من حلقات زحل إلى حلقات النجوم
هل تلعب الحلقات المحيطة بالنجم الحديث دورًا في تكوين الكواكب؟

 


صورة التقطها مرصد أتاكما المليمتري الكبير للنجم «HD 163296» ويظهر حوله ما يحتمل كونها مواد كواكب أولية على شكل قرص من الغبار، وتقترح المشاهدات الحديثة وجود كوكبين كل منهما بحجم زحل، يدوران حول هذا النجم، وهذان النجمان لم يتشكلان بشكل كامل بعد، وتم رصد الكوكبين عندما تركا خلفهما أثراً على القرص المحيط بالنجم

رسم علماء فلك من جامعة رايس هم وزملاؤهم للمرة الأولى خرائط غازية لثلاث أقراص مظلمة محيطة بنجم سحيق، ويظن العلماء أن الأماكن التي تصنع الحلقات فراغات عندها قد تخفي في جعبتها كواكباً تشكلت من الغبار والغاز المحيط بالنجم.

جميع الحلقات المحيطة بالنجم هي حلقات خالية من الأغبرة، وفريق الدراسات الدولي الذي يقوده عالم الفلك في جامعة رايس أندريا آيسلا متأكدون من أن وجود كواكب هو سبب خلو الحلقات البعيدة من الأغبرة، وهذه الكواكب يعتقد أنها عمالقة غازية شبيهة بزحل، أما الحلقات القريبة من النجم فهي تمتلك نسبة أكبر من أول أكسيد الكربون من البعيدة منها، مما يحملهم على الظن إلىأن لا وجود لكواكب في تلك المنطقة، ولا يزال السبب مجهولًا.

يقول أندريا:

«لا يزال سبب وجود فجوة في الحلقات القريبة غامضاً، وأيا كانت البنية التي تزيل الأغبرة عن طريقها فمع ذلك يبقى الكثير من الغازات موجوداً»

نشر هذا العمل في «Physical Review Letters».

بعد عشرين سنة فقط من اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية، بدأ علماء الفلك بتعلم الكيفية التي تتشكل بها الكواكب، واليوم دخلت آلاف الكواكب إلى قواعد البيانات الخاصة بالفلكيين، ولا يزال العلماء يدأبون على تطوير مقدرتهم على تحليل هذه الكواكب ومعرفة خصائصها الداعمة للحياة.

إحدى أهداف مصفوفة مراصد أتاكما المليمتري الكبير (ALMA) في تشيلي – أكبر تلسكوب راديوي- هو دراسة الأنظمة البدائية للكواكب، فآلية تشكلها سوف تساعد العلماء على فهم كيفية تشكل الكواكب وبالأخص كوكب الأرض (ترصد التلسكوبات الراديوية الموجات الكهرومغناطيسية الفريدة من نوعها عندما تشعها عناصر ومواد معينة في الفضاء، سامحة لمن يرصدها بالتعرف على تلك المواد وقياسها.)

يدرس فريق جامعة رايس نجم اسمه « HD 16329» يبعد عنا 400 سنة ضوئية تقريباً وأفضل مكان لرصده هو نصف الكرة الجنوبي، وهو واحد من النجوم العديدة المعروفة لنا والممتلكة لقرص كبير من الأغبرة والغازات، يضيف أندريا: «من المواد التي شكلت هذا القرص، فإن ما نسبته 1% أغبرة و99% غازات، لذا إن لم تر سوىالأغبرة عندها لن تستطيع معرفة ما إذا كان الذي شكل القرص هو كوكب أو ظاهرة من نوع آخر، وحتى نستطيع التفريق بينهما ومعرفة احتمالية وجود كواكب من عدمه، فإنه يجب عليك معرفة الدور الذي تلعبه تلك الأغبرة، وفي هذه الدراسة، وللمرة الأولى، نستطيع رؤية الأغبرة والغازات معاً»

صورة فنية تمثل القرص المكون لمواد الكواكب الأولية المحيط بالنجم صغير السن، من خلال دراسة الأغبرة (الملونة باللون البني) وغازات أول أكسيد الكربون ( الملونة بالأزرق الفاتح)، اكتشف علماء فلك جامعة رايس دليلاً مثيراً يشير إلى كوكبين يتشكلان عند فجوتي الأغبرة الخارجيتين في القرص.

