لا ينكر أحد أهمية النقود في العالم، لكن الحقيقة أنها ليست ذاتية القيمة، أي أن جوهر قيمتها ليس كامنًا فيها. إن هذه الأوراق الملونة التي تحمل صورًا للأبطال القوميين وأهم معالم الدولة هي مجرد أوراق، فلا فرق بينها وبين أي أوراق عادية أخرى. لكن تحصل هذه الأوراق على قيمتها عندما تحدد الدولة التي أصدرتها قيمة الورقة، وتعترف الدول الأخرى بهذه القيمة، وهنا يمكننا استخدامها بوصفها عملةً.

معايير الذهب والفضة

لم يكن الأمر دومًا على هذا النحو، فسابقًا كانت النقود في شكل عملات معدنية مصنوعة من معادن ثمينة كالذهب والفضة.

اعتمدت قيمة العملات المعدنية على قيمة المعدن الذي صُنعت منه، وكان من الممكن إذابة العملة المعدنية واستخدام المعدن لأغراض أخرى.

ثم أصبحت العملات الورقية في العديد من الدول -متضمنةً الولايات المتحدة الأمريكية- قائمة على معيار الذهب والفضة، أو مزيج من الاثنين، وذلك حتى عقود قليلة مضت.

ظهرت الأوراق النقدية وسيلةً للاحتفاظ بالذهب أو الفضة، فكان بإمكانك وفق معيار الذهب والفضة استبدال الأوراق النقدية في البنك بكمية مكافئة من الذهب أو الفضة، حسب سعر الصرف الذي تحدده الحكومة.

عملت الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لمعيار الذهب، عملًا باتفاقية بريتون وودز 1946. حددت هذه الاتفاقية أسعار صرف ثابتة، وسمحت للحكومات ببيع الذهب للخزينة الأمريكية بسعر 35 دولارًا للأونصة، حتى أوقف الرئيس الأمريكي نيكسون العمل بهذا النظام عام 1971.

العملات الورقية (Fiat Money)

تعمل الولايات المتحدة الأمريكية وفق نظام العملات الورقية -الأوراق المصممة نقودًا وليس لها قيمة في جوهرها- منذ عهد نيكسون، إذ لا ترتبط العملة بأي سلعة أخرى.

كلمة (Fiat) الإنكليزية مشتقة من أصول لاتينية، وهي صيغة الأمر من فعل جَعَل أو أصبح.

العملات الورقية هي نقود لا تحمل قيمة ذاتية، لكن النظام البشري هو مصدر قيمتها، أي إن هذه الأوراق في حافظتك هي مجرد أوراق.

لماذا نعتقد أن العملات الورقية قيّمة؟

إذن لماذا تحمل ورقة 5 دولارات قيمةً لا تحملها أي أوراق عادية أخرى؟

لأن النقود هي سلعة ووسيلة للتبادل في الوقت ذاته.

ما القيمة التي تحملها العملات الورقية - استخدام العملات الورقية من أجل شراء السلع والخدمات - استبدال العملة الجديدة بالقديمة

تخضع جميع السلع لمبدأ العرض والطلب، والنقود سلعة محدودة العرض، وعليها طلب إذ يريدها الناس ليستخدموها في شراء السلع والخدمات.

ما يهمنا في الاقتصاد هو السلع والخدمات، أما النقود فهي وسيلة تسمح للناس بالحصول على السلع والخدمات التي يحتاجون إليها.

يحصل الناس على هذه الوسيلة من وظائفهم، وبناءً على هذا يمكننا تصنيف العمل سلعةً، وبهذا يحدث تبادل تعاقدي بين السلع، إذ يعمل الناس الآن لاكتساب المال بهدف شراء السلع والخدمات فيما بعد.

يعمل نظامنا النقدي وفق مجموعة مشتركة من المعتقدات، وسيعمل هذا النظام ما دمنا متفقين على قيمة النقود حاليًّا ومستقبلًا.

تخلق الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة هذا الإيمان وتدعمه، أي إن مقولة: »تدعمه الحكومة بالإيمان الكامل والائتمان» تعني معناها الحرفي تمامًا: لا تمتلك النقود قيمة ذاتية، لكن يمكنك استخدامها بثقة بسبب دعمها الفدرالي.

من المستبعد استبدال النقود بنظام آخر في المستقبل القريب، لأن سلبيات نظام المقايضة التام وعدم كفاءته معروفة، وهو النظام القائم على مقايضة السلع والخدمات بسلع وخدمات أخرى.

أما في حال استبدال عملة بعملة أخرى، فسيُتاح وقت ليتمكن الناس من استبدال العملة الجديدة بالقديمة، مثل ما حدث في أوروبا عندما تحولت الدول الأوروبية إلى استخدام اليورو.

أي أن النقود لا تختفي نهائيًّا، لكن قد تُستبدل بالعملة التي نستخدمها الآن عملة جديدة تحل محلها.

القيمة المستقبلية للنقود

لا يثق بعض الاقتصاديون بنظام العملات الورقية، ويعتقدون أننا لن نستطيع الاستمرار بإعلان أنها تمتلك قيمة.

إن ظن معظم الناس أن نقودنا لن تملك في المستقبل القيمة التي تملكها اليوم، ستتعرض العملة للتضخم.

يميل الناس إلى التخلص من العملة سريعًا حال تضخمها المفرط، أي أن التضخم والطريقة المتوقعة لتفاعل الناس معه يضران بالاقتصاد.

لن يعقد الناس صفقات مربحة تتضمن دفعات نقود مستقبلية لأنهم لن يكونوا واثقين بقيمة النقود عند تقاضيها، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في النشاط التجاري.

يؤدي التضخم إلى كل أوجه القصور، من تغيير المقاهي لأسعارها عدة مرات في اليوم الواحد إلى اصطحاب الناس حقائب المال إلى المخابز لشراء الخبز.

إن إيمان الناس وثقتهم بالمال وقيمة العملة الثابتة ليس أمرًا سيئًا، بل انعدام هذه الثقة هو ما يؤدي إلى مشكلة.

قد يتعثر النشاط الاقتصادي ويتضرر بشدة حال فقد الناس ثقتهم بالمعروض النقدي، واعتقدوا أن النقود سوف تفقد قيمتها مستقبلًا، وهذا أحد أهم أسباب جدية الاحتياطي الفدرالي في الحفاظ على نسبة التضخم، فنسبة قليلة من التضخم مفيدة، لكنه قد يكون كارثيًّا إذا زاد على الحد.

العرض والطلب

النقود هي سلعة أساسًا، ومن ثم تنطبق عليها مبادئ العرض والطلب.

تتحدد قيمة أي سلعة وفقًا للعرض والطلب عليها، والعرض والطلب على السلع الأخرى في النظام الاقتصادي.

السعر هو النقود المطلوبة للحصول على هذه السلعة. يحدث التضخم عندما تتزايد أسعار السلع، أي عندما تنخفض قيمة النقود بالنسبة إلى السلع، وقد يحدث هذا نتيجة:

  •  زيادة المعروض النقدي.
  •  الانخفاض في عرض السلع الأخرى.
  •  انخفاض الطلب على النقود.
  •  زيادة الطلب على السلع الأخرى.

المسبب الرئيسي لحدوث التضخم هو الزيادة في المعروض النقدي، لكنه قد يحدث لأسباب أخرى.

إن دمرت كارثة طبيعية المتاجر دون أن تمس البنوك، من المتوقع حدوث زيادة فورية في الأسعار، إذ تصبح السلع نادرة مقارنةً بالنقود، لكن هذه الظروف نادرة الحدوث. يحدث التضخم غالبًا عندما تكون الزيادة في المعروض النقدي أسرع من الزيادة في السلع والخدمات.

باختصار، للنقود قيمة لأن الناس تعتقد أنها ستستطيع استبدالها بالسلع والخدمات في المستقبل، وسيستمر هذا الاعتقاد ما دام الناس لا يخافون حدوث التضخم في المستقبل أو فشل المؤسسة المسؤولة عن النقود أو الحكومة.

اقرأ أيضًا:

مؤشر الضريبة والسعر

ما هي القيمة الاقتصادية المضافة؟

ترجمة: كميت الخطيب

تدقيق: حسن شديد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر