قليلًا ما نفكر بذلك، ولكن الجاذبية تحدد تفاعلنا مع العالم المحيط بنا. نحن ننمو في ظل قيودها، إذ تعتمد عضلاتنا ونظام التوازن الخاص بنا وقلوبنا وأوردتنا الدموية عليها. تربطنا الجاذبية مع الأرض بشكل حرفي! تلك القوة التي شرحها نيوتن ثم نظرية آينشتاين النسبية. ولكن ما هي الجاذبية ؟

الفكرة الأساسية

يرى علماء الفيزياء الجاذبية على أنها إحدى القوى الأربع الأساسية التي تحكم الكون، مع القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الشديدة والضعيفة. تُعرَّف القوة بمثابة تفاعل يغير حركة الجسم، وعليه فإن هذه القوى الأربع تدعم كل قوانين الفيزياء وتحدد كيف يتفاعل كل شيء في الكون، من التبادل الكوني الكبير بين المجرات إلى الروابط الدقيقة التي تربط الكواركات داخل البروتون أو النيوترون.

تُعد الجاذبية أضعف قوة بين هذه القوى، ولكنها أكثر قوة نشعر بها. علمنا لقرون طويلة أن أقدامنا ستبقى على الأرض وستبقى الكواكب في مداراتها حول الشمس.

قدم عالم الفلك والرياضي جوهانس كيبلر في القرن السابع عشر -وقبل أن تُوصف الجاذبية رياضيًا- قوانين دقيقة للتنبؤ بحركة الكواكب. وللأسف، لم يملك أحد أي إشارة لسبب دوران الكواكب أساسًا.

ما هي الجاذبية من منظور الفيزياء الحديثة الجاذبية الكمية نظرية آينشتاين نظرية نيوتن القوى الأساسية في الطبيعة القوة التي تربط الكواكب والنجوم

قانون نيوتن للجاذبية العالمية

يدخل إلى الساحة نيوتن، الذي أدرك أن هناك قوة تعمل بين الشمس والكواكب، عرّف نيوتن أيضًا ما هي القوة. وسواء كانت التفاحة التي سقطت على رأسه هي ما ألهمه للتفكير بذلك أم لا، فإن المعادلة التي أتى بها لوصف هذه القوة كانت ثورية.

F=Gm1m2/r^2

تقول هذه المعادلة إن الجاذبية هي قوة بين جسمين لهما كتلتان يؤثران على بعضهما ببساطة لأنهما يمتلكان كتلتين. تساوي شدة القوة F للثابت G مضروبًا بكتلتي الجسمين m1 و m2 مقسومًا على مربع المسافة بينها r. يدل الثابت G على الشدة الأساسية للقوة.

نستنتج من ذلك، كلما كبرت كتلة الجسمين زادت قوة الجذب بينهما، ولكن كلما زادت المسافة بينهما أصبح التأثير بينهما ضعيفًا.

لنأخذ على سبيل المثال الأسطورة القائلة إن سقوط تفاحة من شجرة على رأس نيوتن ألهمه الكشف عن قانون الجاذبية العالمية، يخبرنا قانون نيوتن للجاذبية أن الأرض تؤثر على التفاحة وكذلك التفاحة تؤثر على الأرض، إلا أن الكتلة الهائلة للأرض مقارنة بالتفاحة تمنحها القدرة على تحريك التفاحة بطريقة نراها، لهذا تسقط التفاحة نحو الأرض بينما تبقى الأرض عمليًا ثابتة.

ينطبق الأمر على سياق أوسع. يجذب كل جسم في الكون جسمًا آخر، ولكن كلما كانت المسافة قريبة والكتلة أضخم كانت قوة الجاذبية أكبر.

نستطيع وصف كل ظواهر الجاذبية على سطح الأرض بإدخال بعض الأرقام على معادلة نيوتن، بالإضافة إلى التنبؤ بحركة الكواكب والنيازك والأقمار. تفسر المعادلة سبب اجتماع النجوم في مجرات ولماذا تتحد المجرات لتشكيل العناقيد المجرية.

ولكن المعادلة لا تفسر كل شيء نراه؛ على سبيل المثال التغير التدريجي في مدار عطارد حول الشمس. حتى نيوتن نفسه تساءل كيف لقوة أن تعمل بشكل آني عن بعد في فراغ الفضاء؟

نظرية آينشتاين للنسبية العامة

يُعتبر الفضاء في كون نيوتن مسطحًا ومكانًا فارغًا تتحرك خلاله الأجسام كالنجوم والكواكب، ولكن آينشتاين توصل لفكرة مختلفة.

أظهر آينشتاين وأستاذه السابق هيرمان مينكوفيكسي، في أحد أهم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين، أن الزمان والمكان ليسا كيانين منفصلين بل عبارة عن (استمرار-continuum) رباعي الأبعاد. تخيلوا أن هذا الاستمرار يتمدد خلال الكون كالنسيج.

استنتج آينشتاين أن كل جسم في الكون له كتلة سيتفاعل مع نسيج الزمكان ويسبب تشوهات فيه. إذا شبهنا ذلك بتشبيه كلاسيكي سنتخيل نسيج الزمكان كلعبة الترامبولين (النطاط)، عندما نضع كرة بولينغ في وسط الترامبولين ستحني النسيج وتنشئ تقعرًا. إذا وضعنا قطعة من الرخام بجانب كرة البولينغ ستتدحرج نحو التقعر، إذ تُسحَب إلى الداخل، وهذا مشابه لدوران الأرض حول الشمس.

تصف نظرية آينشتاين للنسبية العامة الجاذبية بأنها ليست مجرد قوة فحسب بل هي –هندسيًا– نتيجة ثني المادة للزمكان.

تصف نظرية آينشتاين -على عكس نظرية نيوتن- التغير في مدار عطارد بشكل صحيح من خلال أخذ اضطرابات الزمكان التي تسببها كتلة الشمس بعين الاعتبار.

دعمت الكثير من المشاهدات نظرية آينشتاين بعد نشرها عام 1915. وصفت النظرية انحناء الضوء حول الشمس والعناقيد المجرية البعيدة بشكل صحيح. وبما أن الكتل تحني الزمكان، سيتبع الضوء مسارًا على طول خط الزمكان.

أُثبِتت النسبية العامة من خلال قياسات انزياح الجاذبية، إذ تنبأت بشكل صحيح كيف يمدد دفع الجاذبية الخاص بالنجوم تردد الضوء الخاص بها.

قدم اكتشاف موجات الجاذبية في الآونة الأخيرة وبشكل مذهل، دليلًا واضحًا على أن الأجسام الضخمة لا تشوه الزمكان فحسب بل وتنشئ تموجات فيه عندما يصطدم جسمان كثقبين أسودين بشكل عنيف.

الجاذبية بمثابة قوة أساسية

لا تزال بعض الألغاز موجودة. تبدو الجاذبية قوةً أساسيةً في الكون لكنها تبدو حاليًا غير متوافقة مع القوى الأخرى.

جاهد علماء الفيزياء حتى قبل آينشتاين في سبيل صياغة نظرية تربط كل الظواهر الفيزيائية في الكون، بما في ذلك القوى الأربع والجسيمات. ستكون نظرية كل شيء هي الإنجاز الكامل للفيزياء.

نجحت نظرية الحقل الكمومي في جمع القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الشديدة والضعيفة ولكنها عانت في ضم النسبية العامة. أمضى آينشتاين النصف الثاني من مسيرته المهنية في محاولة لضم الجاذبية إلى النظرية إلا أنه لم يصل إلى حد بعيد.

يُعد ربط هذين الهيكلين النظريين مجالًا واسعًا للبحث يمتد على الجاذبية الكمومية ونظرية الأوتار ونظرية M (نظرية تدمج نظرية الأوتار الفائقة مع الأبعاد الإحدى عشر للثقالة الفائقة) وغيرها الكثير.

تبدو هذه المحاولات بعيدة كل البعد عن نيوتن وتفاحته، ولكنها نموذج مصغر للعلم ككل. أحيانًا يكون الكون أكثر تعقيدًا وأكثر إثارة للاهتمام مما اعتُقد سابقًا.

اقرأ أيضًا:

الجاذبية الكمبة: لماذا يحاول العلماء إيجادها؟

لماذا تلك الضجة الكبيرة حول موجات الجاذبية؟ ما الذي سيحدثه اكتشافها؟

ترجمة: مازن سفّان

تدقيق: نغم رابي

المصدر