تحرى البشر دومًا طرق اجتياز الأرض والتنقل إلى أماكن جديدة، سواء على البر أو في البحر. وقد شهدنا ثورة وسائل النقل من الزوارق البسيطة حتى السفر إلى الفضاء، ولا أحد يعلم إلى أين يمكن أن نصل؟ وكيف؟

يتناول المقال تاريخ وسائل النقل بإيجاز، من أول عربة صُنعت منذ نحو 900 ألف سنة، حتى وقتنا الحاضر.

الزوارق القديمة

الزوارق هي أول أنواع وسائل النقل التي صُنعت للتنقل عبر المياه. رغم وجود دليل على وجود رحلات السفر عبر البحار منذ أكثر من 900 ألف سنة، فإن أول عبور بشري للبحار يُنسب إلى سكان أستراليا قبل نحو 40 إلى 60 ألف سنة. كانت أقدم القوارب المعروفة زوارق بسيطة، صُنعت من تجويف جذوع الأشجار، اكتُشفت آثارها التي تعود إلى نحو 7000 إلى 10 آلاف سنة مضت.

يُعد «زورق بيس» أقدم قارب مُكتشف، ويعود تاريخه إلى سنة 7600 قبل الميلاد. ثم ظهرت الطوافات، إذ أظهرت الآثار أنها كانت مُستخدمة منذ 8000 سنة.

الخيول والعربات ذات العجلات

تُعد الأحصنة ثاني وسائل النقل استخدامًا. من الصعب تحديد التاريخ الدقيق لقيام البشر بترويض الأحصنة واستخدامها في التنقل ونقل البضائع، إلا أن الخبراء يستخدمون علامات تطور الإنسان بيولوجيًا وثقافيًا لتقدير زمن بدء ظهور هذه الأنشطة.

استنادًا إلى التغيرات الطارئة في سجلات الأسنان، وعمليات ذبح الحيوانات، والتغير في أنماط الاستقرار والصور التاريخية، يعتقد الخبراء أن الترويض بدأ نحو سنة 4000 قبل الميلاد، ويؤكد ذلك الأدلة الجينية للأحصنة، التي تشمل التغيرات في الوظائف العضلية والإدراكية. صُنعت العجلات بعدها بفترة وجيزة إذ تُظهر السجلات أن أول عجلة استُخدمت كانت نحو سنة 3500 قبل الميلاد، وظهر هذا النوع من وسائل النقل في بلاد ما بين النهرين، وشمال القوقاز ووسط أوروبا. أول قطعة أثرية اكتُشفت تعود إلى ذلك الوقت كانت إناء «برونوسيس» المصنوع من السيراميك، منقوش عليه عربة بأربع عجلات ومحورين، اكتُشف في جنوب بولندا.

المحركات البخارية

أحدث المحرك البخاري نقلةً نوعية فور اكتشافه سنة 1769. كانت القوارب المستفيد الأول من الاختراع، إذ صنع المخترع الفرنسي كلود دي جوفروي أول قارب بمحرك بخاري في العالم. رغم نجاحه في تنفيذ الرحلات البحرية ونقل الركاب، لم يوجد اهتمام كاف بالتطوير في هذا المجال.

حاول مخترعون آخرون تصميم باخرة عملية للنقل الجماعي، وهو ما حققه الأمريكي روبرت فولتون إذ جعل الفكرة مجدية تجاريًا. سنة 1807 أكملت الباخرة «كليرمونت» رحلة بمسافة 150 ميلًا من نيويورك إلى ألباني، استغرقت 32 ساعة، بمتوسط سرعة 5 أميال في الساعة. وفي غضون سنوات قليلة، استطاع فولتون وشركاه توفير خدمات نقل المسافرين وشحن البضائع بين نيو أورلينز-لويزيانا، وناتشيز-ميسيسيبي.

سنة 1769، حاول فرنسي آخر هو نيكولاس جوسيف كوغنت إدخال تقنية المحرك البخاري إلى نظام العجلات، فنتجت أول سيارة بمحرك بخاري، لكن أدى ثقل وزن المحرك إلى صعوبة حركة السيارة، فسارت بسرعة 2.5 ميل/ساعة بحد أقصى. سمح إدخال تقنية المحرك البخاري إلى نظم وسائل النقل الأخرى بصنع دراجة روبر النارية التي تطورت عام 1867، وأصبحت وفقًا للعديد من المؤرخين أول دراجة نارية في العالم.

القاطرات

القاطرة هي إحدى وسائل النقل الأرضية التي تعمل بمحرك بخاري وتسير في مسار محدد. كشف المخترع البريطاني ريتشارد تريفيثيك عن أول قاطرة في العالم عام 1801، استعملها في توصيل ركاب إلى قرية قريبة. بعد ثلاث سنوات، جعل قاطرة أخرى تسير على سكة حديدية، نقلت 10 أطنان من الحديد إلى مجتمع بيندارين في ويلز، إلى قرية أبيرسينون.

أما المهندس البريطاني جورج ستيفنسون فهو من طور القاطرات لتصبح من وسائل النقل الجماعية. صمم ماثيو موراي من مدينة هولبك أول قاطرة بخارية ناجحة تجاريًا سنة 1812 وأطلق عليها سالامانكا. أراد ستيفنسون تطوير القاطرات إلى مستوى أعلى فصمم قاطرة من 8 عربات تستطيع سحب 80 طنًا من الفحم بسرعة 4 أميال/ساعة.

عام 1824، طور ستيفنسون تصميمه للقاطرة، وكلفته شركة ستوكتون ودارلنغتون للسكك الحديدية بصنع أول قاطرة بخارية تنقل المسافرين على خط عام للسكك الحديدية. ليفتتح بعد ست سنوات شركته الخاصة، شركة ليفربول ومانشستر للسكك الحديدية، التي صنعت أول خط سكك حديدية داخلي تعمل عليه القاطرات البخارية. شملت إنجازات ستيفنسون تحديد المساحة القياسية المطلوبة لصناعة السكك، التي تُعد مرجعًا أساسيًا إلى يومنا.

الغواصات

صُنعت أول غواصة قابلة للملاحة عام 1620 على يد الهولندي كورنيلز دريبل لتخدم القوات البحرية الملكية الإنكليزية.

استطاعت غواصة دريبل الغوص مدة 3 ساعات، وكانت تُدفع بوساطة المجاديف. لم تُصنع الغواصات لتشارك بالمعارك حتى مطلع القرن العشرين إذ أصبحت الغواصات مستخدمةً بصورة واسعة وعملية وذات تصميم قوي. من الأحداث المهمة اللاحقة، إطلاق أول غواصة عسكرية تشارك بالمعارك على شكل بيضة، وسُميت «السلحفاة» عام 1776، وظهور أول غواصة تعمل ميكانيكيًا، تتبع القوات البحرية الفرنسية.

أطلقت القوات البحرية الإسبانية أول غواصة كهربائية تعمل بالبطاريات عام 1888، وكانت أول غواصة عسكرية، سُميت «بيرال» باسم صانعها البحار والمهندس إسحاق بيرال. سُلحت بأنبوب طوربيد وطوربيدين، وجهاز لتجديد الهواء، وبلغت سرعتها القصوى 3.5 ميل/ساعة.

الطائرات

بزغ عصر جديد في تاريخ وسائل النقل مطلع القرن العشرين بعد أن نجح الأخوان الأمريكيان أورفيل وويلبور رايت في تنفيذ أول رحلة جوية عام 1903. وبذلك اخترعوا أول طائرة في العالم. وخلال سنوات قليلة بدأت الطائرات تُستخدم وسيلةً لنقل المسافرين. أصبح المسافرون قادرين على السفر دوليًا للمرة الأولى في التاريخ. وطور المخترع الفرنسي باول كورنو الطائرات العمودية.

عام 1907، نجحت مروحية كورنو في التحليق على ارتفاع قدم واحدة فقط، مدة عشرين ثانية، يُعد كورنو أول شخص يقود طائرة مروحية في التاريخ.

المركبات الفضائية وسباق الفضاء

بعد بزوغ عصر الطائرات، بدأ الإنسان يفكر في السفر إلى الفضاء. كان النجاح الأول في هذا المجال من نصيب الاتحاد السوفيتي، إذ أطلق القمر الصناعي الأول «سبوتنك» عام 1957. بعد أربع سنوات، واصلوا الإنجاز بإرسال الطيار يوري جاجارين إلى الفضاء، وهو أول إنسان يسافر على متن مركبة فضائية.

أشعل التفوق السوفيتي «سباق الفضاء» مع الولايات المتحدة، التي بادرت بإرسال أول رحلة ناجحة إلى القمر، إذ نجحت المركبة «أبولو» حاملةً على متنها رائدي الفضاء نيل أرمسترونغ وباز ألدرين في الهبوط على سطح القمر في 20 يوليو 1969. أذيع الحدث التاريخي مباشرةً عبر التلفاز، وكان أرمسترونغ أول إنسان يخطو على سطح القمر، حين قال عبارته الشهيرة: «خطوة صغيرة للإنسان، قفزة عظيمة للبشرية».

اقرأ أيضًا:

قد يتمكن الباحثون أخيرًا من اختبار إحدى نظريات ستيفن هوكينغ

أهم الشخصيات في التاريخ القديم- الجزء الثاني

ترجمة: حاتم عبد الكريم

تدقيق: عبد المنعم الحسين

المصدر