسبب في تفاقم تلك النزعة، فإننا لا نملك أي بيانات أو نتائج بحثية عن مدى تأثير ذلك في الشباب.

أُجريت دراسة عام 2017 في الولايات المتحدة بمشاركة 506,820 شابًا، تراوحت أعمارهم بين الـ 13 والـ 18 عامًا، وشهدت زيادة بنسبة 34% في احتمالية الشعور بأعراض اكتئاب أو المرور بحادثة انتحارية، محاولةً كانت أو فكرةً، لدى الأشخاص الذين يقضون وقتًا أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي -بمعدل 3 ساعات أو أكثر- مقابل الذين استخدموا أجهزتهم الإلكترونية ساعتين أو أقل.

مال المراهقون الذين استخدموا يوميًا مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الإبلاغ عن شعورهم بمستويات عالية من أعراض الاكتئاب، بنسبة 13% أعلى من الذين قللوا استخدامهم، ولذلك من المهم جدًا الموازنة بين هذين العالمين.

وفقًا للدراسة، فإن أحد العوامل التي تساهم في الإصابة بالاكتئاب أو التفكير بالانتحار هي مقاييس الشعبية التي خلقها فيسبوك، والتي قد تؤدي إلى شعور الشباب بالنقص وعدم الكفاية عند رؤية أحد «أصدقائهم» يحظى بـِ”بعض المرح”. ومع ذلك لاحظ الباحثون أن ذلك لم يكن حال جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. فإذا تحكم الشباب في استخدامهم قد يحدث العكس؛ فترتفع معنوياتهم وينظرون إلى أنفسهم من منظور إيجابي، مقارنةً بمن لا يستخدمونها.

الطلاب الجامعيين

طلبت الجمعية الصحية للكلية الأمريكية من 88,178 طالب، تحديد العوامل التي أثرت سلبيًا على أدائهم الجامعي، عند تعبئة التقييم لصحة الطلاب لعام 2018. تربع التوتر على عرش اللائحة بنسبة 33.2% يتبعه القلق بنسبة 26.5% ثم مشاكل النوم بنسبة 21.8% والاكتئاب بنسبة 18.7%. ولكن للأسف لا يطلب الكثير منهم المساعدة، فتظل تلك العوامل ترهقهم حتى تهلك صحتهم النفسية وربما تؤدي للانتحار.

تظهر نتائج التقييم عددًا يثير القلق من الشباب الذين يحتاجون إلى الرعاية المهنية (مثل العلاج النفسي) والدعم من عائلاتهم وأقرانهم. من الضروري إدراك كيفية التعامل مع الشباب من تلك الفئة، وهو ما سنذكره لاحقًا، فيمكن لذلك أن يصنع فرقًا في استجابتهم للمساعدة وقبول الدعم.

علامات تحذيرية تدل على تفكير ابنك بالانتحار

  •  عزل النفس عن العالم الخارجي.
  •  فقدان الشعور بالمتعة عند أداء الأنشطة التي اعتاد ممارستها بشغف.
  •  العزوف عن حضور الحصص المدرسية أو النزهات الاجتماعية.
  •  رؤية الأمور من منظور سلبي أو عدم توليتها أي اهتمام على الإطلاق.
  •  التقلبات المزاجية المفاجئة.
  •  اضطرابات في النوم (سواء كان الإفراط في النوم أو قلته).
  •  تطور الاهتمام بالمواضيع التي تتعلق بالموت والانتحار (سواء كانت أفلامًا أو أغاني أو كتبًا وروايات).
  •  فقدان الحافز للدراسة فيشهد المراهق/الطفل، إنخفاضًا في معدل درجاته المدرسية ولا يلتزم بحضور صفوفه، وإن فعل فيصعب عليه التركيز، ويظهر سلوكًا عنيفًا تجاه مدرسيه وزملائه.
  •  الانسحاب من جميع الأنشطة والناس، أو إهمال المظهر الخارجي، أو البدء بتعاطي المخدرات (أو الإكثار منها).
  •  الانخراط في الأنشطة التي تتطلب المجازفة أو إيذاء الذات أو تشويهها (مثل جرح الجلد بآلة حادة).
  •  تغير عادات الأكل.

كيف يمكن مساعدتهم لتخطي أفكار الانتحار؟

تعد العلاقات بالعالم الخارجي أهم وسيلة مساعدة لمن تراوده مشاعر سلبية. فيُفضل التقرب من الطالب وعرض المساعدة عليه بطرق لا تحمل كلمات أو نظرات انتقادية أو ما يُشعره بأن سلوكه دائمًا تحت عدسة مكبرة، بالإضافة إلى تضمين عائلة الطالب قدر الإمكان (بعد الحصول على موافقته)، وأصدقائه ومعلميه وطاقم الجامعة أو العمل، لبناء مجتمع داعم وآمن.

ينبغي اتباع الطالب عادات سليمة، مثل حصوله على أقساط كافية من النوم واتباع نظام أكل صحي، وممارسته للأنشطة البدنية، وزيارته مركز الرعاية الصحية وخضوعه للعلاج النفسي. ويُنصح الطلاب باستغلال توفر خدمات الصحة النفسية في الجامعات.

نصائح للعائلة

  •  إشراك أنفسهم في الحياة الدراسية لأطفالهم؛ فيحضرون المناسبات المدرسية التي يشاركون بها، مثل عروض الرقص أو المباريات الرياضية. ويبادرون بالتحدث إلى معلميهم إذا واجهتهم مشكلات دراسية.
  •  البقاء على تواصل معهم إذا انتقلوا إلى جامعة بعيدة عن المنزل. خاصةً في عامهم الأول إذ سيمرون بتغيرات عدة في حياتهم في تلك الفترة ولذلك فهم يحتاجون للشعور بوجود الدعم العائلي.
  •  تجنب التعليق على سلوك أبنائهم بكونه (صواب أو خاطئ). بدلًا من ذلك، محاولة فهم سبب تصرفهم بسؤالهم أسئلةً مفتوحةً قابلة للنقاش (وليس أسئلة تنحصر إجابتها بين نعم أو لا)، فذلك يساعدهم على الانفتاح والإفصاح عن مشاعرهم.
  •  من الضروري جدًا الإنصات إليهم بدلًا من التوجه بسرعة للبحث عن نصيحة. فالأطفال يحتاجون إلى من ينصت إليهم، وغالبًا ما يجعلون ذلك واضحًا عندما يرغبون في توجيه موضوعي أو نصيحة الوالدين. مثال جيد على ذلك، يكون بمقارنة الوالدين مشكلات أطفالهم مع مشكلات مشابهة واجهتهم في الماضي، ليشعر الأطفال بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المحنة. يعد ذلك أقل تدخلًا من قول «يجب عليك أن…». ويمكن للوالدين مناقشتهم في الحلول المحتملة ومنحهم الحرية ليكتشفوا بأنفسهم ما هو الأفضل لمصلحتهم، فقد يلفت الوالدين نظر الطفل إلى رؤية الأمور بزاوية مختلفة لم يسبق وأن فكر بها الطفل.
  •  على الأهالي إدراك أن الأطفال والمراهقين لن يعلنوا عن رغبتهم أو نيتهم في الانتحار في بعض الأحيان، نتيجة قلقهم حيال رد الفعل الذي سيلاقونه. قد تساعدهم الأسئلة المباشرة غير المصاغة بنبرة انتقادية على الإفصاح عن مشاعرهم وأفكارهم.

يعرف الوالدان وحدهم طفلهم جيدًا، ولذلك يسهل عليهم ملاحظة التغييرات في سلوكه وطريقة لعبه أو نمط الألعاب التي يمارسها والتي قد تشير إلى احتمال تفكيره بالانتحار. وبما أن هذه أكثر الوسائل تعبيرًا عن الطفل، فينبغي على الوالدين ملاحظة أي تغييرات قد تطرأ عليه. فقد يصبح الطفل عدوانيًا أو يبدو حزينًا وخائفًا أو قلقًا ومضطربًا. وقد يظهر أحد التصرفات الآتية:

  •  يتخلى عن ألعابه.
  •  يصبح أكثر عدوانيةً إذا لم يسر اللعب على رغبته أو لصالحه.
  •  يرفض اللعب تمامًا ويمتنع عنه.
  •  تراوده كوابيس متكررة.
  •  يتطور لديه قلق الانفصال (الخوف من تخلي أهله وأصدقاءه عنه).
  •  يشكو من الآم جسدية، مثل ألم البطن أو الرأس.
  •  يصبح شديد التعلق والحاجة.
  •  يصعب عليه التركيز.
  •  يبدو غير واثقًا من نفسه ويعاني تقدير ذات منخفض ويرى نفسه بمنظور سلبي.

يتوجب على الوالدين عرض الطفل على طبيب نفسي فورًا إذا اشتبهوا أن لديه ميولًا انتحاريةَ.

اقرأ أيضًا:

ما سبب زيادة نسب الانتحار بين المراهقين؟

ما سبب انتشار الأفكار الانتحارية بين الأطفال؟

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: محمد الشعراني

مراجعة: آية فحماوي

المصدر