يتكون قوام السدم من سحب شاسعة من الغبار والغازات تحوم في الفضاء الخارجي، توفر تلك السحب حضانات تنذر بمولد نجم جديد. تتشكل بعض السدم نتيجة موت نجم ما. بعد اكتمال دورة حياة النجوم، تنفجر بعضها في مستعر أعظم (Supernova)، مطلقةً سحبًا شاسعة من الحطام والغازات في الفضاء. وقد تتشكل السدم عندما تتجمع المواد النجمية، مثل الغازات وجزيئات الغبار معًا في الفضاء وتشكل كتلًا بفعل الجاذبية، ما يخلق مناطق ذات كثافة أكبر.

يؤدي الاضطراب الشديد داخل هذه السحب إلى تكوين مناطق ذات كثافة عالية يُشار إليها باسم «العقد». عندما تحتوي العقد على كتلة كافية، تتلاشى الجاذبية بين ثنيات الغاز والغبار. عندما تنهار العقدة، يسبب ضغط الجاذبية تسخين المادة الموجودة في المركز، ما يؤدي إلى تكوين نجم أولي. عندما يصبح قلب النجم الأولي ساخنًا بدرجة كافية لتحفيز الاندماج، يولد النجم من رحم السديم.

مع ذلك، لا تدخل كل بقايا السُحب في تكوين النجم. فقد يتجمع الغبار المتبقي لتكوين كواكب أو أجسام أصغر مثل الكويكبات. تتوقع النماذج الحاسوبية ثلاثية الأبعاد الخاصة بتشكل النجوم، أن الغاز والغبار المنهارين ينقسمان عادةً إلى مجموعتين أو أكثر. يقترح الباحثون أن هذا هو سبب ازدواج غالبية النجوم في مجرة درب التبانة أو كونها ضمن جماعات.

يُعد سديم الجوزاء أحد ألمع السدم، ويقع على بعد 1345 سنة ضوئية تقريبًا. وتُعد منطقة تشكله أقرب منطقة إلى الأرض حيث يمكن للنجوم أن تتشكل وتتمايز.

مع ذلك، فإن الجوزاء ليس أقرب سديم. يُعتقد أن سديم اللولب، الذي رصده كارل لودفيج هاردينج في أوائل القرن التاسع عشر، أقرب سديم إلى الأرض. يقع على بعد 655 سنة ضوئية، وتكون من أنقاض نجم ميت ولا يمكنه أن يلد أجسامًا جديدةً.

كيف تتكون السدم؟

صورة التقطها تلسكوب هابل لسديم السرطان

صورة التقطها تلسكوب هابل لسديم السرطان

قد يبدو الفضاء فارغًا، لكنه يحوي في الواقع كمًا كبيرًا من جزيئات الغاز والغبار، يُشار إلى تلك الجزيئات بمصطلح الوسط بين النجمي. يشكل الغاز أكثر هذا الوسط، بنسبة تبلغ 75٪ من جزيئات الهيدروجين ونحو 25٪ من غاز الهيليوم. يشمل الوسط بين النجمي الذرات والجزيئات المتعادلة، وأيضًا يشمل جسيمات مشحونة، مثل الأيونات والإلكترونات. عادةً، يتوسع انتشار هذه الجسيمات في الوسط، بمتوسط كثافة يبلغ ذرة واحدة فقط لكل سنتيمتر مكعب تقريبًا.

مع أن هذه الكثافة منخفضة جدًا، فإنها تمثل إضافةً لا بأس بها إلى المسافات بين النجمية الشاسعة. بمرور الوقت، قد يسبب التجاذب الثقالي اندماج المادة في كتل أكبر. وقد يسبب الضغط الناتج من الجاذبية في المناطق عالية الكثافة، تسخين المادة الغازية بدرجة كافية لتحفيز الاندماج، من ثم تتشكل نجوم جديدة.

ليست الجاذبية الطريقة الوحيدة التي قد يتشكل بفعلها السديم. عندما ينفجر نجم كبير نسبيًا في مستعر أعظم، قد تُشكل المادة المنبعثة من الانفجار، مع المواد الأخرى التى اكتُسحت بموجة صدمية، نوعًا من السدم يُسمى سديم بقايا المستعر الأعظم. تلك السدم ليست مرئيةً دائمًا، لكن قد تنبعث منها أشعة سينية وموجات راديوية قوية بسبب التفاعلات مع الوسط النجمي المحيط. تنتشر سدم بقايا المستعر الأعظم في النهاية داخل الوسط، عادةً بعد مئات الآلاف من السنين.

يتشكل نوع آخر من السدم بعد موت نجم منخفض الكتلة -كتلته من 1 إلى 8 كتل شمسية- يُسمى السدم الكوكبية.

إن كلمة «كوكبي» مضللة بعض الشيء، لأن هذه السدم لا علاقة لها بالكواكب. لكن أطلق عليها عالِم الفلك ويليام هيرشل من القرن التاسع عشر الاسم، لأن الأجسام الجديدة كانت تشبه عملاقًا غازيًا عند رؤيتها باستخدام التلسكوب.

في نهاية دورة حياته، ينفجر النجم فاقدًا طبقته الخارجية. تتوزع المادة من الطبقة الخارجية حول النجم المحتضر وتسبب تكوين سديم كوكبي. يؤين الإشعاع المنبعث من لب النجم المتضخم، الحطام والغازات الناتجة من الانفجار. في حين يحتفظ اللب بحرارته واتقاده، يُطلق عليه نجم القزم الأبيض. عندما يبرد قلب السديم الكوكبي، يستحيل قزمًا أسود.

السدم الكوكبية الناتجة من موت النجوم القزمة -مثل سديم ميدوسا- وسديم بقايا المستعر الأعظم -مثل سديم السرطان- لا تلد نجومًا جديدةً، لكن السحب الجزيئية بين النجمية مثل سديم البجع أو سديم الجبار تمثل حضانات نشطة لميلاد النجوم. معظم السدم واسعة الانتشار، تمتد عدة سنوات ضوئية، لكنها منخفضة الكثافة جدًا. مثلًا، تبلغ كتلة الأرض 5.972 × 10^24 كجم، لكن سديمًا بذات حجم الأرض يزن بضعة كيلوجرامات فقط.

أنواع السدم

إضافةً إلى سدم بقايا المستعر الأعظم والسدم الكوكبية، توجد ثلاثة أنواع أخرى من السدم. يقع معظمها في فئة السدم الانتشارية، ما يعني أن حدودها غير معروفة. بناءً على سلوكها مع الضوء المرئي، تنقسم السدم الانتشارية إلى فئتين: «السدم الانبعاثية» و «السدم الانعكاسية». إلى جانب ذلك، توجد أيضًا «السدم المظلمة».

السدم الانبعاثية

تتكون السدم الانبعاثية من سحب من الغاز المتأين ينبعث منها ضوء بأطوال موجية مرئية. لها كثافات متنوعة جدًا، تتراوح كتلتها عادة بين 100 و10,000 كتلة شمسية.

قد تولد السدم الانبعاثية عندما تؤين نجوم ساخنة من النوع O سحبًا نجمية معينة. نجوم النوع O بيضاء مُزرقة بدرجات حرارة سطحية تتراوح عادة بين 25000 و50000 كلڤن. إذا احتوت السحب المؤيَّنة الهيدروجين المتعادل بنسبة كبيرة، تنتج هذه العملية كميات ضخمة من الفوتونات عالية الطاقة. تشطر الفوتونات ذرات الهيدروجين المتعادلة إلى نوى الهيدروجين وإلكترونات، تتحد لتكوين هيدروجين متعادل في حالة مثارة. عندما تقل طاقة الهيدروجين المتعادل تدريجيًا، تبعث ذراته فوتونات بأطوال موجية في الطرف الأحمر من الطيف المرئي، ما يعطي السدم الانبعاثية لونًا أحمر مميزًا.

تسمى السدم الانبعاثية غالبًا المناطق (HII)، لأنها تتكون غالبًا من الهيدروجين المتأين، إذ يستخدم علماء الفلك عادةً مصطلح HII للإشارة إلى الهيدروجين المتأين، و HI للإشارة إلى الهيدروجين المتعادل.

السُدم الانعكاسية

تنشأ عندما يتشتت الضوء أو ينعكس، الضوء المنبعث من نجم أو سحابة غبار مجاورة. تضيء ألمع السدم الانعكاسية بفعل النجوم من النوع B. هذه النجوم ساطعة جدًا، لكنها عمومًا أبرد من نحو 25000 كلفن، وهي أبرد من نجوم النوع O التي تُنتِج السدم الانبعاثية.

يُستقطب الضوء المتناثر جزئيًا، نظرًا إلى أن حجم جزيئات الغبار في السحابة يماثل الطول الموجي للضوء الأزرق، فالضوء الأزرق أكثر تشتتًا. من ثم تظهر هذه السدم غالبًا بهذا اللون.

السديم المظلم (الامتصاصي)

تحتوي السدم المظلمة على تركيزات عالية جدًا من جزيئات الغبار إذ تنتشر وتمتص الضوء المرئي الساقط، ما يجعلها تظهر على شكل بقعة مظلمة في الفضاء. تكون أوضح عندما تُشاهَد أمام منطقة مضيئة، مثل سديم انبعاثي، أو في منطقة بها عدد كبير من النجوم. تشمل الأمثلة المعروفة سديم كيس الفحم، الذي يُرى في نصف الكرة الجنوبي، وسديم رأس الحصان.

السدم المظلمة أيضًا شديدة البرودة، بمتوسط درجة حرارة من 10 إلى 100 كلفن. تحفز درجات الحرارة المنخفضة تكوين الهيدروجين، ولهذا تمثل السدم المظلمة عامةً مناطق خصبة لميلاد النجوم.

تُعرف السدم الكبيرة المظلمة التي تحتوي أكثر من مليون كتلة شمسية من المواد، وتمتد أكثر من 650 سنةً ضوئيةً، باسم السحب الجزيئية العملاقة. أصغرها، تُسمى كرات بوك، قد يبلغ عرضها أقل من 3 سنوات ضوئية وتحتوي أقل من 2000 كتلة شمسية من المادة.

حقائق مثيرة حول السديم

أعمدة الخلق. صورة التقطها تلسكوب هابل لمنطقة غنية بالغاز والغبار في سديم النسر

أعمدة الخلق. صورة التقطها تلسكوب هابل لمنطقة غنية بالغاز والغبار في سديم النسر

عام 1786، اكتشف الفلكي فريدريك ويليام هيرشل سديمًا مُعقدًا يسمى عين القط (NGC 6543). تحتوي سحابة الغبار هذه هالةً تمتد 3 سنوات ضوئية، والعديد من الهياكل كالعقد والفقاعات والحلقات متحدة المركز والأطواق. كان هذا أول سديم كوكبي يكتشفه العلماء، وحتى الآن، لم يتمكن علماء الفلك من الإحاطة ببنيته وتركيبه.

قبل القرن العشرين، لم تكن فكرة «المجرة» -بوصفها مفهومًا مستقلًا بذاته- معروفة. عد علماء الفلك السدم والمجرات شيئًا واحدًا، ولهذا أُشير سابقًا إلى أول مجرة اكتشفناها، المرأة المُسلسلة، باسم سديم أندروميدا. نعلم الآن أن المجرة والسديم شيئان مختلفان. الفرق الرئيسي بينهما أن السديم ينشأ من الوسط بين النجمي، ويتكون أساسًا من الهيليوم والهيدروجين. عمومًا، السدم لها أحجام تتراوح بين بضع ومئات من السنين الضوئية. أما المجرة فأكبر بكثير، إذ تمتد ما بين مئات وآلاف السنين الضوئية، وتحتوي الغبار والنجوم والسدم والأنظمة الشمسية.

أكبر سديم يسمى سديم العنكبوت، يبلغ حجمه 1800 سنة ضوئية في أوسع امتداد له، ويبعد نحو 170,000 سنة ضوئية من كوكبنا. وهو سديم انبعاثي يقع في سحابة ماجلان الكبرى. يُعتقد أنه يُؤوي نحو 800,000 نجم، ويُعد أكثر حضانات النجوم المعروفة نشاطًا.

قد تبلغ درجات حرارة أكثر النجوم سخونةً في مجرتنا نحو 250,000 درجة مئوية، وتوجد في سديم الفراشة (NGC 6302)، وهي سحابة غبار تنتشر على شكل أجنحة فراشة، تقع على بُعد نحو 4000 سنة ضوئية من الأرض، في كوكبة العقرب.

عام 1995، التقط تلسكوب هابل الفضائي صورة عُرفت باسم «أعمدة الخلق». تُظهر الصورة محلاقًا شاهقًا من الغبار والغاز الكوني في قلب سديم النسر (NGC 6611). «الأعمدة» هي سحب من الغبار والغاز في منطقة تمثل بيئة خصبة لمولد النجوم، وتتخفى النجوم حديثة الولادة في أعمدتها الضعيفة. زعمت دراسة لاحقة أن مستعرًا أعظم داخل السديم قد دمر الأعمدة، ومع ذلك، تشير أدلة جديدة إلى أن الأعمدة ما تزال موجودة ومن المحتمل أن تبقى بضع مئات الآلاف من السنين القادمة، قبل أن تتلاشى وتندثر تدريجيًا.

يعتقد الكثيرون أن السدم مجرد سحب غبار ملونة يلتقطها علماء الفلك بمناظيرهم، كما تمكن ملاحظة السدم شديدة السطوع مثل سديم الجبار بالعين المجردة، لكنها أكثر من ذلك بكثير. لم تتمايز في رحمها النجوم والأنظمة الشمسية فحسب، بل إن كوننا كله يدين بتطوره لتلك السحب النجمية.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف سديم من نوع جديد في الفضاء

سديم النملة يطلق أشعة ليزر وهذا يعني أنه يخفي شيئًا

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسام التهامي

المصدر