يتغير لون المجسات المصنوعة من الحرير، التي توضَع تحت الجلد استجابةً للأكسجين، وقد يتمكن العلماء في المستقبل من استخدامها لضبط الجلوكوز ومكونات الدم الأخرى.

يحصل الناس على الوشم لإحياء ذكرى حدث أو شخص ما، أو للتعبير عن فكرة معينة، أو ببساطة زخرفةً جمالية. لكن تخيل أن تحصل على وشم له وظيفة محددة، كأن يعلمك بكمية الأكسجين التي تستهلكها عند ممارسة الرياضة، أو أن يسمح بقياس مستوى الجلوكوز في الدم في أي وقت من اليوم، أو مراقبة عدد مكونات الدم المختلفة، أو معرفة السموم البيئية التي تتعرض لها.

اتخذ مهندسو جامعة تافتس خطوةً مهمة نحو تحقيق ذلك الهدف، باختراع مجسات مصنوعة من مادة حريرية توضع تحت الجلد، يتدرج وهجها تحت المصباح عند تعرضها لمستويات مختلفة من الأكسجين في الدم، ونشروا النتائج في مجلة (Advanced Functional Materials).

تتكون المجسات الجديدة -التي تقتصر وظيفتها حاليًا على قراءة مستويات الأكسجين- من هلام مصنوع من البروتين الذي يكوِّن الحرير، ويُسمى الفيبروين. تتميز بروتينات الفيبروين الحريرية بخصائص فريدة تجعلها متوافقة خصوصًا مع الجسم، لتكون مادة قابلة للزرع تحت الجلد.

بإعادة تجميع هذه المادة في هلام أو طبقة، يمكن تعديلها لإنشاء بنية يمكن وضعها تحت الجلد مدةً تتراوح من أسابيع إلى عام، وعندما يتفكك الحرير لن يؤدي إلى حدوث استجابة مناعية، لأنه متوافق مع الجسم.

يتوهج القرص الصغير لمجس الأكسجين الحريري باللون الأرجواني عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية في وجود الأكسجين، وبإمكان الكاشف تحديد مستوى الأكسجين عبر درجة سطوع التوهج الأرجواني ومدته.

تُعد نسب المواد الموجودة في الدم -مثل الجلوكوز واللاكتات والشوارد والأكسجين- نافذة على صحة الجسم وأدائه، وتجري متابعة هذه المواد في المستشفيات، بسحب الدم أو توصيل المريض بأجهزة معقدة. إذن فالقدرة على مراقبة مستويات هذه المواد باستمرار ودون جراحة في أي مكان ميزة هائلة. مثلًا، يجب على مرضى السكري أخذ عينة دم لقراءة مستوى الجلوكوز، وغالبًا يُطلب منهم هذا الإجراء يوميًا، لتحديد النظام الغذائي وجرعات الأدوية. تجعل الطريقة الجديدة عملية المراقبة أسهل بكثير، بـ «تسليط الضوء» على حالة الشخص!

قال الدكتور ديفيد كابل، الباحث الرئيس في الدراسة: «للحرير العديد من الخصائص المميزة، ويمكن تشكيله في شكل رقائق وطبقات ومواد هلامية وغير ذلك. هذه المادة ليست فقط متوافقة بيولوجيًا، بل يمكنها أيضًا الاحتفاظ بإضافات دون تغير تركيبها الكيميائي، لهذه الإضافات قدرات استشعار تكتشف الجزيئات في بيئتها، ويُعد مجس الأكسجين دليلًا على صحة المفهوم لمجموعة من أجهزة الاستشعار التي يمكن صناعتها».

يسهّل التركيب الكيميائي لبروتينات الحرير التقاط المواد المضافة والاحتفاظ بها دون تغير خصائصها. استخدم الباحثون في صناعة مجس الأكسجين مادةً مُضافة اسمها «PdBMAP»، تتوهج عند تعرضها للضوء بطول موجي معين، كثافة هذا التوهج ومدته تتناسبان مع مستوى الأكسجين في البيئة.

هلام الحرير قابل لنفاذية السوائل المحيطة، وعلى هذا فإن المادة المُضافة ترصد مستويات الأكسجين ذاتها الموجودة في الدم المحيط، وتتوهج عند تعرضها للضوء الذي يخترق الجلد. أما المجسات المرشحة الأخرى فتستجيب فقط للأطوال الموجية من الضوء التي لا يمكنها اختراق الجلد.

يعتمد الباحثون على مدة التوهج لتحديد مستويات الأكسجين، إذ تختلف شدة التوهج باختلاف عمق الزرع وحجمه ولون البشرة. وتقل مدة التوهج بزيادة مستويات الأكسجين.

أظهرت التجارب أن المجس المزروع تمكّن من تحديد مستويات الأكسجين في النماذج الحيوانية في الوقت الفعلي، وتتبع بدقة المستويات العالية والمنخفضة والطبيعية من الأكسجين. تزداد أهمية القدرة على تتبع مستويات الأكسجين لدى المرضى في ظل جائحة كوفيد، إذ يحتاج المرضى إلى دخول المستشفى عندما تصبح مستويات الأكسجين لديهم منخفضة للغاية.

قال توماس فالكوتشي، الباحث المشارك في مختبر كابلان: «يمكننا تصور العديد من السيناريوهات حيث يكون مجس يشبه الوشم تحت الجلد مفيدًا، غالبًا في الحالات حيث يحتاج شخص مصاب بمرض مزمن إلى المراقبة فترةً طويلة خارج الإطار السريري التقليدي. يمكننا تتبع العديد من مكونات الدم باستخدام مجموعة من المجسات تحت الجلد».

المجسات الشبيهة بالوشم هي الأحدث بين مجموعة متنامية من المنتجات الطبية المحتملة المشتقة من بروتين الحرير في مختبر كابلان، من غرسات العظام إلى السقالات لتكوين أنسجة جديدة في القلب والعظام.

اقرأ أيضًا:

الكريات الحمراء لا تستهلك أي ذرة من الأوكسجين الذي تحمله

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: نغم رابي

المصدر