نظرية كل شيء « نظرية M » شرح مبسط


لطالما رغب الفيزيائيون، من بينهم ستيفن هوكينج في إيجاد (نظرية كل شيء- the theory of everything) وتوحيد نظريات الفيزياء المُتوصَلِ إليها.

فلطالما أرادو توحيد نظرية النسبية العامة لأينشتاين والتي تصف كل ما هو كبير في الكون، مع قوانين فيزياء الكم والتي تصف كلَّ ما هو مجهريٌ في المادة.

قد تكون النظرية-إم أفضل ما توصلت إليه الفيزياء النظرية الحديثة، فيا ترى ماهي هذه النَّظرية؟ وما دورها في حل المعضلة؟

النموذج المعياري للجسيمات:

تعتبر الجسيمات في (النموذج المعياري –Standard Model)، نقاطًا تسبح في الفضاء والتي تم منحها هُوِّية وخصائص لا تعتمد على مكان تواجدها وسرعتها فقط، وإنما تم منحها كتلة، وشحنة كهربائية، ولون -وهو الشحنة مرتبطة بالقوة النووية الشديدة- (واللف المغزلي-Spin) وهو دوران الجسيم حول نفسه.

تم بناء النموذج المعياري في إطار (نظرية الحقل الكمومي –(Quantum Field Theory (QFT)، والتي توفر الوسائل الأساسية لإنشاء نظريات تتوافق مع ميكانيك الكم ونظرية النسبية الخاصة.

باستعمال هذه الوسائل تم فهم ووصف ثلاث قِوى من الأربع الموجودة في الطبيعة: القوة الكهرومغناطيسية والقوتين النوويتين الشديدة والضعيفة.

إضافة إلى ذلك، تم توطيد القوتين بنجاح، الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة وبروز نظرية القوة الكهرو ضعيفة، كما تجلت أفكار تتضمن محاول إدخال القوة النووية الشديدة.

للأسف، لم تجد القوة الرابعة الموجودة في الطبيعة، قوة الجذب العام والموصوفة بأناقة في نظرية النسبية العامة لأينشتاين، مكانًا في هذا النظام.

فإذا حاول أيًّا كان، تطبيق مبادئ نظرية الحقل الكمومي QFT على نظرية النسبية العامة، سيحصل على نتائج غير منطقية.

على سبيل المثال، القوة الموجودة بين جسيمان من الجرافتون- Graviton (جسيم أولي حامل لقوة الجاذبية) تصبح لانهائية ولا نعلم كيف نتخلص من هذه اللانهائيات لنتمكن من الحصول على نتائج فيزيائية مقبولة.

نظرية الأوتـار:

تعتبر الأوتار في هذه النظرية المكون الأساسي للمادة وليست الجسيمات.

تكون الأوتار مغلقة على شكل حلقة، أو مفتوحة كالشعرة، حين تحركها، يأخذ مسارها شكل أنبوب إن كانت مغلقة أو ورقة إن كانت مفتوحة.

إضافة إلى ذلك، تتميز هذه الأوتار بخاصية الاهتزاز، حيث يرتبط أسلوب الاهتزاز بنوع من أنواع الجسيمات الأولية لأنه يمكن رؤية هذا الأسلوب على شكل كتلة أو لف مغزلي، وهي من الخصائص التي تعرف بها الجسيمات.

طورت نظرية الأوتار اهتمامًا واسعًا لكونها تساهم في محاولة فهم التأثر بين جسيمين من جرافتون الحامل لقوة الجاذبية والتخلص من اللانهائيات، والذي عجز الفيزيائيون عن فعله عبر نظرية الحقل الكمومي QFT.

فأسلوب اهتزاز الأوتار أو ما يدعى بـالنوتة الموسيقية، تجعلها تظهر على شكل إلكترون، فوتون أو حتى الجرافتون.

من تحقيقات نظرية الأوتار هو تمكنها من منح نظرية الجاذبية الكمية التناسق، المشابهة للنسبية العامة التي تصف فوة جذب العام في الأبعاد الماكروسكوبية.

كما أنها تملك القابلية والحرية لوصف القوى الأخرى! وبالتالي قد تسمح بتوحيد القوى الأربعة المعروفة وجميع الجسيمات في نظرية وحيدة، «نظرية كل شيء».

من الأوتار إلى الأوتار الفائقة:

تقسم الجسيمات حسب لفها المغزلي إلى قسمين، جسيمات الـفرميون وجسيمات الـبوزون، وذلك حسب قيمة اللف المغزلي كما هو مبين في المخطط. فالأولى متخصصة بحمل القوة، كالفوتونات الحاملة للقوة الكهرومغناطيسية وجسيمات الجرافتون الحاملة لقوة الجاذبية.

والثانية مكونة للمادة كالإلكترون والكوارك.

الفرق بين البوزون والفرميون يتمثل في قيمة اللف المغزلي-Spin

تخصصت نظرية الأوتار الأصلية بدراسة البوزونات فقط، ولم تكن تصف جسيمات الفرميون، وبالتالي لم ينتمي الكوارك والإلكترونات إلى نظرية الأوتار البوزونية.

بإدخال التناظر الفائق-SuperSymmetry إلى نظرية الأوتار البوزونية نتحصل على نظرية الـأوتار الفائقة التي تأخذ بعين الاعتبار كل من الجسيمات الحاملة للقوى والجسيمات المكونة للمادة والكون.

تنج عن هذا الدمج، خمسُ نظريات للأوتار الفائقة، اثنتان تتميزان بوتر مغلق كمكون أساسي، والثالثة تتميز بوتر مفتوح كبنية أساسية.

لم يلحظ في هذه النظريات الثلاث أي تناقض رياضي مما يجعلها منطقية إلى حد ما.

أضف إلى ذلك، استطاع العلماء إنشاء نظريات أُخرى تُسمى بنظريات الأوتار الهجينة-Heterotic String Theories.

الأبعاد المتعددة…

تشغل متعددات الشعب كلابي ياو مجالا واسعًا في الفيزياء الحديثة

من النتائج والتنبؤات البارزة عن نظرية الأوتار، كون الزمكان –Space-Time يتكون من عشرة أبعاد!! عوض أربعة. ثلاثة للفضاء وواحدة للزمان. وبالتالي نجزم أن ستة من هذه الأبعاد ملتوية حول نفسها ومتراصة مما يمنعنا من مشاهدتها.

لهذه الأبعاد المتراصة دور حساس في نظرية الأوتار، والتي هدفها وصف نظرية كل شيء. علمًا بأن تعدد الأبعاد وتراصها قد يؤدي إلى نظريات موحدة وهذا ما توصل إليه كالوزا وكلاين عام 1920.

لفهم أسهل، يجزم الفيزيائيون أن الأبعاد ملفوفة في ستة دوائر. لهذه اللفات تأويل وترجمة رياضية معروفة بـ”متعدد شعب كلابي ياو”-Calabi-Yau manifold.

النظرية-إم (M-Theory):

النظرية-إم مُجسدة في كوكب

كما لاحظنا آنفًا، لدينا خمس نظريات للأوتار (الأوتار الفائقة والأوتار الهجينة)، ولكل واحدة تناسقًا ومنطقًا رياضيًا مقبولًا إلى حد ما.

والمعضلة تتمثل في انعدام الوسائل لاستكشاف النظرية عبر جميع القيم الممكنة، فكل نظرية من النظريات الخمس ككوكب واسع لا نعلم منه إلا جزيرة صغيرة.

في الأعوام الأخيرة، حاول العلماء تطوير تقنيات لاكتشاف هذه الجزر، إلى أن علموا أن هذه النظريات عبارة عن جزر تنتمي إلى كوكب واحد، وكلما أبحرنا في هذا الكوكب يزيد فهمنا لها ولترابطها. فهذا الكوكب الضخم الموحِّد ما هو إلا النظرية-إم أو النظرية الأم، حيث يقصد بالحرف اللاتيني إم M الأم (Mother) أو غموض (Mystery) لأن غالبية النظرية أو الكوكب يتطلبان المزيد من الاستكشاف.

النظرية-إم مُجسدة في كوكب:

هنالك احتمال ثالث للنظرية-إم، حيث عُثر على جزيرة من الجزر توافق نظرية تعيش في نطاق 11 بعدًا وليس 10 أبعاد. النظرية-إم تحاول أن تخبرنا أنها نظرية ذات 11 بعدًا، ولكنها تبدو ذات 10 أبعاد من نفطة معينة في الفضاء.

كأنبوب سقي يبدو على شكل خيط عن بعد، ولكن لما نقترب نلاحظ أن باستطاعة نملة أن تتحرك بين حافتي سمك الأنبوب، وبالتالي نلاحظ أن ذلك البعد لم يكن واضحًا من بعيد.

الثقوب السوداء في النظرية-إم:

درست الثقوب السوداء منذ سنوات في إطار النسبية العامة، حيث تتوافق مع حقل مرتفع للجاذبية.

ولكن مع انعدام اتساق نظرية النسبية العامة مع فيزياء الكم، ظهرت عدة ألغاز تتعلق بالفيزياء المجهرية للثقوب السوداء. من الألغاز والمسائل المثيرة للاهتمام، تلك التي تتعلق بالأنتروبيا*-الخاصة بالثقوب السوداء.

في مجال ديناميكيا الحرارية، تعتبر الأنتروبيا قياس عدد الحالات المتشابهة داخل نظام محدد.

إذا قمنا بقياسها في غرفة غير مرتبة ومبعثرة، نجدها مرتفعة، فهي مرتبطة بدرجة الاضطراب. فإذا حاولنا تحريك جسم ما داخل الغرفة السابقة فلن تنتبه للأمر لشدة الفوضى.

بالمقابل، داخل غرفة مرتبة، إذا غيرت أي شيء، فسيتم الانتباه لذلك بسهولة. فتتميز الثقوب السوداء بفوضى عظيمة، ولا أحد يعلم الحالات الموافقة لأنتروبيا الثقب الأسود.

ولكن خلال الأعوام الأخيرة توصل العلماء إلى بعض النتائج المثيرة، فالتقنيات المشابهة المستعملة لإيجاد الجزر في نظرية-إم سمحت بشرح حالات الفوضى المتعلقة ببعض الثقوب السوداء، وشرح الخصائص التي استنتجناها مسبقًا بمبادئ الديناميكيا الحرارية.

العديد من المسائل الأخرى لا تزال مطروحة، ولكن يعتبر تطبيق نظرية الأوتار لدراسة الثقوب السوداء، واحدًا من أكثر المواضيع إثارةً للاهتمام في السنوات القليلة المقبلة.

الهوامش:

*الإنتروبيا أو الاعتلاج أو العشوائية أصل الكلمة مأخوذ عن اليونانية ومعناها “تحول” .

وهو مفهوم هام في التحريك الحراري، وخاصة للقانون الثاني الذي يتعامل مع العمليات الفيزيائية للأنظمة الكبيرة المكونة من جزيئات بالغة الأعداد ويبحث سلوكها كعملية تتم تلقائيا أم لا.

ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على مبدأ أساسي يقول : أي تغير يحدث تلقائيا في نظام فيزيائي لا بد وأن يصحبه ازدياد في مقدار “إنتروبيته”. –ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.


  • ترجمة : عبروش محمَّد السَّعيد.
  • تدقيق: عبدالله الصبّاغ
  • تحرير: احمد عزب

المصدر الأول / المصدر الثاني