أثار مشروع إنشاء أول مرصد راديوي بمجال طول موجي مليمتري في أفريقيا فرحةً عارمةً في صفوف علماء الفلك في إفريقيا وأوروبا. سيملأ المرصد المليمتري الأفريقي فجوةً في مجال تغطية مرصد أفق الحدث، الذي يتكون من شبكة عالمية من المراصد القادرة على استقبال الموجات الراديوية التي يبلغ طولها نحو مليمتر واحد وتحليلها، وقد نشرت هذه المراصد عام 2019 أول صورة لحافة الثقب الأسود التي تعرف بأفق الحدث.

سيُبنى المرصد على جبل الطاولة في محمية غامسبيرغ الطبيعية في ناميبيا أو قربه. سيكون المرصد إعادة توظيف للمرصد ذي الخمسة عشر مترًا حاليًا في لاسيا في تشيلي، وقد تبرع له مرصد أونسالا في السويد والمرصد الأوروبي الجنوبي في مدينة ميونخ في ألمانيا.

يقول تشارلز تاكالانا، الأمين العام للجمعية الفلكية الأفريقية في مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا عن المشروع الذي أقر نهاية 2021: «إنه خطوة أخرى نحو تعزيز مكانة أفريقيا العالمية كطرف فعال ومؤثر في مجال الفضاء».

ويضيف روجر دين مدير مركز ويتز للفيزياء الفلكية في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا: «سيملأ المرصد المليمتري فجوةً في مجال الرصد فوق القارة، وسيكون حيويًا لمجتمعات الفيزياء الفلكية الأفريقية».

المرصد المليمتري الأفريقي هو ثمرة تعاون بين جامعة رادبود في نيميخين في هولندا وجامعة ناميبيا في ويندهوك. لن يبصر المشروع -الذي تبلغ كلفته نحو 25 مليون دولار بين بناء وعمليات ومشاريع توعوية في البلاد- النور قبل نحو خمس سنوات. تكفلت جامعة رادبود بنصف تكاليف التمويل، بينما سيقدم النصف المتبقي جهات أخرى من بينها جامعة ناميبيا والمرصد الأوروبي الجنوبي وكلية الأبحاث الفلكية الهولندية في لايدن.

يعمل فريق المرصد على إنجاز ما يسمى مراجعة التصميم الحاسمة، ما سيساعد على اختيار موقع المرصد بدقة سواء على الجبل أو بجواره أو في مكان آخر مختلف، ومعرفة الحاجة لتمويل إضافي من عدمها.

يقول مدير المشروع ومدير مختبر رادبود الراديوي في جامعة رادبود مارك كلاين فولت أن مراصد الأطوال الموجية من رتبة المليمتر قادرة على تصوير أفق الحدث لثقب أسود ويوضح بقوله: «عند الأطوال الموجية الكبيرة نرى مجرد لطخة غير واضحة، لكن عند الأطوال الموجية المليمترية، نبدأ برؤية الحواف».

عام 2019، نشر مرصد أفق الحدث صورةً للثقب الأسود الهائل M87 الموجود في مركز مجرتنا. وكانت تلك أول صورة تظهر حدود أفق الحدث.

يقول كلاين فولت:«كانت تلك الصورة بداية علم جديد، تمامًا كما كان أول رصد لأمواج الجاذبية بداية علم جديد».

سيكون هاينو فالكه، عالم الفيزياء الفلكية الذي أعلن عن تلك الصورة المدير العلمي للمرصد الجديد.

يضيف كلاين فولت: «يجب أن يكون لدينا مرصد في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، في جنوبي أفريقيا، لإنشاء صلات مع المراصد الأخرى في الشبكة. هذا المرصد المليمتري سيسمح لنا بمراقبة السماء في أثناء دوران الأرض».

يقول عالم الفلك مايكل باكس المشرف العام المشارك للمشروع: «سينال علماء الفلك في ناميبيا حصة الأسد من وقت المرصد بهدف تطوير برامجهم». إذ سيحتاج مرصد أفق الحدث نحو خُمس وقت الرصد فقط على كل حال.

ويقول باكس إن المشاريع المحتمل تنفيذها في ناميبيا تتضمن مراقبة التغيرات في سطوع الثقوب السوداء الكبيرة والصغيرة بالتعاون مع المراصد البصرية ومراصد أشعة غاما، مثل نظام HESS في ناميبيا أيضًا، ومنظومة مراصد تشيرينكوف المخطط إقامتها في تشيلي.

خلال العقدين الماضيين، أُنشئت عدة مراصد في أنحاء جنوب أفريقيا، فالبلدان الأفريقية ذات الكثافة السكانية المنخفضة والسماء الصافية تعد مثالية لدراسة علم الفلك. تغطي المراصد الموجودة هناك مجالًا واسعًا من الأطوال الموجية، من المرصد البصري الجنوب أفريقي ميركات MeerKAT في جنوب أفريقيا إلى مرصد HESS في ناميبيا. ومؤخرًا، بدأ مرصد منظومة الكيلومتر المربع (SKA) بتقديم عقود لبناء مرصد راديوي ضخم سيتبع له عند إتمامه آلاف الأطباق المستقبلة في جنوب أفريقيا ومليون هوائي في أستراليا.

لكن كارلا شارب رئيسة برنامج أفريقيا في المرصد الفلكي الراديوي الجنوب أفريقي في كيب تاون، تقول إن العثور على علماء ومهندسين مهرة في القارة ليس سهلًا.

الجدير بالذكر أنه منذ قدمت جنوب أفريقيا ترشيحها لاستضافة SKA عام 2005، فقد منحت أكثر من ألف منحة دراسية في علم الفلك والهندسة لسد هذا النقص في الكفاءات محليًا وفي الدول الأفريقية الشريكة في مشروع SKA ومن ضمنها ناميبيا.

يقول باكس إنه يأمل أن يساعد المرصد المليمتري الأفريقي على توسيع المجتمع الفلكي في ناميبيا، ويضيف كلاين فولت أن الفريق ما زال يبحث عن المزيد من مصادر التمويل ليستطيع وضع اللمسات النهائية على موقع المرصد والمتابعة بتدريب العلماء في ناميبيا.

وتقول شارب إن المرصد المليمتري الأفريقي والمشاريع المماثلة ستساعد على إنجاز برامج أكبر في أفريقيا في مجالات الفضاء وعلم الفلك الراديوي والهندسة، ما سيساعد القارة على التطور.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف جديد يسمح للعلماء بتتبع التدفقات الراديوية السريعة

«المرصد العظيم»: تلسكوب بقيمة 11 مليار دولار، أقوى من مرصد هابل الفضائي

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: باسل حميدي

المصدر