مصدر الصورة: بي. ساكستون

تبعد الحلقتان الخارجيتان 100 و 160 وحدة فلكية عن النجم (الوحدة الفلكية تعادل المسافة بين الشمس والأرض)، وهذه المسافة أبعد من المسافة المحتمل أن يتكون كوكب عندها، بالرغم من البعد الشاسع للنجم عن الأرض ليسمح بالرصد المباشر للكواكب، إلا أن الأدلة الناتجة عن الدراسة الجديدة ترجح وجود الكواكب، ووجود فراغات على الحلقات الخارجية يشبه حلقات زحل نوعاً ما، كما تظهر الحلقة الداخلية التي تبعد 60 وحدة فلكية عن النجم تراكيز أعلى لنظائر أول أكسيد الكربون الثلاثة مقاسة بالنسبة إلى الأغبرة.

يضيف أندريا: «يقترح القائمون على الدراسات النظرية تفسيراً بديلًا وهو ظاهرة من نوع آخر شكلت تلك الحلقات المظلمة دون الحاجة إلى وجود إلى كواكب، ويرجح الباحثون ظاهرة واحدة بالأخص؛ افتقار الاضطرابات بين جزئيات الغاز الغير متأينة في عدم استقرار يتعلق بدوران الموائع المغناطيسية مما ينتج ما سموه «منطقة ميتة» التي تسمح بدورها للغازات والأغبرة بالتكثف على شكل حلقات شبيهة بحلقات زحل على تلك الحافة المظلمة بدلاً من الكواكب بحد ذاتها، كما أن الحلقات ربما تشكلت أيضاً على خط أول أكسيد الكربون المتجمد حيث تصبح الغازات باردة بشكل كاف للتكثف.

صورة مركبة لقرص من مواد الكواكب الأولية المحيطة بالنجم المنشود، المنطقة الداخلية الحمراء تظهر أغبرة من قرص مواد أولية، والقرص الأزرق الأبعد هو غازات أول أكسيد الكربون، رصد مرصد أتاكما رصداً مفاده أن في الفجوتين الخارجيتين من القرص يوجد هبوط ملحوظ في تراكيز أول أكسيد الكربون، مقترحاً وجود كوكبين قيد التشكيل.

مصدر الصورة: مرصد أتاكما

مهدت هذه النتائج إلى وضع أساسٍ لجولة جديدة من المشاهدات التي بدأت في مرصد أتاكما، حيث تقوم مبادرة جامعة رايس على دراسة 20 نجمًا تمتلك أقراصا من مواد الكواكب الأولية وهذا ليس إلا واحداً من البرنامجين الرئيسين الذين اختيرا من بين24 اقتراح استقبلها التلسكوب، والبرامج الكبيرة تعني أنك سوف تحتاج إلى المزيد من الوقت باستخدام التلسكوب، أكثر من 50 ساعة، يقول أندريا: «البرنامج الآخر الذي سوف ينظر إلى الانبعاثات الصادرة عن مجرة ما منذ أن بدأ الكون، هذا يعني أن برنامجنا يعتبر من قبل مجتمع الفلكيين واحداً من أعلى الأولويات»، كما أضاف أندريا أن الباحثين سيعودون إلى ذلك النجم حتى يدرسوا العناصر الأخرى الموجودة في القرص وحلقاته مما سوف يساعد على تحديد ماهية الكوكب الذي قد يتشكل من هذه المواد.

يضيف أندريا: «إذا عرفنا كيمياء المواد المشكلة لكوكب ما، عندها سنستطيع فهم كيمياء ذلك الكوكب، وأهمية الدور الذي يلعبه النجم في تكوين كوكب ما، فعلى سبيل المثال، يجب أن يكون الكوكب بعيدًا بشكل كافٍ ليسمح لمياهه بالتجمد ويسمح لحبيباته بالتشكل.»

قاد فريق جامعة رايس أول تخطيط لغازات داخل قرص حول نجم بعيد مستعينين بمرصد أتاكما

هنالك فرصة في أن تظهر حلقات أنظمة نجمية مثل نجم «HD163296» و «HL TAURI»، شذوذاً عن أي حلقات أخرى، والسؤال الآن هو ما إذا كانت جميع هذه الأقراص تمتلك نفس الصفات، وهل تمتلك جميعها هذه البنية؟ وقد يحتمل أن تكون هذه المشاهدات لا تنطبق على باقي الأقراص.

الإجابة عن هذه الأسئلة سوف تظهر بعد الانتهاء من دراسة ال 20 نجمًا المقررة، ولن يبدأ فريق الجامعة بجمع هذه البيانات حتى حلول سبتمبر القادم.


ترجمة: قصي ابوشامة
تدقيق: أسامة القزقي

المصدر