يرى علماء فيزياء الشمس سطوع الشمس دومًا، خاصةً الآن. انطلقت المركبة المدارية الشمسة Solar Orbiter، بالتعاون بين وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا، في 9 فبراير الماضي، بعد أقل من أسبوعين من أول صورة عامة من تليسكوب شمسي جديد ضخم، تظهر فيه بنية نجمنا بتفاصيل أكثر مما رآه البشر من قبل في أي وقت مضى. في نفس اليوم، 29 يناير، اجتاز مسبار باركر الشمسي Parker Solar Probe’s التابع لناسا أقرب انحناء له تجاه الشمس حتى الآن، وهو رقم قياسي سيحتفظ به حتى 2025.

قال نيكي فوكس Nicky Fox، مسؤول الفيزياء الشمسية في ناسا: «إنه وقت رائع لنا نحن علماء الفيزياء الشمسية؛ فقد انطلقت البعثات الجديدة، إنه أمر بالغ الأهمية والدقة أن ننظر إلى هذا النظام المعقد من الأجهزة بوصفه مرصدًا واحدًا كبيرًا».

مع أن البعثات الثلاث لم تكن مُصمَّمة لتعمل معًا، فهي تتكامل الآن مع بعضها جيدًا. يسبح مسبار باركر الشمسي، الذي أُطلق في أغسطس 2018، أقرب إلى سطح الشمس من أي مركبة فضائية حتى الآن. يحمل هذا المسار المركبة الفضائية إلى داخل الغلاف الجوي للشمس، أو الهالة corona، وتركز أجهزة المسبار على المناطق المحيطة بالمركبة الفضائية مباشرةً، وتقيس الحقول المغناطيسية وجزيئات البلازما، الحالة السائلة من الجسيمات المشحونة التي تشكل الشمس.

لن تسبح المركبة المدارية الشمسية بالقرب من الشمس، لكنها تتميز ببعض المهارات الفريدة من نوعها. أولًا، تحمل المركبة مجموعتين من الأدوات.
المجموعة الأولى مشابهة لما في مسبار باركر، لدراسة محيط المركبة الفضائية. أما الأخرى فهي مجموعة من الأدوات التليسكوبية التي ستراقب السطح المرئي للشمس. وفي أثناء مهمتها، ستترك المركبة مدارها حول وسط الشمس، المُسمى حزام الشمس ecliptic، وستدور حولها بمَيْل، ما سيسمح بالتقاط الصور الأولى من نوعها لقطبي الشمس.

أما التليسكوب الشمسي إنوي Inouye التابع للمؤسسة الوطنية للعلوم، فما زال تحت الإنشاء. لكن فور تشغيله سيحصل على المزيد من الصور، مثل صورة الذرة الذائبة caramel corn، التي نُشرت في يناير، وتُعَد الصورة الأدق للشمس حتى الآن. سيقيس المرصد الأطوال الموجية للضوء المنبعث من الشمس، وبذلك يفك رموز الضوء المنبعث تحت تأثير المجال المغناطيسي للشمس.

أعرب علماء المشاريع الثلاثة مع أنها منفصلة عن حماستهم للعمل معًا على جمع البيانات.

ستكون إمكانية المقارنة بين موقعين منفصلين على سطح الشمس أمرًا رائعا، أيًّا كان موقع كل مركبة فضائية حول الشمس. وقال فوكس إن الجدول الزمني النهائي للمركبة المدارية الشمسية كان معتمدًا على تحديد موعد الإطلاق بدقة، ولكن مع أخذ إمكانية توفيق الجدول الزمني للمركبة الفضائية مع مسبار باركر الشمسي، وجدنا ذلك فرصةً رائعة للموائمة بين البرنامجين، وتطلَّب ذلك تعديل موعد الإطلاق المُعَد سلفًا.

وقال مارتينيز بيليت Martínez Pillet إنه من السهل ربط تليسكوب إينوي الشمسي ببرنامج الرصد، إذ سيعرف المسؤولون عن تشغيله بالضبط أين ستكون المركبتان الفضائيتان في أي وقت من الأوقات، ويمكنهم مطابقة التليسكوب وفقًا لذلك.

