أطلقت ناسا عام 1999م مهمة أسمتها مهمة (ستاردست Stardust)، أرسلت فيها مركبة فضائية إلى المذنب (Wild 2)، وكان هدف تلك المهمة جلب عينات من هذا المذنب، وفي عام 2006م حققت المهمة هدفها، عندما جلبت العينات الأولى والوحيدة -عدا الصخور القمرية- من جسم فضائي. يعتقد العلماء بأن هذه العينات ستزودنا بأدلة حول كيفية تكون نظامنا الشمسي وكوكبنا.فقد مرت الأرض بالكثير خلال عمرها البالغ 4.5 مليار سنة، من ثوران البراكين، ونشأة الجبال، إلخ؛ لذا من الصعب على العلماء أن يجدوا آثارًا جيولوجيةً منذ المراحل الأولى من تكوين الأرض ، فقد دُفنت أو تغيّرت، وفي المقابل، تعد المذنبات ، التي هي في عمر الأرض نفسه تقريبًا، آثارًا قديمةً.

لقد نشأت المذنبات في هوامش سحابة الغازات التي تحولت إلى نظامنا الشمسي قبل أكثر من 4.5 مليار سنة، حيث اتحدت بلورات الجليد البعيدة عن الشمس مع الغبار لتشكيل تريليونات من المذنبات التي تدور ببطء حول الشمس منذ ذلك الوقت. ولعل أكثر المذنبات شهرةً هو مذنب هالي، الذي يبلغ طوله حوالي عشرة أميال فقط، ولكنه ينتج ذيلًا جميلًا يصل طوله إلى ملايين الأميال -ستراه الأرض مرة أخرى عام 2061م-.

ما الذي تخبرنا به المذنبات عن أسرار نظامنا الشمسي غبار النجوم الغبار النجمي المعادنة القادمة إلى الأرض من الفضاء الرياح الشمسية الإشعاع الشمسي

تبدو مهمة ستاردست جنونية للوهلة الأولى، إذ يجب سلوك مسار إهليلجي حول المريخ للوصول إلى المذنب الذي يسير بسرعة تبلغ 13700 ميلًا في الساعة!، وبعدها يجب التقاط عينات دون تدميرها، ومن ثم العودة إلى الأرض وإسقاط كبسولة في الغلاف الجوي، ثم دخول الغلاف الجوي فوق ولاية يوتاه، والهبوط بالمظلة على الأرض دون تحطم. يقول زولينسكي: «كنا خائفين حتى الثانية الأخيرة، وما زلنا لا نصدق أن المهمة قد نجحت حقًا».

على الرغم من تكنولوجيا الصواريخ المثيرة للإعجاب، فإن أهم تقنية استخدمت في البعثة هي المادة التي التقطت العينة من المذنب، والمسماة بـ (الهلام الهوائي -airgel)، فهي أخف مادة صلبة تم اختراعها، إذ تزن قطعة بحجم شخص عادي أقل من باوند واحد، ومع ذلك فهي قاسية.

يصنع الهلام الهوائي من مركبات السيليكا المرتبة في شبكة منتظمة يمكنها أن تلتقط جزيئات تصل سرعتها إلى ستة أضعاف سرعة رصاصة بندقية، وقد حملت المركبة الفضائية أدوات من الألمنيوم على شكل مضارب تنس كبيرة الحجم، تحتوي كل منها على حوالي 130 مستطيلًا مملوءًا بهلام هوائي.

اكتشف العلماء بعد دراسة العينات، أن بعض الفُتات الذي جلبته المركبة مصنوع من معادنَ لا تتكون إلا عند دراجات حرارة مرتفعة جدًا، ويعتقد العلماء أن هذه المعادن تكونت قريبًا من الشمس، بعيدًا عن المنطقة الباردة التي تدور فيها المذنبات حاليًا. لم يتوقع أحد أن المكونات الساخنة للنظام الشمسي الداخلي اختلطت مع النظام الشمسي الخارجي البارد منذ مليارات السنين.

يقول عالم الكواكب مايكل هيرن من جامعة ماريلاند: «إنها نتيجة رائعة، فهي تدفعنا لإعادة التفكير في كيفية تكون الأشياء»، قد تعني هذه النتيجة أن الرياح أو الإشعاع الذي صدر عن الشمس في بداية تكونها كان أقوى من المتوقع، إذ دفعت الحبيبات الحارة إلى عمق نظامنا الشمسي ، واندمجت مع الجليد في المذنبات، كما احتوت أداة الالتقاط على أدلة تشير إلى أن المذنبات ربما ساعدت في نشوء الحياة على الأرض.

لقد وجد باحثو ناسا آثارًا من الغليسين -أحد الأحماض الأمينية التي تشكل البروتينات في جميع الكائنات الحية- على رقائق الألمنيوم التي تبطن جوانب المكعبات. يشير هذا الاكتشاف، الذي تأكّد في الصيف الماضي، إلى أن المذنبات تحتوي على بعض جزيئات الحياة الأساسية، وربما انتقلت هذه الجزيئات والمركبات إلى الأرض عبر الاصطدامات!

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مهران يوسف

تدقيق: أسماء العجوري

المصدر