تخيل معي أن تدور مركبتان فضائيتان بحجم علبتي مناديل حول الأرض، وأنهما تتواصلان عن طريق نظام دفع مائي حتى تتقاربا من بعضهما البعض. إذا نجحت في تخيل ذلك فهنيئًا لك، لقد حصلت على آخر أخبار أنشطة وكالة الفضاء الأمريكية NASA، إنه برنامج تكنولوجيا المركبات الفضائية صغيرة الحجمSmall Spacecraft Technology Program أو SSTP.

جاء تطوير تلك المركبة الفضائية الصغيرة مكملًا لجهود ناسا الحثيثة في خدمة استكشافاتها وعملياتها الفضائية وتطلعات الطيران، إذ تُصنف هاتان المركبتان ضمن ما يُسمى CubeSats؛ أي الأقمار الصناعية المصغرة والتي لا تتجاوز أبعادها (10cm*10cm*10cm)، وتبعد عن بعضها البعض حوالي 9 كيلومترات.

رُبطت المركبتان باتصال راديوي بينهما، وتُعطى الأوامر عن طريق المركبة الرئيسية بإطلاق نظام دفع مائي كي تتقاربا. يتحول الماء في هذه العملية إلى بخار ويُستخدم بدوره لدفع المركبة الفضائية.

كل هذا السيناريو ما هو إلا جزء من عملية تطويرية لمركبة فضائية صغيرة يمكنها القيام بالأشياء بمفردها، وبدلًا من إعطائها كل أمر من الأرض، فإن كل ما تحتاجه CubeSats هو بدء التسلسل، بعد ذلك ستؤدي هي كل المهام المتبقية.

صُممت هذه التجربة تحت ظروف قياسية وإجراءات وقائية شديدة، وقيود صارمة على مختلف أشكال التعليمات التي يمكن أن تصدرها إحدى المركبتين للأخرى، وكانت الغاية من هذه التجربة هي إظهار قدرة المركبة الفضائية على تولي أمورها من بعد بدء المُشغل البشري بالتسلسل.

الجدير بالذكر أن المركبتين الفضائيتين تصنفان ضمن صنفين؛ الأولى تمثل الرئيس، بينما تمثل الثانية المرؤوس، ولا يمكن للمركبة الفضائية الرئيس أن تصدر تعليمات وأوامر للمرؤوس إلا وقد اعتمدت وخُطط لها مسبقًا.

يقول دارين روين Darren Rowen مدير قسم الأقمار الصناعية المصغرة في شركةAerospace Corporation: «إن فريق الاتصالات البصرية والمستشعرات OCSD مسرور بمواصلة عرض أحدث التقنيات والقدرات التي تُعد جزءًا من هذه المهمة الواسعة بعد أكثر من عام ونصف على نشرها، وإنه لمن المثير أن نتفكر في هذا الفضاء السحيق وما لدينا من إمكانيات لتنظيم أسراب من المركبات الفضائية المُصغرة والتي تعمل بشكل مستقل».

نظام دفع مائي لأصغر مركبة فضائية يمكنك تخيلها، هذا ما نجحت ناسا باختباره ناسا تختبر نظام دفع مائي لأصغر مركبة فضائية يمكن تخيلها

ويبدو جليًا أن مستقبل استكشاف الفضاء والكواكب سيمتلئ بالمركبات التي تعمل بشكل مستقل. ففي وقتنا الحالي، صممت ناسا أول عربة متجولة أطلقت عليها اسم Curiosity ضمن مشروع المختبر العلمي لاستكشاف كوكب المريخ (Mars Science Laboratory mission (MSL.

وتعمل ضمن إطار رائع من التعليمات والأوامر المفصلة التي جرى إرسالها من الأرض، إنه نموذج بإمكانه خدمة متطلبات استكشافاتنا بشكل جيد.

لكن ستتغير الأمور في المستقبل، فقد تكون منصة MSL أكثر من مجرد سفينة فضاء استكشافية، تخيل أن تُسيَّر أسراب من الطائرات دون طيار إلى قاعدتها والتي ستكون MSL، وتُعطى مجموعة تشمل جميع الإرشادات اللازمة لما يجب استكشافه، وعندها تنظم الأسراب نفسها وفقًا للتعليمات والخوارزميات المُعدة مسبقًا، والتي تعمل على تحقيق أهدافها.

أعتقد أننا نعلم جميعًا أننا نتجه هذا الاتجاه الذي يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل تركيز واهتمام، نعم هذه هي الرؤية الكبيرة، لكن ما تزال المهمة تسير بخطوات صغيرة.

تأتي هذه المهمة باعتبارها خطوة ثانية بعد أول مهمة OCSD أُطلقت عام 2015 ضمن سلسلة المهمات فائقة التصميم، إذ كانت مهمة للتقليل من المخاطر، وجاء تصميمها لمُعايرة هاتين المركبتين الفضائيتين واللتين سميتا OCSD-B وOCSD-C.

تندرج جميعًا ضمن برنامج ناسا SSTP الخاضع لإدارة مركز أميس للأبحاثAmes Research Center التابع لناسا في وادي السليكون- كاليفورنيا.

وبما أننا اعتدنا على أفلام الخيال العلمي والأفكار المُستقبلية، فإن حالة المركبتين الفضائيتين التي تُصدر إحداهما التعليمات للأخرى بتشغيل أنظمة الدفع لتقريب المسافة فيما بينها قد تبدو طريفة بعض الشيء، لكنها في الواقع غير ذلك.

إذا كنا نريد النجاح لمهماتنا المستقبلية في استكشاف الفضاء، يجب علينا اتباع هذا العمل المُفصل وأن نسعى لتطويره بشكل تدريجي. وهذا ما يجري الآن في مدار الأرض أثناء قراءتك لهذا المقال.

اقرأ أيضًا:

مركبة كيوريوسيتي – ما الذي تفعله المركبة كيوريوسيتي على المريخ ؟

العمل على ثلاث مركبات سترسل إلى المريخ على خطى مركبة إنسايت

ترجمة: رامي الحرك

تدقيق: محمد نجيب العباسي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر