البلورات هي مواد صلبة تكون مكوناتها الأساسية (ذرات أو أيونات أو جزيئات) مرتبةً على المستوى الميكروسكوبي بشكل عال جدًا، إذ تشكل شبكةً تمتد في كافة الاتجاهات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تمييز البلورات المفردة في الطبيعة من شكلها الهندسي الذي يتألف غالبًا من وجوه مسطحة وزوايا وتوضعات مميزة. يسمى العلم الذي يدرس البلورة بعلم البلورات (Crystallographer) وتسمى العملية التي تتشكل فيها البلورات بالتبلور ((Crystallization.

تتواجد معظم المعادن في الطبيعة بشكل بلورات. كل البلورات لديها ترتيب داخلي مميز تحافظ عليه من خلال طريقة مميزة لإدخال ذرات جيدة إلى البلورة يتكرر مرارًا و تكرارًا. شكل البلورة الناتج سواءً كان مكعبًا (كما في الملح) أو شكلًا ذو ستة جوانب (كالثلج) يحاكي الترتيب الداخلي للبلورة.

ولكن من النادر أن نعثر على بلورة بشكلها المثالي في الطبيعة لأن البلورات تحتاج ظروفًا مثالية لكي تكبر كما أنه عندما تتشكل بلورات إلى جانب بعضها فإنها تتداخل معًا مشكلةً كتلة ذات معالم غير واضحة.

يحدد الترتيب الداخلي للبلورات جميع الخصائص الداخلية و الخارجية للبلورة بما فيها اللون. يتفاعل الضوء بشكل مختلف عن الذرات المختلفة مما يخلق ألوانًا مختلفة. معظم البلورات عديمة اللون في حالتها النقية ولكن الشوائب في الترتيب الذري تعطيها لونها. فمثلًا الكوارتز عديم اللون في حالته النقية ولكنه يتواجد بطيف كامل من الألوان التي تتدرج من الزهري إلى البني إلى الأرجواني الداكن بحسب نوع و كمية الشوائب الداخلة في بنيته.

يصف العلماء البلورات عادةً بأنها “تنمو” على الرغم من أنها ليست كائنات حية. إذ تتشكل البلورات من اجتماع تريليونات من الذرات. تبدأ كل البلورات صغيرةً وتنمو مع إضافة ذرات جديدة. العديد من البلورات تتشكل من الماء الغني بالمعادن المنحلة كما يتشكل بعضها من الصخور المنصهرة و حتى البخار. جذبت مثالية و تنوع أشكال البلورات الهندسية العلماء إلى دراستها.

بنية البلورات

يعتمد التعريف العلمي لل”بلورة” على الترتيب المجهري للذرات داخلها، والذي يطلق عليه بنية البلورة. البلورة هي مادة صلبة تكون الذرات بداخلها مرتبة ترتيبًا دوريًا.

ليست كل المواد الصلبة بلورات. على سبيل المثال، عندما يبدأ الماء السائل بالتجمد، تبدأ العملية بتشكل بلورات جليدية صغيرة تنمو إلى أن تندمج مع بعضها مكونةً بنية بلورية متعددة (polycrystalline structure). في قطعة الجليد النهائية، تكون البلورات الصغيرة بلوراتً حقيقية ذراتها مرتبة بشكل دوري، ولكن لا يوجد ترتيب دوري للذرات في قطعة الجليد ككل، لأن النمط الدوري للذرات ينهار عن حدود اندماج البلورات الصغيرة.

معظم المواد الصلبة غير العضوية ذات بنية إما بلورية أو بلورية متعددة، بما في ذلك جميع المعادن تقريبًا والسيراميك والجليد والصخور، وما إلى ذلك. أما المواد الصلبة ذات البنى غير البلورية أو بلورية متعددة، مثل الزجاج، فتسمى المواد الصلبة غير المتبلورة، وتسمى أيضًا المواد الزجاجية.

هذه المواد لا تمتلك ترتيب دوري، حتى على المستوى المجهري. هناك اختلافات واضحة بين المواد الصلبة البلورية والمواد الصلبة غير المتبلورة. أحد الأمثلة على هذا الاختلاف، هو أن عملية تشكيل الزجاج لا تطلق حرارة انصهار بعكس علمية تشكيل البلورة.

يتميز كل التركيب البلوري (ترتيب الذرات في البلورة) بخلية الوحدة الخاصة به، وهو صندوق وهمي صغير يحتوي على ذرة واحدة أو أكثر في ترتيب مكاني معين. تتشكل البلورة من اجتماع خلايا الوحدة مع بعضها في مساحة ثلاثية الأبعاد.

إن تناظر البلورة مقيد بالشرط المتمثل في اجتماع خلايا الوحدة بشكل مثالي دون وجود ثغرات. هناك 219 تناظرًا بلوري ممكن، يطلق عليها اسم مجموعات الفضاء البلوري. تُجمع في 7 أنظمة بلورية، مثل نظام البلورات المكعبة (إذ قد تشكل البلورات مكعبات أو مربعات مستطيلة، مثل الهاليت) أو نظام بلوري سداسي (إذ قد تشكل البلورات سداسية، مثل جليد).

وجوه البلورات وأشكالها

ما هي البلورات المستوى الميكروسكوبي التبلور العلم الذي يدرس البلورة التبلور الصخور الهاليت الياقوت الشفاف والياقوت الأحمر

عادةً ما يتم تمييز البلورات من خلال شكلها، والذي يتكون من وجوه مسطحة بزوايا حادة. هذه الخصائص الشكلية ليست ضرورية ليكون جسم ما بلورة- إذ أن البلورة علميًا تعرف من خلال ترتيبها الذري على المستوى المجهري (الميكروسكوبي)، وليس شكلها الخارجي (الماكروسكوبي).

البلورات ذات الوجوه المسطحة واضحة المعالم تسمى (Euhedral ). أما البلورات التي لا تمتلك شكلًا خارجيًا واضحًا – وذلك لأن الجسم مكون من عدد كبير من البلورات المندمجة معًا في مادة صلبة متعددة البلورية – تسمى (Anhedral).

تتجه الوجوه المسطحة (وتسمى أيضًا جوانب) لبلورات (Euhedral) بطريقة محددة اعتمادًا على الترتيب الذري للبلورة، إذ تكون البلورة أكثر استقرارًا. تتمثل إحدى أقدم التقنيات في علم البلورات في قياس التوجهات ثلاثية الأبعاد لوجوه البلورة، واستخدامها لاستنتاج الترتيب الذري للبلورة.

اعتيادية البلورة (Crystal habit) هي شكلها الخارجي المرئي. يُحدد ذلك من خلال التركيب البلوري (الذي يقيد التوجهات المحتملة للوجه)، والروابط الكيميائية داخل البلورة (بعض أنواع الوجوه أكثر استقرارًا من الأخرى)، والظروف التي تشكلت فيها البلورة.

التواجد في الطبيعة

الصخور

يوجد أكبر تركيز للبلورات في الأرض من حيث الحجم والوزن في الأساس الصخري للأرض. يتراوح حجم البلورات الموجودة في الصخور عادةً بين جزء من المليمتر إلى عدة سنتيمترات، على الرغم من وجود بلورات كبيرة بشكل استثنائي في بعض الأحيان.

إن أكبر بلورة في العالم نشأةً بشكل طبيعي هي بلورة من البيريل وجدت في مالاكيالينا, مدغشقر عالم 1999. يبلغ طولها 18 مترًا (59 قدمًا) وقطرها 3.5 متر (11 قدمًا)، وتزن 380،000 كجم (840،000 رطل).

الجليد

يعد الجليد المائي المتواجد بشكل ثلج أو جليد قطبي مظهرًا شائعًا جدًا للمواد البلورية على الأرض. ندفة الثلج الفردية عادةً ما تكون بلورة واحدة، في حين أن مكعبات الثلج عبارة عن أجسام ذات بنية بلورية متعددة.

بلورات عضوية

تستطيع العديد من الكائنات الحية إنتاج بلورات، مثل الكالسيت الذي تنتجه معظم الرخويات أو هيدروكسيل آباتيت في حالة الفقاريات.

التبلور

التبلور هو عملية تشكيل بنية بلورية من سائل أو من مواد مذابة في سائل. التبلور هو حقل معقد ومدروس على نطاق واسع، لأنه وفقًا للظروف، يمكن أن يتبلور سائل واحد إلى العديد من الأشكال المختلفة. يمكن أن تشكل بلورةً واحدة، باحتمالات تتنوع مع اختلاف الشوائب العيوب و الاعتيادية (habit).

أو يمكن أن يتشكل جسم ذو بنية بلورية متعددة، باحتمالات تتنوع باختلاف الحجم، والترتيب، والتوجيه. يُحدد الشكل النهائي للبلورة حسب الظروف التي يتبلور بها السائل، مثل كيمياء السائل والضغط المحيط ودرجة الحرارة والسرعة التي تتغير بها كل هذه العوامل.

العيوب والشوائب

تكون كل ذرة في البلورة المثالية مرتبة ضمن ترتيب متكرر مثالي. ولكن، في الواقع، تحتوي معظم المواد البلورية على مجموعة متنوعة من العيوب البلورية، وهي الأماكن التي ينهار فيها نمط البلورة. قد يكون لهذه العيوب تأثير عميق على خصائص المواد.

بعض الأمثلة على العيوب البلورية تشمل عيوب الشواغر (مساحة فارغة كان يجب أن تملأها ذرة)، العيوب الخلالية (ذرة إضافية مضغوطة في المكان لا تتناسب فيه).

ما هي البلورات المستوى الميكروسكوبي التبلور العلم الذي يدرس البلورة التبلور الصخور الهاليت الياقوت الشفاف والياقوت الأحمر

هناك نوع شائع آخر من العيوب البلورية هو شوائب، وهذا يعني أن نوعًا “خاطئًا” من الذرات موجود في البلورة. على سبيل المثال، لن تحتوي البلورة المثالية من الماس إلا على ذرات الكربون، لكن ربما تحتوي البلورة الحقيقية على ذرات بورون قليلة أيضًا.

شوائب البورون هذه تغيير لون الماس إلى اللون الأزرق قليلًا. وبالمثل، فإن الاختلاف الوحيد بين الياقوت الشفاف والياقوت الأحمر هو نوع الشوائب الموجودة في بلورة اكسيد الالمونيوم.

علم البلورات

علم البلورات هو علم الذي يدرس التركيب البلوري (بمعنى آخر، الترتيب الذري) للبلورة. إحدى التقنيات المستخدمة على نطاق واسع في علم البلورات هي حيود الأشعة السينية. كما تم تخزين أعداد كبيرة من الهياكل البلورية المعروفة في قواعد البيانات البلورية.

اقرأ أيضًا:

البلورات السائلة: حالة المادة الغريبة

البلورات البلاستيكية – حالة غير مألوفة للمادة

المصدر

ترجمة: مهران يوسف

تدقيق: محمد قباني