اعتُبِرَت أسباب الفصام لغزًا محيّرًا لفترةٍ طويلة، ولكنّ بحثًا جديدًا كشف للتوّ دليلًا غريبًا.

أكّدت دراسة طويلة الأمد على 2602 شخص وجود علاقةٍ ما بين عوز فيتامين د عند الولادة وتطوّر الفصام لاحقًا في حياة الشخص.

وبالرغم من أنّ معظم المرضى لا يبدون أيّ دلائل على هذا المرض حتّى عمر السادسة عشرة، إلّا أنّ علماء الأعصاب افترضوا في وقتٍ سابق أنّه يبدأ من الرحم.

هناك دليلٌ قويّ يدعم هذه الفكرة، لكنّ آلياتها لا تزال مجهولة.

هناك دليلٌ قاطعٌ يؤكّد أنّ الفصام جينيّ، بالإضافة إلى احتمال وجود أكثر من عاملٍ مسبّب واحدٍ في بعض الحالات.

نحن نعلم أنّ فيتامين د أساسيّ لامتصاص الكالسيوم في العظام، وقد يؤدي عوزه إلى أمراضٍ، مثل (تخلخل العظام – osteoporosis ) و(الكساح – rickets)، لكنّنا لم نحصي بعد كلّ وظائفه بالجسم.

بناءً على هذه المعطيات الجديدة، يبدو أنّه بإمكان هذا الفيتامين المغذيّ لعب دورٍ في تطوّر الفصام.

يقول (جون ماك غراث – John McGrath) -عالم الأعصاب في معهد (كوينزلاند – Queensland) للدماغ في أستراليا وجامعة آرهوس في الدنمارك والكاتب الرئيسي للبحث- : «الفصام هو مجموعة من أمراض الدماغ غير المفهومة بشكلٍ كبير، والتي تتمثّل بأعراضٍ مثل الهلوسة والأوهام وضعف الإدراك».

ويضيف: «تُظهر الدراسة الجديدة التي نُشِرَت هذا الأسبوع أنّ عيّنةً كبيرةً جدًا من الأطفال الدنماركيين الذين يعانون من عوز فيتامين د عند الولادة يمتلكون نسبة 44% احتمال خطر أكثر لإصابتهم بالفصام عند البلوغ».

الدراسة التي أُجريَت في الدنمارك استغلّت السجل الوطنيّ الدنماركيّ، وهي قاعدة بيانات غير مسماة (مخفية الأسماء) للمعلومات الصحيّة والتي تستخدم لدراسة الإحصاءات و المستجدات الصحيّة.

حدّد الباحثون 2602 شخصًا وُلِدوا ما بين عامَي 1981 و2001 والذين شُخِّصوا بالفصام كشباب بالغين، وراقبوا تركيز فيتامين د في عيّنات دم مأخوذة من هؤلاء الأشخاص عند ولادتهم، ومن ثمّ قارنوه بالمتحكّمات المتعلّقة بالعمر والجنس والتي لم تساهم بالفصام أثناء تطوّرها.

كانت النتائج مختلفة تمامًا، يمكن لعوز فيتامين د أن يكون قد ساهم بما يقارب الـ 8% من حالات الفصام في الدنمارك.

كما أظهر الدليل مؤخرًا أنّ هنالك صلة ما بين الولادة في الشتاء أو الربيع في المناطق المرتفعة من الدنمارك -في وقتٍ يكون فيه ضوء الشمس قليل نسبيًا، إذ أنّه المسؤول عن تحفيز إنتاج فيتامين د في الجسم- وما بين تزايد خطورة الإصابة بالفصام.

وافترضوا حينها أنّ السبب قد يكون عوز فيتامين د، واستعملوا قاعدة البيانات الدنماركيّة للتأكد.

يقول ماك غراث: «من الخطر أن نهمل أيّ دليلٍ فيما يخصّ هذا المرض، علينا أن نتابع كلّ دليلٍ بقدر ما نستطيع، بالرغم من أنّ بعض الدلائل قد تكون غير قابلةٍ للتصديق أو غير عادية».

ويضيف: «الغاية المُثلى هي حماية الأفراد من الإصابة بالفصام -بالدرجة الأولى- كما أظنّ أنّ العلاقة ما بين حمض الفولات و(الشوك المشقوق – spina bifida) هي مثال جيّد على أنّه في بعض الأحيان يمكن للتداخلات الصحيّة العامة البسيطة والرخيصة أن تمنع أمراض الدماغ».

أظهرت دراسة سابقة أيضًا رابطًا جينيًّا بين الفصام والتوحّد والعلاقة بين التوحد وعوز فيتامين د قبل الولادة.

لكن من المرجح أنّ هذا الاكتشاف المهم ليس هو التفسير الكامل.

إذ أنّ الفصام ما يزال منتشرًا في المناطق المعرضة لضوء الشمس بنسبٍ عاليةٍ نسبيًا. ويمكن أن يتطوّر لدى الأفراد ذوي النسب الطبيعيّة من فيتامين د أثناء الولادة أيضًا.

لكن الآن وبعد ملاحظة الباحثين لهذه الصلة، خطّط فريق البحث لمتابعة هذه الفرضيّة أكثر، متأملين الوصول لطريقةٍ فعّالة وسهلة للوقاية من بعض حالات الفصام على الأقل.

يقول ماك غراث: «الخطوة التالية تكون بإعطاء جرعاتٍ سريريّةٍ عشوائيّةٍ من مكملات فيتامين د للنساء الحوامل اللواتي يعانين من عوز فيتامين د، بهدف فحص التأثير على تطوّر دماغ الطفل وخطر الإصابة بالأمراض المتطوّرة عصبيًا مثل التوحد والفصام».


  • ترجمة: شهد نداف
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر