بعد اكتشاف مجرةٍ تحوي سِرًا غريبًا أُطلق عليها اسم (سينتوروس أ – Centaurus A)، وجد الباحثون أنَّ كثيرًا من المجرات القزمة تدور حولها، مثل ما تفعله الكثير من الكواكب حول النجوم أو النجوم حول نوى المجرة.

هذا ليس فقط لطيفًا كما يبدو لك، لكنه يتحدى نظريةً طويلة الأمد نصَّت على أن المجرات القزمة قد تعلق حول المجرات الكبيرة في جميع الاتجاهات، مثل النحل في الخلية.

»سينتوروس A» مجرةٌ تبعد حوالي عشرة إلى ستة عشر مليون سنةٍ ضوئيةٍ عن النظام الشمسيّ، وتقع في سماء النصف الجنوبيّ للأرض، وهي واحدةٌ من أكثر المجرات دراسة.

إنها قريبةٌ جدًا، ولكنها خارج المجموعة المحلية للمجرات، لديها نواةٌ نشطة؛ ما يعني أنها مشرقةٌ جدًا، وتُطلق في الفضاء المحيط بها بعض الانبعاثات التي من الممكن اعتبارها ضخمةً نسبيًا، بالإضافة إلى أنَّ لها شكلًا غير عاديّ، إما بيضويّ أو عدسيّ.

والآن تُعتبر أول مجرةٍ – خارج المجموعة المحلية – نكتشف وجود مجراتٍ قزمةٍ تدور حولها في مستوىً مداريٍّ واحد.

كلٌّ من مجرة درب التبانة، وأندروميدا لها مجراتٌ قزمةٌ تدور حولها في مستوىً مداريّ، ولكنَّ المحاكاة الكونية المبنية على نموذج لامبدا سي دي إم (لامبدا للمادة المظلمة الباردة) يُتوقع أنَّ المجرات الصغيرة سوف تنتشر عشوائيًا حول المجرات الكبيرة، وتتحرك في كل الاتجاهات حولها، مما يجعل درب التبانة وأندروميدا حالاتٍ شاذة.

بعد الملاحظات الجديدة للمجرة غريبة الأطوار (سينتوروس A)، تبين أن التوقعات السابقُ ذكرها خاطئة.

وقال الباحث هيلموت جرجين (Helmut Jerjen) من (الجامعة الوطنية الاسترالية للبحوث في علم الفلك والفيزياء الفلكية -the Australian National University Research School of Astronomy and Astrophysics.): »إن نظرية المادة المظلمة الباردة جعلت الفلكيين يعتقدون أن أفضل المجرات المدروسة في الكون – درب التبانة وأندروميدا – شاذتين.

يبدو أن مجرتنا ومجرة أندروميدا مجرتان عاديتان، والمجرات الدوارة الصغيرة التي تدور في ما يشبه الفطيرة أكثر انتشارًا من اعتقاد العلماء».

تختلف هذه المجرات التابعة الدوارة عن تلك الكواكب التي تبقى عادةً على خط الاستواء من النجم المُضيف المركزيّ، أما المجرات القزمة التي تدور حول المجرة الضخمة Centaurus A)) ودرب التبانة وأندروميدا، فهي تتأرجح بشكلٍ عموديٍّ على المجرة المُضيفة حول أقطاب الثقب الأسود الضخم الموجود في مركز المجرة.

 

قال الباحثون إنه من السهل تحديد المجرات الصغيرة التي تدور حول المجرتين الرئيسيتين (مجرة درب التبانة وأندروميدا).

يمكن أن تأخذ صورًا للسماء كل بضع سنين من سطح الأرض، مجرة أندروميدا مثلًا، تبعُد عن الأرض حوالي 2.5 مليون سنة ضوئية، وإن حافتها في مواجهة الأرض وبالتالي يمكن ملاحظة تلك المجرات القزمة التي تدور عموديًا على مستوى المجرة.

تُعتبر مجرة سينتوروس A كونها واحدةً من الأشياء الأكثر دراسةً في السماء أن لها بعض الامتيازات، فلدينا بياناتٌ ومعلوماتٌ جُمعت على مدار سنين تم العثور من خلالها على ست عشرةً من المجرات القزمة التي تدور حولها.

كما تبين من خلال (انزياح دوبلر – The Doppler shift)، أو طول الموجات الضوئية، الاتجاهات التي كانت تسلكها المجرات خلال انتقالها من مكانٍ إلى آخر، (تأثير دوبلر: يتغير الطول الموجيّ للأضواء المنبعثة من النجوم والمجرات أثناء حركتها موضحًا اتجاه الحركة بالنسبة للأرض مبتعدةً أو مقتربة).

عالم الفلك مارسيل باولسكي (Marcel Pawlowski) من جامعة كاليفورنيا في إيرفين يقول: »نرى أن نصفهم ينزاح إلى الأحمر، وهذا يعني أنهم يبتعدون عنا، والنصف الآخر ينزاح إلى الأزرق، وهو ما يخبرنا أنهم يقتربون منا».

هذا وقد كشف أنَّ أربع عشرة من ست عشرة مجرةً صغيرةً تتبع نفس نمط الحركة، ومن أصل 11 وُجِدت في مدار درب التبانة، 8 مجرات منها كانت تدور بشكلٍ عموديّ، ومن أصل 27 في أندروميدا، وُجِدت 15 مجرة تدور بشكلٍ مماثِل.

وقد قال الباحثون إنَّ قانون العشوائية يُمكن استبعاده؛ لأنَّ هذه الظاهرة لوحِظت لثلاث مراتٍ مختلفة.

وهذا يشير أيضًا إلى أنه أكثر شيوعًا مما كان يُعتقد سابقًا، فالنماذج القياسية تشير إلى أنه لا ينبغي العثور على تلك الحالة إلا في نسبةٍ مئويةٍ حُددت في 0.5 في المئة من المجرات القريبة.

وأضاف باولسكي: »هذا يعني أننا أخطأنا في شيءٍ ما، إما أن المحاكاة تفتقر إلى بعض المكونات الهامة، أو أن النموذج الأساسي خاطئٌ بالأساس، وقد يُنظر إلى هذا البحث على أنه دعمٌ للنظر في نماذج بديلة».

وقال المؤلف الرئيسي (أوليفر مولر – Oliver Müller) من جامعة بازل في سويسرا: »إنَّ النتائج تُعزز فكرة أن الاصطدامات بين مجرتين كبيرتين – وهما أكثر عرضةً للاصطدام في مرحلةٍ ما – تُنتج مجراتٍ قزمةً أصغر من خلال الحطام الناتج عن الاصطدام».

نُشرت ورقة الفريق في مجلة (العلوم- Science).


  • ترجمة: إبراهيم تعبان
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: رغدة عاصي
  • المصدر