كلما تعلمنا أكثر تبيّن لنا أن الجهاز العضلي الهيكلي يتكيف مع الضغوطات الفريدة للحياة العصرية. على سبيل المثال: عثرت مجموعة من الباحثين في أستراليا على ما يدل على أن الشباب اليافعين لديهم نمو متزايد لنتوءات عظمية على قاعدة الجمجمة ، تمامًا فوق الرقبة.

بعد تفحص 1,200 صورة شعاعية لأستراليين بالغين، وجد الباحثون أن 41% من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 قد تطورت لديهم هذه الشوكة العظمية، وهذا يشكل 8% أكثر من المتوسط العام.

بلغ طول بعضها 10 ملليمترات فقط؛ بالكاد تلاحَظ، بينما بعضها الآخر كان يصل إلى 30 ملليمترًا طولًا، كما وصف الباحثون في دراستهم عام 2018.

بحسب عالم صحة في جامعة سانشاين كوست University of Sunshine Coast، وعلى الرغم من أنه كان طبيبًا لمدة 20 عامًا؛ إلا أنه فقط خلال العقد الماضي اكتشف أن مرضاه بصورة متزايدة يعانون من هذا النمو في الجمجمة.

يحدث النمو في نقطة محددة للغاية من الجمجمة: تمامًا في القسم الخلفي السفلي من الرأس لدينا صفيحة تعرف بالعظم القذالي، وباتجاه منتصفها يوجد تحدب صغير يعرف بالناتئ القذالي الخارجي، حيث تتعلق بعض أربطة وعضلات الرقبة.

ولأنه مكان للتعلق؛ فإن موقع الناتئ القذالي الخارجي تقنيًا يعتبر مُرتكزًا. هذه المناطق في هيكلنا عرضة لتطوير نمو العظام الشائك غير الطبيعي الذي ينمو عند منطقة اتصال أوتار العضلات أو الأربطة بالعظم، وهذا النوع من النمو العظمي يدعى: النوابت الارتكازية. تنمو بشكل نموذجي استجابةً لضغط ميكانيكي- كالتوتر العضلي الجمعي.

وبينما يكون حجمها النموذجي صغيرًا، ألقى الباحثون افتراضًا جريئًا، وهو أن هذه العظام أصبحت ملحوظةً بشكل أكبر منذ بزوغ «ثورة التقنيات المحمولة باليد» ووضعيات الجسد القاسية التي تجلبها أجهزتنا.

عادةً البنى «التنكسية» كهذه في هيكل الشخص تكون من أعراض الشيخوخة، لكن في هذه الحالة، فإن الناتئ القذالي الخارجي المتوسع كان مرتبطًا بالفتوة، والجنس، ودرجة الاستطالة الأمامية للرأس والتي هي حالة طبية يكون فيها عظم الجمجمة مائلًا للأمام.

أن تكون ذكرًا على سبيل المثال، يزيد من فرص الحصول على ناتئ قذالي خارجي متوسع بأكثر من خمسة أضعاف؛ هذا يتماشى مع نتائج الأبحاث عبر التاريخ، والتي تشير إلى ناتئ قذالي خارجي شائك بشكل أكبر عند الذكور، ويمكن تفسير ذلك بالكتلة المتزايدة للرأس والعنق عند الذكور مع زيادة في القوة العضلية أيضًا.

بينما أكبر استطالة أمامية للرأس التي سجلت في هذه الدراسة قد كانت 26 ملليمترًا، يقول الباحثون أنها وبشكل خطير أكبر من التي سجلت عام 1996.

بيّن الباحثون أنهم يضعون في عين الاعتبار عوامل مثل الاستعداد الجيني وتأثير التهاب النوابت الارتكازية التي تنمو. على الرغم من ذلك، فإنهم يفترضون أن استخدام التقنيات الحديثة والأجهزة المحمولة، قد يكون المسؤول الأول لهذا التطور اللاحق للميزات القحفية القوية في العينة.

بينما كانت النتائج ساحرة، يجب أن نتذكر أن صياغة ارتباطات عفوية هو خارج نطاق هذه الدراسة. في الواقع، منهجية هذا البحث قد خضعت للتساؤل، لكننا نعترف أن هذه الأفكار لم تأتِ من فراغ؛ بل إنها مدعومة بأبحاث مستفيضة عن كيف يمكن للهواتف المحمولة أن تحدث تغيرات في الجهاز العضلي الهيكلي.

على سبيل المثال، من بين مستخدمي الهواتف المحمولة، فإن نشرة إحصائية حديثة وجدت أن الحالات الطبية المتعلقة بالرقبة هي الأكثر شيوعًا اليوم بما يتجاوز 67% من أي منطقة أخرى من العمود الفقري.

أشارت دراسات أخرى أن 68% من الموظفين والطلاب يقومون بالإبلاغ عن ألم في الرقبة بعد استخدام الهاتف المحمول بمتوسط 4.65 ساعات في اليوم.
وضعيات الجسد السيئة ليست بالشيء الجديد بالطبع، لكن هذا الوقت أكبر وأخطر من الذي اعتاد البشر أن يقضوه في التنقيب في الكتب أو الكتابة في المذكرات قبل بضعة عقود فقط.

لنكن واضحين، هذه النواتئ القذالية الخارجية المتوسعة ليست مؤذية بالضرورة، لكن يمكن أن تكون أحد أعراض مشكلة أكبر. الطرق التي يعوّض بها جسدنا عن الوضعيات السيئة يمكن أن تزيد من الضغط على مفاصل أو عضلات معينة، و يزيد بذلك من فرص حدوث أذية أو مشاكل مستقبلية في الجهاز العضلي الهيكلي.

على الرغم من أن «ثورة الأجهزة اللوحية» راسخة بشكل كامل وفعال في أنشطتنا اليومية، يجب علينا أن نتذكر أن هذه الأجهزة عمرها عشرة سنوات فقط، ويمكن أن تكون أعراض الاضطرابات المرتبطة بها تنشأ الآن. تقترح النتائج أن مجموعة اليافعين في هذه الدراسة قد اختبرت الكثير من وضعيات الجسد غير التقليدية مقارنةً مع المجموعات العمرية الأخرى.

اقرأ أيضًا:

ما حقيقة الهياكل العظمية العملاقة؟

طابعات ثلاثية الأبعاد تصنع آذانًا وعضلات وأنسجة عظمية، باستخدام خلايا حيّة

العثور على أنفاق سرية بين الجمجمة والدماغ

كيف يمكن التمييز بين الجنسين بفضل العظام حتى لو احترقت ؟

ترجمة: ميرا النحلاوي

تدقيق: محمد الصفتي

المصدر