في أكتوبر من عام 2019 أبحر فريق من العلماء -على متن سفينة خفر السواحل الكندية جون بي John P، في منطقة تولي Tully شمال شرق المحيط الهادئ مقابل ساحل جزيرة فانكوفر- لتحليل رواسب قاع البحر لمعرفة المزيد عن تأثيرات ظروف انخفاض الأكسجين في بيئات أعماق البحار. عندما تموت الكائنات الحية فإنها تغرق عبر العمود المائي مَستهلِكة الأكسجين تحت سطح البحر بينما تتحلل، الأمر الذي يؤدي إلى وجود نطاقات من المياه المستنفدة للأكسجين التي تسمى مناطق الحد الأدنى من الأكسجين، أو «المناطق الميتة».

هذه البيئات القاسية غير صالحة للعيش لأغلب الكائنات الحية. على الرغم من حدوثها طبيعيًا في بعض المناطق، فإن المناطق الميتة تظهر غالبًا بعدما تُصرف الأسمدة ومياه الصرف الصحي نزولًا نحو المناطق الساحلية ما يؤدي إلى تكاثر الطحالب التي تموت لاحقًا وتتحلل.

اقترحت إحدى الدراسات من تلك الرحلة الاستكشافية أن الرواسب الموجودة تحت المياه المستنفدة للأكسجين هي مصدر مهم لأكسيد النيتروز N2O المعروف أيضًا بغاز الضحك، إذ يُطلَق هذا الغاز إلى الغلاف الجوي عندما ترتفع المياه العميقة إلى السطح في عملية تعرف بالتيار الصاعد.

يعد أكسيد النيتروز من غازات الدفيئة القوية، فهو أقوى 300 مرة من ثاني أكسيد الكربون. تتزايد الانبعاثات العالمية من أكسيد النيتروز نتيجة الأنشطة البشرية التي تحفز إنتاجه.

يقول مانوليس كوجيفيناس: «يوجد مقال في مجلة Science عن انخفاض الأكسجين في المحيطات العالمية والمياه الساحلية نتيجة لتغير المناخ والنشاطات البشرية. تُطعم المحيطات 500 مليون شخص وأُبلِغ عن وجود 500 منطقة ميتة على الأقل بالقرب من السواحل مرتفعة بذلك عما كانت عليه عام 1950 وهو 50 منطقة ميتة».

النقاط الساخنة لوجود أكسيد النيتروز:

تعد المحيطات حاليًا مسؤولة عن 25٪؜ من انبعاثات أكسيد النيتروز العالمية، ويعمل العلماء على تحسين التقديرات حول المساهمات البحرية في ذلك. ركزت معظم الأبحاث على مناطق الحد الأدنى من الأكسجين التي تعرف أيضًا باسم النقاط الساخنة لانبعاثات أكسيد النيتروز.

يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيطات بسبب التغير المناخي إلى التوسع في مناطق الحد الأدنى من الأكسجين البحري على مستوى العالم، وقد أدى ذلك إلى تكهنات بأن انبعاثات أكسيد النيتروز في المحيطات ستستمر بالزيادة مُسرِّعة بذلك تغير المناخ.

تشير نتائجنا إلى احتمالية ازدياد إنتاج أكسيد النيتروز حيث تكون المناطق ذات الأكسجين المنخفض هذه على اتصال مع قاع المحيط.

يعد النيتروجين مكونًا أساسيًا للحياة على الأرض، ويوجد في البيئة بأنواع مختلفة. تستخدم مجموعات متخصصة من ميكروبات وحيدة الخلية مركبات تحتوي على النيتروجين، مثل الأمونيوم والنترات، للطاقة لتحفيز الوظائف الخلوية. تتوسط تفاعلات الأيض هذه في تحويل النيتروجين بين حالاته المختلفة في البيئة، إذ يمكن أن يتسرب أكسيد النيتروز إلى البيئة بكونه منتجًا ثانويًا.

إضافةً إلى آثاره بصفته غازًا للدفيئة، فإن أكسيد النيتروز هو أيضًا المادة المهيمنة المُستَنزِفة للأوزون والمنبعثة إلى الغلاف الجوي.

أشجار المانغروف بنوك لأكسيد النيتروز:

في خريف 2020 سافر الفريق إلى برمودا لقياس انبعاثات أكسيد النيتروز في غابة المانغروف البدائية بالتعاون مع معهد برمودا لعلوم المحيطات. كانت هذه الرواسب ضحلة وممكنة الوصول للغواصين، ما سمح بإجراء تحقيق شامل حول وظيفتها في دورة أكسيد النيتروز في ظل ظروف بيئية مختلفة.

وُجد أن رواسب قاع البحر في غابات المانغروف في برمودا كانت تستهلك بالفعل أكسيد النيتروز من مياه البحر التي تحيط بها. وقد وُصِفت أحواض أكسيد النيتروز المماثلة سابقًا في أنظمة بدائية أخرى، بما في ذلك مصبات الأنهار وأشجار المانغروف وحتى التربة الأرضية.

ترتبط قدرة هذه المناطق على استخلاص أكسيد النيتروز من الغلاف الجوي بتركيزات المغذيات المحتوية على النيتروجين في البيئة. يعاق إنتاج أكسيد النيتروز عندما تنقص هذه العناصر الغذائية المحتوية على النيتروجين. فعندما تكون مستويات المغذيات منخفضة إلى حد معين، فإن الموائل البحرية قد تكون مستهلكات صافية لأكسيد النيتروز.

يمكن للرواسب التي تعمل أحواضًا لأكسيد النيتروز أن تكون أيضًا مصادر صافية لأكسيد النيتروز إلى الغلاف الجوي عندما تتعرض لزيادة تحميل النيتروجين الناتج عن الجريان الزراعي السطحي ومياه الصرف الحضرية.

في الواقع، إن أشجار المانغروف والنظم البيئية الشاطئية التي تشهد مُدخلات مستمرة من النيتروجين المُذاب تميل إلى أن تكون بواعث كبيرة لأكسيد النيتروز.

ما يزال احتساب البيئات البدائية حواجزَ في وجه زيادة تركيز أكسيد النيتروز في الغلاف الجوي أمرًا غير مؤكد. ركزت معظم الدراسات حتى الآن على المناطق المكتظة بالسكان وشديدة الاضطراب في أوروبا وآسيا إذ تعد مصدرًا لأكسيد النيتروز.

يترك هذا الكثير لنتعلمه عن دور الموائل البحرية البدائية بكونها أحواضًا لأكسيد النيتروز وتأثيرها العام على مخزونات العالم من أكسيد النيتروز.

استهداف الأسمدة:

على الرغم من أن الحد من انبعاثات أكسيد النيتروز البحرية في المستقبل يتوقف على المشكلة الأكثر تعقيدًا المتمثلة في إبطاء نمو مناطق الحد الأدنى من الأكسجين وانتشارها، فإن إجراءات الحفاظ على البيئات الساحلية واستعادتها هي تدخلات يمكن تتبعها وتنفيذها على المدى القصير في الوقت الحاضر، إذ إن الممارسات الزراعية البشرية مسؤولة عن أكثر من ثلثي انبعاثات أكسيد النيتروز العالمية؛ نتيجة لذلك، توجه الكثير من الاهتمام إلى تقليل كمية النيتروجين الزائد المضافة إلى التربة الزراعية من طريق الأسمدة.

نظرًا إلى أن المغذيات التي لا تمتصها النباتات غالبًا ما ينتهي بها المطاف في مستجمعات المياه التي تصب في المحيط، فإن السياسات التي تعالج الإفراط في استخدام الأسمدة ستفيد أيضًا النظم البيئية المائية المتجاورة.

مع ذلك، فإن المزيد من خفض الانبعاثات البحرية سيتطلب اتباع نهج متعدد الأوجه يعالج أيضًا التنمية الساحلية وممارسات التخلص من مياه الصرف في المناطق المتأثرة بشدة.

أعلنت الأمم المتحدة عام 2021 بداية لعقد علوم المحيطات لتحقيق التنمية المستدامة. إن فهم الصلة الحيوية بين المحيطات وتغير المناخ لم يكن في يوم محمودًا كما هو اليوم.

كتب المقال: بريت جيمسون، مرشح لنيل درجة الدكتوراه في علم المحيطات البيولوجي، جامعة فانكوفر.

اقرأ أيضًا:

الاحتباس الحراري يغير منظومة المحيطات

ما الفرق بين الاحتباس الحراري و التغير المناخي ؟

ترجمة: بشار منصور

تدقيق: عون حدّاد

المصدر