الموجات الميكروية -أو موجات الميكروويف- هي نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي، مثلها كمثل الموجات الراديوية، والأشعة فوق البنفسجية، والأشعة السينية وأشعة جاما. للأشعة الميكروية العديد من التطبيقات بما في ذلك الاتصالات، والرادار، وربما الأكثر شيوعًا عند معظم الناس: الطبخ.

ينتقل الإشعاع الكهرومغناطيسي في الموجات أو الجسيمات بأطوال موجية وترددات مختلفة. يعرف هذا النطاق الواسع من الأطوال الموجية باسم (الطيف الكهرومغناطيسي – EM spectrum). ينقسم الطيف عمومًا إلى سبع مناطق من أجل تقليل الطول الموجي وزيادة الطاقة والتردد. التسميات الشائعة هي موجات الراديو، والموجات الميكروية والأشعة تحت الحمراء والطيف المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة جاما. تقع الموجات الميكروية في نطاق الطيف الترددي بين الموجات الراديوية وموجات الأشعة تحت الحمراء.

تُظهر هذه الصورة التي كشف عنها في 21 مارس 2013 أشعة الخلفية الكونية (CMB) كما لاحظها مرصد الفضاء بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. إن CMB هي لقطة لأقدم ضوء في كوننا، موجودة في الفضاء عندما كان عمر الكون يبلغ 380 عامًا فقط. تظهر تقلبات درجة الحرارة الصغيرة التي تتوافق مع المناطق ذات الكثافة المختلفة قليلاً، والتي تمثل بذور كل ما بني عليه المستقبل: النجوم والمجرات. Credit: ESA and the Planck Collaboration

تُظهر هذه الصورة التي كشف عنها في 21 مارس 2013 أشعة الخلفية الكونية (CMB) كما لاحظها مرصد الفضاء بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. إن CMB هي لقطة لأقدم ضوء في كوننا، موجودة في الفضاء عندما كان عمر الكون يبلغ 380 عامًا فقط. تظهر تقلبات درجة الحرارة الصغيرة التي تتوافق مع المناطق ذات الكثافة المختلفة قليلاً، والتي تمثل بذور كل ما بني عليه المستقبل: النجوم والمجرات. Credit: ESA and the Planck Collaboration

للموجات الميكروية ترددات تتراوح من حوالي مليار دورة في الثانية، أو جيجاهيرتز واحد، إلى حوالي 300 جيجاهيرتز. كذلك لها أطوال موجية من حوالي 30 سنتيمترًا (12 بوصة) إلى 1 ملليمتر (0.04 بوصة) وفقًا للموسوعة البريطانية. تنقسم هذه المنطقة أيضًا إلى عدد من الحزم، بمسميات مختلفة مثل (L)، (S)، (C)، (X)، و(k) وفقًا لكتاب جنجر بوتشر بعنوان: (رحلة في الطيف الكهرومغناطيسي – Tour of the Electromagnetic Spectrum).

يوضح هذا الرسم البياني الطيف الكامل للموجات الكهرومغناطيسية. يشير المقياس الموجود في الأسفل إلى الأجسام التمثيلية المكافئة لمقياس الطول الموجي. تحدد شفافية الغلاف الجوي ما يصل من الإشعاع إلى سطح الأرض. Credit: UC Regents

الاتصالات والرادار

وفقًا للجنة (الاتصالات الفيدرالية – FCC)، تُستخدم الموجات الميكروية في الغالب لأنظمة الاتصالات من نقطة إلى نقطة لنقل جميع أنواع المعلومات، بما في ذلك الصوت، البيانات، الفيديو بكلا الطريقتين: (التناظرية – analog) و(الرقمية – digital)، كما أنها تستخدم للتحكم الإشرافي والاستحواذ على البيانات (SCADA) في التحكم عن بعد للآلات، المفاتيح، الصمامات والإشارات.

يعد الرادار تطبيقًا آخر مهمًا للموجات الميكروية. كانت كلمة (الرادار) في الأصل اختصارًا لـ(الكشف وتحديد نطاق الموجات الراديوية -Radio Detection and Ranging ).

قبل الحرب العالمية الثانية، لاحظ مهندسو الراديو البريطانيون أن الموجات الراديوية ذات الأطوال الموجية القصيرة يمكن أن تصطدم وترتد من الأشياء البعيدة مثل السفن والطائرات، ويمكن الكشف عن الإشارة الراجعة بهوائيات موجهة ذات حساسية عالية بحيث يمكن تحديد وجود هذه الأجسام ومواقعها. أصبح استخدام مصطلح الرادار شائعًا لدرجة أنه أصبح الآن كلمة بحد ذاتها، ويمكن أن يشير إلى الأنظمة التي تستخدم الموجات الدقيقة (الميكروية) أو الموجات اللاسلكية.

إحدى الحقائق التاريخية التي لا يعرفها الكثيرون هي أن أول رادار بني كان فوق قمة كاهوكو إلى الشمال من قمة أوهايو. وفقًا لموقع ولاية هاواي اكتشفت هذه المحطة السرب الأول من الطائرات اليابانية وهي في طريقها لمهاجمة ميناء بيرل هاربور، وقد كانت الطائرات تبعد 132 ميل (212 كم).

مع ذلك، نظرًا لأن النظام كان قد عمل به منذ أسبوعين فقط، اعتبرت التحذيرات غير موثوقة، وأهملت. أثناء الحرب، أضيف العديد من التحسينات على الرادار، وأصبح منذ ذلك الوقت إلى الآن عنصرًا أساسيًا في الدفاع الوطني ومراقبة حركة الطائرات المدنية.

يُستخدم الرادار في العديد من التطبيقات الأخرى، بعضها يعمل على مبدأ (تأثير دوبلر – Doppler effect). يمكن توضيح مثال على تأثير دوبلر في سيارة الإسعاف، فكلما اقتربت منها ازدادت حدة صوت الصافرة، وبعد ابتعادها تبدأ حدة الصوت بالانحسار تدريجيًا.

يقول روبرت مايانوفيتش أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميزوري: «إن رادار دوبلر الذي يستخدم غالبًا الموجات الميكروية يستخدم للتحكم في حركة الملاحة الجوية ومراقبة سرعة السيارات على الطرق. عندما يقترب الجسم من الهوائي، تنضغط الموجات الميكروية الراجعة وبالتالي يقل طولها الموجي ويزداد ترددها.

على العكس من ذلك، فإن الموجات الراجعة من الأجسام المبتعدة يزداد طولها الموجي ويقل ترددها. وبقياس الفرق في التردد، يمكن تحديد سرعة الجسم ما إذا كان متجهًا إلى الهوائي أو مبتعدًا عنه».

تتضمن بعض التطبيقات الشائعة التي تعمل على هذا المبدأ أجهزة كواشف الحركة البسيطة، ومسدسات الرادار التي تستخدم لقياس سرعة السيارات على الطرق، ورادار قياس المرتفعات، ورادار الطقس الذي يمكنه تتبع حركة ثلاثية الأبعاد لقطرات الماء في الغلاف الجوي. يطلق على هذه التطبيقات «الاستشعار الفعال»، لأن الموجات الميكروية تنقل، وتستقبل الإشارة الراجعة وتحلل.

أما في الاستشعار السلبي، ترصد وتحلل المصادر الطبيعية للموجات الميكروية. العديد من عمليات الرصد تتم بواسطة أقمار صناعية توجه إما إلى الأرض أو إلى الفضاء الخارجي.

موجات الميكروويف مصدر للحرارة

يعد التسخين السريع للطعام واحدًا من أكثر الاستخدامات للموجات الميكروية شيوعًا. وجدت أفران الميكروويف لأن الموجات الميكروية يمكن استخدامها لنقل الطاقة الحرارية، وكان اكتشافها بالصدفة.

في كتابه (كلهم ضحكوا: القصص المذهلة وراء اختراعات غيرت حياتنا من المصباح الكهربائيّ إلى الليزر) يروي المؤلف إيرا فلاتو قصة اختراع أفران الميكروويف: «بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان بيرسي إل. سبنسر -وهو عبقري في مجال الإلكترونيات وأحد أبطال الحرب- يقوم بجولة في أحد مختبراته في شركة رايثيون.

توقف سبنسر أمام صمام مغناطيسي مفرغ، وهو أنبوب طاقة يستخدم في تشغيل الرادار. فجأة لاحظ أن قطعة الحلوى في جيبه قد بدأت بالذوبان». عمل على مزيد من التحقيقات بعد ذلك ما جعله يصنع أول دفعة فوشار باستخدام الميكروويف. أول فرن مايكروويف كان ضخمًا بعض الشيء وغالي الثمن، بعد ذلك أصبح متاحًا في المنازل للجميع.

تستخدم أنظمة التسخين للمايكروويف في العديد من التطبيقات الصناعية مثل معالجة الطعام، المواد الكيميائية، والمواد الخام بشكل مستمر أو على عدة مراحل.

تُظهر هذه الصورة البانورامية لهضبة Chajnantor في تشيلي هوائيات Atacama Large Millimeter / submillimeter Array (ALMA) موجهة لسماء ليلية ملأى بالنجوم. Credit: ESO/B. Tafreshi

مصادر الموجات الميكروية (موجات الميكروويف) الطبيعية

يجري علماء الفلك الإشعاعي عمليات الرصد في نطاق الموجات الميكروية، لكن تضعف هذه الموجات بعد مرورها بالغلاف الجوي، لذلك فإن معظم هذه الدراسات تتم باستخدام بالونات تحلق على ارتفاعات عالية أو أقمار صناعية. ربما تكون أشهر إشارات المايكرويف القادمة من الفضاء هي تلك التي رصدها اثنان من العلماء في مختبر بيل أثناء عملهما على أنظمة الاتصالات اللاسلكية باستخدام هوائي عملاق مثبت على الأرض.

وفقًا لموقع ناسا للعلوم، في عام 1965 استخدم أرنو بينزياس وروبرت ويلسون -العالمان في مختبرات بيل- موجات ميكروية طويلة المدى من الحزمة L، وتوصلا إلى اكتشاف مذهل بالصدفة باستخدام هوائي خاص متحسس للضوضاء الدقيقة. اكتشفوا وجود ضوضاء في خلفية الإشارة المستلمة.

الغريب في هذه الضوضاء هو أنها كانت قادمة من جميع الاتجهات ولا يبدو أن شدتها تتفاوت بشكل كبير على الإطلاق، فلو كانت هذه الإشارة قادمة من شيء ما على الأرض مثل محطة لأحد أبراج المطارات القريبة، لكانت ستأتي من اتجاه واحد، لا من جميع الاتجاهات. سرعان ما أدرك العالمان أنهما اكتشفا بالصدفة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي؛ هذا الإشعاع الذي يملأ الكون بالكامل هو الدليل على بداية نشوء الكون، والذي يعرف بالانفجار العظيم.

حصل بينزياس وويلسون على جائزة نوبل عام 1978 في الفيزياء على هذا الاكتشاف. ومنذ ذلك الحين ترسم الخرائط لإشعاع الخلفية الكونية الميكروي بدقة كبيرة بواسطة الأقمار الصناعية. لقد كشفت هذه الملاحظات الاختلافات الدقيقة في درجات الحرارة التي تطورت في نهاية المطاف إلى العناقيد المجرية التي نراها اليوم.

أعطى تحليل هذه الخلفية الإشعاعية أيضًا أدلة لعلماء الفلك فيما يتعلق بتكوين الكون، ويعتقد العلماء الآن أن حوالي 95% من مادة وطاقة الكون لا يمكن استشعارها بالأجهزة التقليدية، وأطلق عليها المادة المظلمة والطاقة المظلمة. في المستقبل يمكن أن يساعد تحليل أشعة الخلفية الكونية في تفسير ما حدث بعد ولادة الكون بفترة قصيرة، وربما حتى قبل وجود هذا الكون، وفقًا لبعض النماذج الكونية.

اقرأ أيضًا:

أتذكرون موجات الراديو التي رصدت مؤخرًا؟ إنها قادمة من الفضاء!

هاينريش هيرتز

ترجمة: أزهر البكري

تدقيق: علي فرغلي

مراجعة: رزان حميدة

المصدر