إن الجمع بين بيانات المراصد الثلاثة أمر حيوي للعلماء لتحقيق الهدف الرئيسي لهذه البعثات، وهو فهم أفضل للشمس وتأثيرها في جميع أنحاء النظام الشمسي. إذ تؤثر الشمس في النظام الشمسي فيما يُعرف بالطقس الفضائي space weather.

على الأرض، قد يتداخل طقس الفضاء مع التكنولوجيا الحديثة، خاصةً تقنيات الملاحة واتصالات الأقمار الصناعية. ويشكل طقس الفضاء خطرًا على رواد الفضاء، إذ يؤثر في أجهزتهم وأجسامهم. يهدف علماء الطاقة الشمسية إلى أن يكونوا قادرين على توقع طقس الفضاء كما يتوقع خبراء الأرصاد الجوية الطقس على الأرض. قال مارتينيز بيليت: «إننا متأخرون بنحو 50 أو 100 عام في القدرة على توقع الطقس الفضائي مقارنةً بطقس الأرض».

ذلك لأن العلماء لا يعرفون ما يكفي عن كيفية عمل الشمس، وأضاف: «إن قدرتنا على توقع ما يحدث في الشمس محدودة للغاية. لكن مع التطور الفيزيائي الحاصل، يمكننا بالفعل أن نبدأ بتطوير القدرة على التوقع».

وقال مارتينيز بيليت: «إن أحد التحديات المتعلقة بفهم طقس الفضاء يتمثل في المسافة الشاسعة، وهنا تكمن أهمية تكامل البعثات الثلاث. إن حدثًا واحدًا في طقس الفضاء يمكن قياسه بعدة طرق؛ فهو حدث ضخم ينتشر في جميع أنحاء الغلاف الشمسي، وقد يؤثر في عدة كواكب في نفس الوقت».

لكن بحلول الوقت الذي يصل فيه الطقس الفضائي إلى الأرض، يكون قد عبر ملايين الأميال من الفضاء.

من الأسباب الأخرى لأهمية فهم طقس الفضاء، مساعدة العلماء على البحث عن علامات الحياة في أماكن أخرى من الكون. فما يصل إلينا نحن البشر من الشمس ليس إلا القليل من حرارتها وضوئها، مع ذلك فهي مجرد نجم مثل أي نجم آخر، ما يعني أن العلماء يستطيعون تطبيق ما ستتوصل إليه هذه البعثات الثلاث على نجوم أخرى قد لا نكون قادرين على رؤيتها بوضوح، ومثلما تتأثر الأرض بطقس الفضاء، قد يكون هذا التأثير مُميتًا في الأنظمة النجمية المحيطة بالنجوم الأصغر والأنشط.

ستتبنى البعثات الثلاث الكثير من المشاريع لدراستها في السنوات المقبلة. فالشمس تُعَد هادئةً حاليًا، لكن على مدار السنوات الخمس أو الست القادمة، سيزداد نشاط الشمس، وسيستعد مسبار باركر الشمسي والمركبة المدارية الشمسية لرصد ما سيحدث في أثناء تلك الفترة.

وقال فوكس: «إنها بالفعل رحلات استكشاف حقيقية، نحن نبني الفيزياء الأساسية ونفهم كيفية عمل النجم».

لكن بالطبع لن تحل تلك البعثات الثلاث كل الألغاز والأسرار المتعلقة بالشمس. يقول فوكس: «إننا نعرف الآن ما لا نعرفه، لكن ما زال أمامنا الكثير من الأشياء التي لا نعرفها؛ لهذا السبب من الجيد أن هذه البعثات طويلة جدًّا، لذلك لدينا الوقت لتطوير هذه الأسئلة الجديدة، هذا التعطش الجديد للمعرفة».

اقرأ أيضًا:

رصد نوع جديد من الثوران المغناطيسي على الشمس

صدور التفاصيل الأولى للشمس من مسبار ناسا الشمسي باركر

ترجمة: حمدي عرقوب

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر