كشفت دراسة ملفتة شملت 100 مريض يعانون ألم أسفل الظهر أن الاستجابات الالتهابية الباكرة قد تحمي من تطور الألم الحاد إلى مزمن، رغم أن الالتهاب من مسببات الألم الأساسية.

شملت الدراسة نماذج من الألم المستمر عند الفئران ودراسات على مستوى المجتمع حول استخدام مسكنات الألم، وقد تبدو للوهلة الأولى مناقضةً للأدلة الكثيرة التي تثبت أن الالتهاب يسبب ألمًا مزمنًا واسع الانتشار، لكنها تركز على الالتهاب الحاد؛ أي الدفعة الأولى من الخلايا المناعية وعلى رأسها العدلات، وهي نوع من الكريات البيضاء تنتشر في النسج المتضررة.

أشارت الدراسة إلى دور الالتهاب في أثناء تحول الالتهاب الحاد إلى مزمن (يستمر الالتهاب المزمن ستة أشهر أو أكثر)، وقاد فريق البحث عالم الأحياء مارك باريسيان من جامعة ماك غيل في كندا.

الأدوية المضادة للالتهاب من المكونات الأساسية لعلاج الألم حاليًا، ورغم تأثيرها الفوري في تسكينه، إلا أن نتائج الدراسة توحي أن هذه الأدوية قد تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى البعيد لدى المصابين بحالة من ألم أسفل الظهر، وعلى أية حال هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات لأن الدراسة المذكورة تابعت مرضى بالغين من العرق الأبيض فقط لثلاثة أشهر.

ورد في الورقة البحثية: «رغم زيادة فهم العوامل الاجتماعية والنفسية والوراثية إضافة إلى العمليات الدماغية المرتبطة بألم أسفل الظهر المزمن، يبقى فهمنا محدودًا بما يخص الآليات الجزيئية خلف تحول الألم الحاد إلى مزمن التي قد تقودنا نحو اتباع استراتيجيات أكثر فعالية في تسكين الألم».

توجد حاجة ماسّة إلى إيجاد طرق أفضل لتسكين الألم، ويُصنف ألم أسفل الظهر في الدرجة الأولى بين الحالات المزمنة من ناحية عدد سنوات العجز، متبوعًا باضطرابات الصداع والاكتئاب، ولمعالجته نحتاج إلى فهم كيفية تطور الألم المزمن من بدايته بطريقة أفضل، وسبب بقاء الألم الحاد وتحوله إلى ألم مزمن رغم شفائه في بعض الحالات.

الألم الحاد قوي ومفاجئ ويستمر لأقل من ثلاثة أشهر، بينما يترافق الألم المزمن الذي يستمر طويلًا مع تداخل معقد بين الجهازين المناعي والعصبي، وقد يتظاهر بأشكال عدة مثل: الأمراض المناعية الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، واضطرابات عضلية هيكلية مثل ألم أسفل الظهر.

درس الباحثون في هذه الدراسة مستويات التعبير الجيني في الخلايا المناعية لثمانية وتسعين مريضًا مصابًا بألم أسفل الظهر الحاد، مع مقارنة بيانات الحالات التي شُفيت بعد ثلاثة أشهر وأولئك الذين استمر الألم لديهم.

وجدت الدراسة ترافق حالات الشفاء من الألم الحاد مع استجابات مناعية شديدة الفعالية تقودها العدلات، إضافة إلى ملاحظة تغيرات في آلاف المورثات في خلاياهم المناعية خلافًا للحالات التي استمر فيها الألم. ذكر الباحثون أن هذه الاستجابات المناعية الحادة التي ربما تحمل تأثيرًا واقيًا تستمر لفترة قصيرة فقط، وربما كان هذا السبب الأساسي لتجاهلها سابقًا، لكنهم نوّهوا إلى النقص لديهم بعدم وجود مجموعات للمقارنة من أشخاصٍ لم يعانوا الألم أصلًا.

أدى العلاج المبكر بالأدوية المضادة للالتهاب في التجارب على الفئران إلى استمرار الألم رغم تسكينه على المدى القصير، بينما لم يُلاحظ هذا التأثير عند استخدام مسكنات الألم التي لا تؤثر على الالتهاب مثل ليدوكائين.

في تجارب أخرى، استغرقت الفئران -التي نفدت العدلات منها- وقتًا أطول لتتخلص من الإشارات الألمية، بينما لم تطور الفئران التي حُقِنَت بالعدلات أو البروتينات التي تنتجها ألمًا مستمرًا عند معالجتها بالأدوية المضادة للالتهاب.

درس الفريق أيضًا استخدام مسكنات الألم لدى المصابين بحالة من ألم أسفل الظهر، باستخدام بيانات من UK Biobank، وهو قاعدة بيانات واسعة. وجدوا أن الأشخاص الذين اعتمدوا على مضادات الالتهاب غير الستيرويدية NSAIDs (مثل: الإيبوبروفن والأسبرين) معرضون لخطر أعلى بمقدار 1.76 ضعف للإصابة بألم الظهر بعد سنتين إلى 6 سنوات مقارنة بالذين تناولوا مسكنات ألم غير مضادة للالتهاب (مثل: الباراسيتامول).

لم تتضمن البيانات قياسات لشدة الألم أو الضغط النفسي، لكنهما من عوامل الخطر الكبرى لتطور الألم المزمن.

أخذ الباحثون بعين الاعتبار العمر والجنس والعرق في دراستهم، ولم تتغير النتائج عندما اعتمدوا تناول مضادات الاكتئاب تعبيرًا عن الضغط النفسي.

في النهاية، توصل الباحثون بعد كل هذه النتائج إلى أن الاستجابات الالتهابية الحادة التي تنظمها العدلات وتثبطها الأدوية المضادة للالتهاب قد تسبب الشفاء العفوي للألم، ويظنون أن هذه العملية تتعطل عند تطور الألم نحو الإزمان.

قالت لودا دياتشينكو، من مؤلفي الدراسة: «نفكر دائمًا بالألم بصفته آلية مرضية فعالة تصيبنا، لكن بالنظر إلى هذه البيانات الآن يتبين العكس تمامًا: إنه آلية تكيفية فعالة تحدث لدى الأشخاص الذين يظهرون شفاءً من الألم، ويعني غيابها الإصابة بالألم المزمن».

تقدم هذه الدراسة أفكارًا مثيرةً للاهتمام، لكن مسكنات الألم جزء واحد فقط من علاجات الألم، إضافة لوجود أنواع عديدة من الألم المزمن.

على أية حال، ما تزال هناك حلول عند الإصابة بألم أسفل الظهر المزمن، فقد كشفت أبحاث حديثة فائدة العلاج النفسي في التعامل مع الألم المستمر، إذ يساعد في تقليل شدة الألم وتحسين الوظيفة الحركية عن طريق التحكم بالجوانب النفسية للألم إلى جانب العلاجات الجسدية.

نُشرَت الدراسة في مجلة Science Translational Medicine.

اقرأ أيضًا:

ألم الظهر: الأسباب والعلاج

الام أسفل الظهر قد تكون موجودة في عقلك فقط

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر