يُعتبر الورم الأروميّ الدبقيّ (Glioblastoma) نمطًا عدوانيًّا مستعصيًا من سرطان الدماغ، ولكن حسب سلسلة من التجارب الحديثة، قد يصبح علاجه ممكنًا بواسطة لقاح الفيروس زيكا.

لا يُبدي الفيروس زيكا تشابُهًا كبيرًا مع الورم الأرومي الدبقيّ سطحيًّا، ولكنّهما يتشاركان في الحقيقة سمات تفُوق التخيُّل، ويحاول باحثون استثمارها حاليًّا في المعركة الطاحنة ضد هذا السرطان اللّدود، والذي يشير مؤلفو الدراسة التالية بأنّه يتسبب بوفاة حوالي 15 ألف شخص سنويًّا في الولايات المتحدة الأمريكية.

فحتى إذا استجاب الورم للمعالجة، فإنّه يعاود الظهور في كلّ مرةٍ تقريبًا، ما يجعله غير قابلٍ للعلاج عمليًّا، ويعود سبب هذا الانتكاس لاختباء الورم في الخلايا الدماغيّة تلو العلاج، على هيئة خلايا جذعيّة ورميّة أروميّة دبقيّة (GSCs)، ما دفع الباحثين للتروّي ودراسة هذه الخلايا.

فيقول المؤلّف الرئيسيُّ المشارِك في هذه الدراسة د. بَي يونغ شي (Pei-Young Shi)، من الفرع الطبيّ لجامعة تكساس في غالفيستون: «تعلّمنا في فترة وباء زيكا أنّ الفيروس المسبِّب يفضِّل عدوى الخلايا العصبية السلفيّة لدى الأجنة، مسبّبًا صغر حجم الرأس (microcephaly) لدى الأطفال المولودين لأمهاتٍ مصاباتٍ بهذا الفيروس».

ومن المؤلفين المشاركين في الدراسة أيضًا جيان هون مان (Jianghong Man)، من المركز الوطنيّ للتحليل البيولوجي الطبي، وتشون فون تشين (Cheng-Feng Qin)، من الأكاديمية الصينية للعلوم الطبيّة الحربية، وكلاهما من بكّين في الصين، علمًا أنّ نتائج هؤلاء الباحثين نُشرَت في دورية (mBio).

تتشابه الخلايا الجذعيّة الورميّة الأروميّة الدبقيّة (GSCs) ببعض الخواص مع الخلايا العصبية السلفيّة –وهي خلايا قادرة على التمايز لأنواعٍ مختلفةٍ من الخلايا الدماغية– ما وجّه الباحثين لدراستها، فوضّح مان: «لقد قمنا بربط الأفكار ببعضها فتوصلنا إلى أنّه لربما يتمكن الفيروس زيكا من إصابة خلايا الـ(GSCs) بشكلٍ نوعيّ».

القاعدة المشتركة:

أظهر باحثون في دراساتٍ سابقةٍ على نماذجَ فأرية من الورم الأروميّ الدبقيّ، أنّه بإمكان الفيروس زيكا مهاجمة خلايا الـ(GSCs) في المخبر، كما وجدوا أنّ الفيروس كان أقلّ فعالية في مهاجمة نسج الدماغ التي كانت قد تمايزت مسبقًا لأنواعٍ مختلفةٍ من الخلايا.

فوضّح تشون فون تشين: «إذا استطعنا إيجاد طريقةٍ للاستهداف النوعي لخلايا الـ(GSCs) تلك، والتي تعدُّ مصدر انتكاسٍ الورم، قد نتمكن من منعه أو حتى علاجه».

وركّز الباحثون في دراستهم على أولوية ضمان العثور على طريقةٍ آمنةٍ لتقديم الفيروس زيكا للمرضى، ولذلك طوّر مختبر شي لقاحًا من الفيروس ذاته بشكله المضعَف، وأُطلِقت عليه التسمية (ZIKV-LAV).

علمًا أنّ الفيروس المضعَف يبقى حيًّا، ولكن التغيُّرات التي أُجريت عليه تجعله أكثر أمانًا، وفي حالة اللقاح المذكور، قام المطوّرون بحذف قسمٍ صغيرٍ من جينوم الفيروس لمنعه من التضاعف بالسهولة السابقة.

وقد بيّنت الاختبارات أنّ اللقاح (ZIKV-LAV) لم يكن ضارًا في كل من الفئران والرئيسيّات غير البشرية، ونجح بالوقاية من الإصابة بعدوى بالفيروس زيكا، كما لم ينتُج عن حقنه في أدمغة الفئران أيّة أعراض جانبية جسدية أو سلوكية.

اختبار اللقاح على الأنسجة البشرية:

كخطوةٍ تاليةٍ، اختبر العلماء قدرة الفيروس على قتل خلايا الـ(GSCs) في نموذجٍ فئري، فحُقن نصف عدد الفئران بخلايا (GSCs) مشتقة من البشر، بينما تلقّى النصف الآخر الخلايا ذاتها بالإضافة إلى اللقاح (ZIKV-LAV).

فطوّرت الفئران التي تلقت الخلايا السابقة لوحدها أورامًا بسرعة، بينما أظهرت التي تلقت اللقاح أيضًا تأخُّرًا في نمو الورم، كما أنّها عاشت لفترةٍ أطول بشكلٍ ملحوظ.

ويأمل الباحثون أن يُتاح إعطاء لقاح زيكا في المستقبل للمرضى أثناء عملية استئصال الورم، فبهذه الطريقة يمكن للفيروسات أن تلاحق خلايا الـ(GSCs) وتقضي عليها، مانعةً بذلك انتكاس هذا الورم، كما وضّح تشين.

وأراد العلماء في الفقرات الأخيرة من الدراسة، الخوض بشكلٍ أعمق في الآليات التي تسمح للفيروس زيكا بالقضاء على الـ(GSCs)، فقارنوا بين الـ(RNA) المرسال لدى خلايا الـ(GSCs) الأساسيّة، وتلك التي عولجت بـ(ZIKV-LAV)، فلاحظوا تحريض استجابة مضادة للفيروسات في الأخيرة، أدّت إلى حدوث التهاب وموت الخلايا بالمحصلة.

ورغم كون النتائج مشجعة، لا يزال الأمر في بداياته، وفي الخطوة التالية يودُّ الباحثون التعاون مع أطباء للتأكّد من مأمونية اللقاح (ZIKV-LAV)، وبما أنّهم فهموا بعض الأمور الإضافية الآن عن آلية قتل اللقاح لخلايا الـ(GSCs)، فإنّهم قد يعدّلون بنيته لزيادة قدرته القاتلة لتلك الخلايا.

ويتحمس شي لاستثمار القدرات المميتة للفيروس زيكا ما أمكن، فيضيف: «كاختصاصيّ في علم الفيروسات، أعتقد أننا يجب أن نستفيد من الجوانب (السيّئة) لهذه الفيروسات، فمن الممكن أن تساهم في معالجة السرطان».


  • تدقيق: ماجدة زيدان
  • ترجمة: سارة وقاف
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر