يميل الذكور لشرب الكحول والشرب الشره أكثر من النساء، وبحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها يمتلك الذكور احتمالية إصابة أكبر بأربع أضعاف باضطرابات تعاطي الكحول بالنساء. عند تشخيص الأطفال المصابين بعيوب ناتجة عن استهلاك الكحول -مثل متلازمة الطفل الكحولي- يُنظر عادةً إلى عادات الأم الكحولية، لكن الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية لا يأخذون بالحسبان تأثير صحة الأب ونمط حياته وخياراته في تطور طفله.

أظهرت الأبحاث أن النطاف تمتلك كمية كبيرة من معلومات الوراثة اللاجينية التي تؤثر كثيرًا في التطور الجنيني للطفل وصحته، ويُقصد بمعلومات الوراثة اللاجينية تلك التحولات الوراثية في التعبير الجيني التي لا تنتج عن التغيرات في تسلسل الحمض النووي.

ركز فريق البحث هذا على طريقة تعاطي الرجل للكحول وكميته في الأشهر والأسابيع السابقة للحمل، عوضًا عن اقتصار الدراسات على شرب الأم للكحول في أثناء الحمل.

أوضحت هذه الدراسة أن استهلاك الذكر للكحول في أثناء الفترة السابقة للحمل يُعد عاملًا منطقيًا غير مدروس يُؤثر أيضًا في تطور العيوب القحفية الوجهية للطفل ونقص النمو الناتجين عن الكحولية.

التركيز الشديد على الأمهات:

أصدر الجراح العام الأمريكي عام 1981 تحذيرًا للصحة العامة، يُؤكد فيه أن تعاطي الأم للكحول في أثناء الحمل يُمثل السبب الرئيسي للعيوب الولادية الجسدية والنفسية لدى الأطفال.

نتج هذا التحذير عن الاستيعاب المتزايد بأن مجموعةً من الإعاقات الجسدية والنفسية للأطفال -تُعرف الآن بمتلازمة الطفل الكحولي- ترتبط باستهلاك الأم للكحول في أثناء الحمل.

قد يُعاني 1 من كل 20 طفلًا في المدرسة من أحد أشكال طيف الاضطراب الجنيني الكحولي، ويشمل ذلك نطاقًا واسعًا من الاضطرابات الجسدية والتطورية والسلوكية المتعلقة بتعاطي الكحول. يُسبب ذلك تحدياتٍ كبيرة تستمر مدى الحياة للمصابين بهذه الآفات.

بحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تظهر متلازمة الطفل الكحولي نتيجة انتقال الكحول من دم الأم إلى الجنين عبر الحبل السري. وأدى ذلك للاعتقاد الحازم بأن استهلاك الأم للكحول في أثناء الحمل هو المُسبب الوحيد للاضطرابات الولادية الكحولية.

ويدعم الوسط الطبي هذا الاعتقاد، إذ يُلزم أطباء الأطفال النساء بتأكيد استهلاكهم الكحولي وتوضيحه قبل تأكيد تشخيص الأطفال بالاضطرابات الولادية الكحولية أو الاضطرابات العصبية السلوكية المرافقة لتعاطي الكحول قبل الولادة.

ولكن مع ذلك سُجلت حالات كثيرة لأطفال شُخصوا بمتلازمة الطفل الكحولي لأمهات أنكرن استهلاكهن للكحول في أثناء الحمل. ففي إحدى الدراسات مثلًا، أنكرت 41 أمًا تعاطي الكحول في أثناء الحمل مع إن أطفالهن شُخصوا بالإصابة بمتلازمة الطفل الكحولي. يتمثل الاعتقاد والتفسير الوحيد المقبول في هذه الحالات بكذب الأمهات، وذلك نظرًا لتكرر هذه الحالات على مدى 40 سنة السابقة.

وضح مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الحد الآمن لتعاطي الكحول في أثناء الحمل أو محاولة الحمل ما يزال غير معروفًا، ويُبلّغ عن تجاهل هذه النصائح واستهلاك الكحول في أثناء الحمل على نطاق واسع.

ومع ذلك، لا يرتبط شرب الكحول ارتباطًا مباشرًا بالاضطرابات التطورية الولادية المرافقة للكحولية، إذ لا يصاب جميع الأطفال بمتلازمة الطفل الكحولي حتى مع تعاطي أمهاتهم للكحول، ويسبب هذا التناقض تضارب الآراء.

مع إن اختلاف فترة استهلاك الأم الحامل للكحول وكميته يؤدي دورًا في تنوع آلية تطور متلازمة الطفل الكحولي فهذه العوامل لا تستطيع وحدها تفسير النطاق الواسع من الأعراض وشدتها. استُنتج من ذلك وجود عوامل غير معروفة تتخطى تعاطي الأم الحامل للكحول وتُشارك في إحداث هذا الاضطراب.

الأب هو القطعة المفقودة في هذه الأحجية:

يُعد الكحول أحد المشاريب الاجتماعية، ولذلك غالبًا ما يكون استهلاك النساء للكحول مع شركائهن الذكور. ولذلك، استعان مخبر الدراسة على ذلك بنماذج فئران لدراسة تأثير تعاطي الكحول لكل من الأم أو الأب أو كليهما.

تترافق متلازمة الطفل الكحولي مع ثلاثة عيوب ولادية رئيسية: عيوب في الوجه تشمل عيونًا صغيرة وتشوهاتٍ في منتصف الوجه، ونقص تطور الدماغ والرأس، وتقيّد النمو الجنيني، أي صغر حجم الأطفال مقارنة بالأحجام الطبيعية.

استفاد البحث من برامج التعرف على الوجه في دراسات سابقة على البشر، واستخدمه لدراسة تأثير تعاطي أمهات الفئران، أو الآباء، أو كليهما للكحول قبل الحمل.

التُقطت صورة رقمية لوجه الفأر في دراسةٍ سابقة، ثم حدد الباحثون رقميًا معالم بارزة للوجه تتضمن أجزاءً من العينين، والأذنين، والأنف، والفم. وبعد ذلك، يحدد برنامج الحاسوب كيف يؤثر استهلاك الكحول -من الأم أو الأب أو كليهما- في القياسات النسبية بين المعالم السابقة.

أظهرت الدراسة على نماذج الفئران تأثير إدمان التعاطي الكحولي عند الأب على آلية تشكل دماغ الطفل وجمجمته ووجهه. وأوضح البحث أيضًا أن آفة صغر حجم الرأس -تخلف الرأس والدماغ- ونقص وزن الطفل تزداد سوءًا عند استهلاك الأب الزائد للكحول.

وبذلك بينت الدراسة أن إدمان تعاطي الذكر للكحول قد يسبب العيوب الولادية الثلاثة جميعها المرافقة لمتلازمة الطفل الكحولي، ويُقصد بتعاطي الذكر هنا استهلاكه أكثر من 5 مشروبات كحولية في اليوم خلال 4 ساعات.

أظهرت نماذج الفئران أيضًا استمرار التغيرات القحفية الوجهية مدى الحياة. وأوضحت الدراسة أيضًا وجود عيوب في الفك وتباعد الأسنان وحجمها. علمًا بأن العيوب في محاذاة الأسنان العلوية والسفلية أحد الأعراض المميزة لمتلازمة الطفل الكحولي لدى البشر أيضًا.

بينت أبحاث أخرى تغيرات سلوكية لدى أطفال ذكور الفئران الذين استهلكوا الكحول بانتظام، وتقترح الدراسات السريرية أيضًا تأثير تعاطي الآباء للكحول في زيادة احتمالية إصابة أطفالهم بعيوب القلب.

تأثير الكحولية على خصوبة الذكر والحمل

تُؤكد الدراسة أيضًا التأثير الفوري لتعاطي الكحول في خصوبة الذكر وقدرة الزوجين على الحمل والإنجاب السليمين، وهذا التأثير واضح خصيصًا للأزواج الذين يعانون مشكلات الإنجاب.

يُقدر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن نسبة الأطفال المولودين باستخدام التكنولوجيا المُساعدة على الإنجاب في الولايات المتحدة الأمريكية تصل إلى 2%، وبينما يتوجه التركيز نحو صحة الأم وقراراتها الحياتية فقط عند إجراء التخصيب المساعد في الأنبوب، تظهر الدراسات أن تعاطي الذكر للكحول يُخفض احتمالية حمل الأنثى بالإخصاب المساعد في الأنبوب أيضًا. بل وأوضحت أن تعاطي الذكر للكحول قبل تقديمه للنطاف يُقلل من فرصة الحمل بنحو 50% في بعض الحالات.

التطلع إلى المستقبل:

تُشير التقديرات السنوية إلى أن التكاليف التراكمية لاضطرابات الجنين الكحولية بطيفها الواسع تتراوح بين 1.29 مليار إلى 10.1 مليار دولار أمريكي سنويًا، تبعًا لأنظمة الرعاية الصحية والتعليم.

يُعد تجاهل نصائح الصحة العامة القائمة حول تخلي الآباء عن عادات تعاطي الكحول عاملًا مساعدًا في هذا التزايد، نظرًا للتكاليف الباهظة والآثار المدمرة على الأشخاص المصابين بهذه الاضطرابات مدى الحياة.

قوبلت نتائج الدراسات المنشورة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حول تأثير تعرض الأمهات للسموم على العيوب الولادية لأطفالهم بالتشكيك وعدم التصديق. بينما تُعد الاضطرابات الولادية الناتجة عن تعاطي الأم أنواعًا محددة من العقاقير أمرًا معروفًا في هذه الأيام.

يتوقع الباحثون أن الوسط الطبي والعلمي، بالإضافة لغيرهم من المجتمع، يُنكر أهمية تعاطي الذكر الكحول، ولذلك، سيبقى مدى تأثير استهلاك الآباء للكحول في العيوب الولادية وصحة أبناءهم أمرًا غير واضحٍ تمامًا إلى أن يبدأ الأطباء بسؤال الآباء عن عاداتهم في الشرب.

اقرأ أيضًا:

متلازمة الجنين الكحولي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

كمية صغيرة من الكحول أثناء الحمل تسبب تشوهات في وجه الطفل

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر