كان لويس السادس عشر آخر ملوك آل بوربون في فرنسا قبل ثورة 1789، ودُعي قبل اعتلائه العرش باسم لويس أوغست، دوق بيري. ولِد في 23 أغسطس سنة 1754 بفيرساي في فرنسا، ومات في 21 يناير 1793 بباريس وتولى الحكم بين سنتي 1774 و1792، ثم أُلغيت الملكية في فرنسا في 21 سبتمبر 1792 وتلاها إعدام لويس وزوجته ماري أنطوانيت بالمقصلة بتهمة الثورة المضادة.

حياته المبكرة واعتلاؤه العرش

لويس هو الابن الثالث لولي عهد فرنسا الذي حمل اسم لويس أيضًا وزوجته ماريا جوزيفا أميرة ساكسونيا بالميلاد، حمل لقب دوق بيري وأصبح وريثًا للعرش بعد وفاة أبيه سنة 1765.

عُهِد إلى أنطوان دو كيلين دو كوساد دوق فوجويون بتعليم لويس، وتعلّم لويس السادس عشر كيف يخفي أفكاره عن الآخرين، وهذا ما أدى إلى خلاف حاد بين المؤرخين حول ذكائه. لكن كانت للويس ذاكرة ممتازة سمحت له باكتساب معرفة جيدة في اللغتين الإنجليزية واللاتينية، إضافة إلى اهتمامه بالتاريخ والجغرافيا.

لويس السادس عشر: آخر ملوك فرنسا - رد فعل لويس السادس عشر تجاه الثورة الفرنسية - ملك ضعيف الشخصية - إعدام ملك فرنسا وزوجته ماري أنطوانيت

تزوّج لويس من الأرشيدوقة النمساوية ماري أنطوانيت سنة 1770، وهي ابنة ماريا تريزا وفرانسيس الأول (إمبراطور رومانيا المقدس) ثم تسلم عرش فرنسا في 10 مايو سنة 1774 بعد وفاة جده لويس الخامس عشر، كان وقتها يفتقر إلى لباقة السلوك والنضج والثقة بالنفس، ولم يستطع ممارسة واجباته الزوجية بسبب عيب جسدي (عولِج لاحقًا بعملية جراحية).

رغم تعاطف لويس السادس عشر مع رعاياه واهتمامه بالسياسة الخارجية، لم يكن قوي الشخصية أو حازمًا في قراراته، ولم يستطع -من ثَمًّ- التصدي للفاسدين في بلاطه أو دعم الوزراء الإصلاحيين -من أمثال آن روبير جاك تيرجو وجاك نيكر- في جهودهم لتحسين الأوضاع المالية المتردّية التي خلَّفها النظام القديم.

في نهاية سنة 1774، ألغى لويس السادس عشر محاولة جده لويس الخامس عشر المثيرة للجدل التي بدأها سنة 1771 مع المستشار رينيه موبو للحد من سلطات البرلمانات، ولاقى هذا القرار ترحيبًا شعبيًا لكنه وضع العقبات أمام أي إصلاحات كبرى في المستقبل.

وأكسبته موافقته على دعم المستوطنين الأمريكيين عسكريًا وماديًا، نجاحًا في ميدان السياسة الخارجية، لكن الديون التي خلقتها تكاليف هذه الحرب دفعت الحكومة إلى حافة الإفلاس، واضطرت الملك إلى دعم الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية المتطرفة التي اقترحها تشارلز الكساندر دو كالون، المراقب المالي لسنة 1787.

لكن مجلس الأعيان الذي اسُتدعي في جلسة استثنائية رفض هذه الإجراءات، وعارضتها البرلمانات أيضًا، فاضطر الملك في يوليو سنة 1788 إلى استدعاء الجمعية الوطنية التي ضمت ممثلين عن رجال الدين والنبلاء وعامة الشعب، لتقعد اجتماعها في السنة التالية، وهكذا بدأت الثورة.

رد فعل لويس السادس عشر تجاه الثورة

ساهم عجز لويس السادس عشر عن الحكم، وتردده واستسلامه لتأثيرات بلاطه الرجعية في فشله في تأسيس ملكية دستورية مقيدة بالقانون. وصدّق من نصحه بأن التواصل مع النواب المجتمعين في قصر فرساي إهانة لكرامته الملكية، ولم يكلف نفسه أي جهد لوضع برنامج يحظى بدعمهم، ثم جاء مرض ابنه الأكبر ووفاته في الرابع من يونيو سنة 1789 ليلهيه عن اللحظات الحاسمة التي ألمّت ببلاده.

أصبح ضعف شخصية الملك واضحًا لعامة الشعب، فقد كان خامل المزاج مفتقرًا إلى البصيرة السياسية وغير قادر على تقدير الأوضاع تقديرًا صحيحًا أو تقديم التنازلات عند الضرورة، فانفصل عن واقع بلاده بممارسة هواياته كالصيد وصنع الأقفال والبناء.

أدى عزله لنيكر في يوليو 1789 إلى إطلاق مظاهرات شعبية بلغت ذروتها باقتحام سجن الباستيل، وهذا ما أجبر الملك على قبول سلطة الجمعية الوطنية المعلَنة حديثًا. ووافق -رغم تردده- على تفكيك النظام الإقطاعي، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في أغسطس.

استمر الملك سرًا في عدائه للثورة ظنًّا منه أنها ستنطفئ من تلقاء نفسها، لكنه أظهر علنًا استعداده لقبول دوره الجديد كملك دستوري، وساعدت بعض المبادرات التي اتخذها، كزيارته إلى باريس بعد اقتحام الباستيل في تصاعد شعبيته، وأعلنته الجمعية الوطنية في أوائل أغسطس سنة 1789 مجددًا للحرية الفرنسية.

محاولته الفرار من البلاد

كانت مقاومة لويس للمطالب الشعبية أحد أسباب نقل العائلة المالكة بالقوة من فيرساي إلى قصر التويليري في باريس في 6 أكتوبر، لكنه لم يتوقف عن ارتكاب الأخطاء إذ رفض اتباع النصيحة السرية التي قدّمها له كونت دي ميرابو بعد مايو 1790، فتخلى عن مسؤولياته وانصاع لمحاولة هرب كارثية من العاصمة إلى الحدود الشرقية في 21 يونيو 1791.

وبعد أن أُلقي القبض عليه في فارين وأُعيد إلى باريس، فقد مصداقيته كملك دستوري. ويبدو أنه وقع بعد هذه الحادثة تحت سيطرة الملكة الكاملة، التي كانت المسؤولة الرئيسية وراء سياسة الازدواجية التي مارسها البلاط الملكي بعد هذه الحادثة.

عقد الملك آماله في الخلاص -منذ خريف سنة 1791- على احتمالات غير مؤكدة في التدخل الأجنبي. وشجع في ذات الوقت فصيل الجيروندين في الجمعية التشريعية (التي خلفت الجمعية الوطنية في سبتمبر 1791) في سياستهم لشن الحرب ضد النمسا، متوقعًا خسارة كارثية للجيش الفرنسي تمهد له الطريق لاستعادة سلطته. ورفض -بتحريض من ماري أنطوانيت- نصيحة الدستوريين المعتدلين بقيادة أنطوان بارناف، بأن يُخلِص لدستور سنة 1791 الذي أقسم على احترامه، فأقحم نفسه في سياسات المكر والخديعة.

أدى اندلاع الحرب مع النمسا في أبريل 1792، والمكائد التي اتُهمت اللجنة النمساوية المرتبطة بالملكة بحياكتها، ونشر بيان القائد النمساوي دوق برونزويك الذي هدد فيه بتدمير باريس إن تعرضت سلامة العائلة المالكة للخطر مجددًا، أدت كل هذه العوامل إلى استيلاء الشعب في باريس على قصر التويليري مع المليشيا الإقليمية في 10 أغسطس سنة 1792. وعلقت اللجنة التشريعية سلطات الملك تعليقًا مؤقتًا وأُعلنت الجمهورية الفرنسية الأولى في 21 سبتمبر، وعُثر في نوفمبر في خزانة سرية في التويليري على أدلة تؤكد معاملات لويس السادس عشر السرية مع ميرابو، وتفضح دسائسه مع الأجانب في التنسيق للثورة المضادة.

تقررت في الثالث من ديسمبر محاكمة لويس -الذي كان مسجونًا مع عائلته- منذ أغسطس بتهمة الخيانة، ومثل لويس مرتين أمام المؤتمر الوطني الحاكم (في 11 و23 ديسمبر).

إعدام لويس السادس عشر

رغم جهود الجيروندين في اللحظات الأخيرة لإنقاذه، وجد المؤتمر الوطني (المواطن كابيه) -كما دُعي حينها- مذنبًا وحُكم عليه بالإعدام في 18 يناير 1793. وقد صوّت لصالح الحكم 387 عضوًا (منهم 26 أرادوا مناقشة تأجيل الإعدام) مقابل 334 عضوًا صوتوا ضد الإعدام (منهم 13 لصالح إعدام لويس شريطة وقف تنفيذه).

توصل أعضاء المؤتمر الوطني إلى قرار نهائي حول مهلة تأجيل الحكم في 19 يناير، حُكم على لويس بالموت (380 صوتًا مع الحكم مقابل 310 ضده)، وأُعدم بالمقصلة في ساحة الثورة (الكونكورد حاليًا) بباريس في 21 يناير 1793، ولقيت زوجته المصير نفسه بعد ذلك بتسعة أشهر.

تحسنت سمعة لويس السادس عشر بفضل الشجاعة التي أبداها حين اقتحم رعاع باريس قصره في 20 يونيو 1792 بعد طرده وزارة الجيروندين، وبفضل تحمله الوقور إجراءات المحكمة ولحظة الإعدام، وإن لم تتعافَ تعافيًا كاملًا.

اقرأ أيضًا:

في ذكرى ميلاده: من هو لافوازييه، الكيميائي الأعظم في التاريخ؟

أندري ماري أمبير: السيرة الذاتية لعالم الكهرباء والرياضايات الشهير

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر