هل “مراحل الحزن” صحيحة علميًا؟


من مراحل الحزن إلى مراحل النمو الأخلاقي، تملك نظريات المراحل القليل من الأدلة الداعمة

الإنكار، الغضب، المساومة، الإكتئاب، القبول.

تم إدخال مراحل الحزن هذه إلى الثقافة الشعبية عن طريق الطبيبة النفسية السويسرية إليزابيث كوبلر-روس Elisabeth Kubler-Ross في ستينيات القرن الماضي معتمدةً على دراساتها للحالة العاطفية للمرضى المحتضرين – وغالبًا ما تتخذ هذه المراحل كمرجعية بدون أي شرح.

على أي حال لا يوجد أي دليلٍ واضحٍ على أن أغلب الناس يمرون بهذه المراحل في أغلب الوقت وبهذا الترتيب أو بترتيبٍ آخر مختلف. يقول راسل ب. فريدمان Russell P. Friedman المدير التنفيذي لمؤسسة التعافي من الحزن في منطقة شيرمان أوكس في كاليفورنيا.

(www.grief-recovery.com) و الذي شارك في تأليف كتاب دليل التعافي من الحزن مع جون دبليو.جايمس John W.James (دار نشر هاربر كولنز في عام 1998): “لا توجد أية دراسةٍ أثبتت وجود مراحل الحزن ولا يجب تسمية هذه المشاعر بالمراحل. الحزن هو رد الفعل العاطفي الطبيعي للخسارة…. لا يهم مدى رغبة الناس في تطوير إرشادات بسيطة وسهلة لمشاعر الحزن البشرية فالحقيقة أنه لا يوجد مراحل ثابتةٌ للحزن تنطبق على الأشخاص أو العلاقات.”

ينبع تقييم فريدمان هذا من مشاهداته اليومية لناس يختبرون الحزن في عمله. ويؤكد هذا التحليل عالم النفس في جامعة ميمفيس روبرت أ.نايمير  Robert A.Neimeyer. فقد استنتج في كتابه البحثي” استعادة المغزى وتجربة الخسارة” (الصادر عن جمعية علم النفس الأمريكية عام 2001): “فشلت الدراسات العلمية بشكلٍ واضح في تقديم أي دعمٍ لفكرة وجود تسلسل واضح لمراحل عاطفية للتكيف مع السخارة كما فشلت بتحديد أي نقطة نهايةٍ واضحةٍ للحزن يمكن أن تُسمى الشفاء.”

و مع ذلك فإن الرغبة في اختصار الأمور المعقدة في الحياة إلى مراحل بسيطة وأنيقة لا تقاوم. أصر المحلل النفسي سيغموند فرويد Sigmund Freud أننا نمر ب 5 مراحل للنمو النفسي الجنسي: الفموية، الشرجية، الذكرية القضيبية، الكمون، التناسلية.

قدم عالم النفس التطوري اريك ه.اريكسون Erik H.Erikson نظريةً مضادةً تتضمن ثمان مراحل: الثقة وعدم الثقة (الرضيع)، الذاتية مقابل الخجل والشك (بدء المشي)، المبادرة مقابل الشعور بالذنب (ما قبل المدرسة)، الإنتاجية مقابل الدونية (الطفولة المدرسية)، تعريف الأنا مقابل التشويش في الأدوار (المراهقة)، العلاقات الحميمة مقابل العزلة (الشباب)، امتدادية الجيل مقابل الركود (العمر المتوسط)، التكامل مقابل اليأس (الشيخوخة).

افترض عالم النفس في جامعة هارفرد لورنس كولبرج Lawrence Kohlberg أن نمونا الأخلاقي يتطور من خلال ستة مراحل: العقاب الوالدي، أنانية المتعة واللذة، ضغط الأقران، النظام والقانون، العقد الاجتماعي والضمير القائم على المبادىء.

لماذا نحتاج للمراحل؟ نحن جنسٌ من الرئيسيات نحب سرد القصص ونبحث عن نمطٍ منتظمٍ في محاولةٍ لفهم عالمٍ فوضويٍّ وغير متوقع. تعمل نظرية المراحل بطريقةٍ مماثلةٍ للحدس المهني في تصنيف الأنواع أو لمخطط سلسلة التطور. كما أن المراحل تتناسب تمامًا مع التسلسل التاريخي وتساهم بوضع أنماط سردية للقصص.

تشرح عالمة النفس الاجتماعي كارول تافريس Carol Tavris وهي مؤلفة كتاب “القياس الخاطئ للمرأة” (الصادر عن Touchstone عام 1993) كما شاركت بتأليف كتاب “لقد تم ارتكاب أخطاء (لكن ليس من قبلي)” مع الكاتب اليوت ارونسون Elliot Aronson: ” تفرض نظريات المراحل نظامًا على الفوضى، تعرض إمكانية التنبؤ عوض عدم اليقين، التفاؤل بدل اليأس”.

إحدى الأمور المحببة في نظريات المراحل أنها تخبر قصةً تعطينا سردًا يمكننا أن نعيش على غراره (أنت تشعر بهذا الآن لكن قريبًا ستشعر بأمرٍ آخر….). لقد كان هناك الكثير من العمل حول أهمية سرد القصص في علم النفس المعرفي كما في العلاج النفسي السردي. يُحوِّل بعض المعالجين هذه الفكرة إلى حقيقة ويساعدون المرضى على تحويل سردٍ سلبيٍّ وانهزامي (انظر إلى كل ما عانيت منه) إلى سرد إيجابي (لم أنجو فقط بل انتصرت).”

ما هو الأمر الخاطئ في نظرية المراحل؟ قالت تافريس أولًا: “في علم النفس التطوري، فكرة وجود مراحل متوقعة للحياة هي فكرة منسية. تعكس نظريات المراحل هذه الأوقات التي كان يعيش فيها الناس حياتهم بشكلٍ متوقع: يتزوجون بسنٍّ مبكر، ينجبون الأطفال وهم مازالوا صغارًا في العمر ثم يعملون، يعملون، يعملون بعدها قد يمرون بأزمة منتصف العمر بعدها التقاعد بعدها الموت.

اندثرت نظريات الطرق هذه مع التغيرات في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي ضربت بإمكانية توقع حياتنا بعرض الحائط.”

تكمل تافريس: “تفرض هذه النظريات ذنبًا وضغطًا على الناس الذين لا يحسون بالمشاعر التي يظنون أنه يجب أن يشعروا بها بسبب هذا النظريات. لهذا السبب فإن الأشخاص الذي يمرون بأي نوع من العلاج النفسي يتبنى فكرة المراحل الحتمية يجب أن يكونوا شكاكين وحذرين”

قد تكون المراحل قصصًا حقيقيةً لمن يروي القصة لكن هذا لا يجعلها حقيقيةً بالنسبة للعلم.


  • ترجمة: سيمون العيد
  • تدقيق بدر الفراك
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر