تكون أجسام البشر بحالتها المُثلى عند وجودها على مستوى سطح البحر، إذ إن كمية الأكسجين تكون كافيةً لعمل الدماغ والرئتين. وتقل قدرة الجسم على العمل بطريقة صحيحة كلما ارتفع إلى مستويات عالية.

إذا أراد المتسلقون الوصول إلى قمة جبل إيفرست، أعلى قمة في العالم على ارتفاع 29,029 قدمًا «أي 8848 مترًا» فوق مستوى سطح البحر، فإن عليهم تخطي ما يُعرف باسم «منطقة الموت».

يزيد ارتفاع هذه المنطقة على 8000 متر فوق سطح البحر، حيث يوجد القليل جدًا من الأكسجين، ما يؤثر في الجسم، ويسبب الموت البطئ، خليةً تلو أُخرى.

في منطقة الموت، تتعطش أدمغة المتسلقين ورئاتهم للأكسجين، ويزداد خطر تعرضهم للأزمات القلبية والسكتات الدماغية، ويقل وعيهم بسرعة كبيرة.

عام 2019، توفي 11 شخصًا على جبل إيفرست، قضوا جميعهم وقتًا طويلًا في منطقة الموت. وقد أصبح ذلك أحد أكثر الفصول دمويةً على جبل إيفرست في الذاكرة الحديثة.

ألقت بعض شركات الرحلات الاستكشافية اللوم في هذه الوفيات على الازدحام، مشيرةً إلى أنه في الحالات النادرة التي يكون فيها الطقس جيدًا، تصبح ذروة الجبل مزدحمةً جدًا بالمتسلقين، لدرجة أن الناس ظلوا عالقين في منطقة الموت فترةً طويلة.

وفقًا لصحيفة (Kathmandu Post)، في 22 مايو عام 2019، حاول 250 متسلقًا الوصول إلى قمة جبل إيفرست، وانتظر العديد من المتسلقين في طابور طويل للصعود والنزول من قمة الجبل.

عرضت هذه الساعات الإضافية غير المخطط لها في منطقة الموت 11 شخصًا لمخاطر كبيرة، انتهت بالموت، مع أن من الصعب معرفة السبب الحقيقي الكامن وراء كل حالة وفاة. قال أحد المتسلقين: «إن تسلق إيفرست يشبه الجري على جهاز المشي، والتنفس من خلال قشة».

عند مستوى سطح البحر، يحتوي الهواء على نسبة كافية من الأكسجين، تُقدر بـ 21%. لكن على ارتفاع أكثر من 12 ألف قدم «3657 مترًا»، يقل الأكسجين في الجو بنسبة 40% تقريبًا.

قال جيريمي وندسور، الطبيب الذي تسلق جبل إيفرست عام 2007: «كشفت عينات الدم المأخوذة من أربعة متسلقين في منطقة الموت، أنهم كانوا يعيشون على ربع كمية الأكسجين المُستهلكة عادةً عند مستوى سطح البحر».

«كانت كمية الأكسجين هذه قابلةً للمقارنة مع الأرقام التي عُثر عليها لدى المرضى الذين كانوا على وشك الموت».

يتأقلم متسلقو الجبال مع نقص الأكسجين:

يؤدي نقص الأكسجين إلى مخاطر صحية عديدة. فعند انخفاض كمية الأكسجين في الدم عن المستوى الطبيعي المُحدد، يرتفع معدل ضربات القلب إلى 140 نبضةً في الدقيقة، ما يزيد خطر الإصابة بنوبة قلبية. لذا يجب على المتسلقين إعطاء أجسادهم وقتًا للتأقلم مع ظروف التنفس وقلة الأكسجين في مكان مرتفع بنسبة مقبولة مثل جبال الهيمالايا، قبل محاولة تسلق جبل إيفرست.

عمومًا، تصعد الرحلات الاستكشافية إلى أعلى الجبل على ثلاث مراحل، بدءًا من معسكر قاعدة إيفرست، وهو أعلى من كل جبال أوروبا، على ارتفاع يقدر بـ 17,600 قدم «5364 مترًا». إذ ترتفع عن مستوى سطح البحر قليلًا في كل مرحلة، وتعطي جسدك وقتًا للتأقلم قبل تسلق قمة الجبل.

في أسابيع المرحلة الأولى، يُنتج الجسم كميةً كبيرة من الهيموجلوبين، البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء الذي ينقل الأكسجين من الرئتين إلى سائر الجسم، في محاولة لتعويض نقص الأكسجين.

يؤدي إنتاج الهيموجلوبين بإفراط إلى زيادة كثافة الدم، ما يُؤثر في عمل القلب، وقد يؤدي إلى حدوث سكتة دماغية أو تراكم السوائل في الرئتين.

في إيفرست، تُشاهد حالة طبية شائعة تُسمى وذمة الرئة في المرتفعات (HAPE)، يمكن الكشف عنها بسهولة بواسطة فحص سريع بسماعة الطبيب، إذ يُسمع صوت طقطقة ناتج عن تسرب السائل إلى الرئتين.

تشمل الأعراض الأخرى:

  •  التعب.
  •  الشعور بالاختناق الوشيك ليلًا.
  •  ضعف.
  •  سعال مستمر ينتج عنه سائل أبيض أو مائي أو رغوي. أحيانًا يكون السعال شديدًا لدرجة قد تؤدي إلى كسر الأضلاع أو فصلها.

يعاني المتسلقون المصابون بوذمة الرئة في المرتفعات ضيقًا في التنفس حتى في حالات الراحة.

في منطقة الموت، قد يبدأ دماغك في الانتفاخ، ما يسبب الغثيان والإصابة بنوع من الذهان. وفقًا لخبير المرتفعات والطبيب بيتر هاكيت: «إن التأقلم مع ارتفاعات منطقة الموت ببساطة غير ممكن».

نقص الأكسجة، وهو نقص وصول الدم المُحمل بالأكسجين إلى أعضاء الجسم مثل الدماغ، أحد أكبر عوامل الخطر على ارتفاع 26,000 قدم «7924 مترًا» فوق مستوى سطح البحر.

إذا لم يحصل الدماغ على كمية كافية من الأكسجين، يبدأ بالانتفاخ، ما يسبب حالة تسمى الوذمة الدماغية المرتفعة (HACE)، وهي حالة مشابهة للوذمة الرئوية.

قد تسبب الوذمة الغثيان والتقيؤ وصعوبة التفكير، وخَلطًا، أي فقدان القدرة على التفكير المنطقي.

أيضًا قد يسبب نقص الأكسجين في الدماغ هذيانًا عند المتسلقين، يجعلهم ينسون مكان وجودهم، يصفه الخبراء بأنه شكل من الهذيان المرتبط بالارتفاع عن سطح البحر.

يعاني المتسلقون صعوبةً في الإدراك، ويتصرفون بطريقة غريبة، مثل بدء التخلص من ملابسهم، أو التحدث إلى أشخاص وهميين. تشمل الأخطار الأخرى المحتملة الأرق والعمى الثلجي والتقيؤ.

قالت المتسلقة شوانا بيرك: «لقد عانيت في أثناء التسلق من سعالٍ جاف مستمر ومزعج. كل ثانية يلهث الجسد طلبًا للهواء، وأنت تحاول البقاء متيقظًا. وفي أثناء الليل يكون الهواء قليلًا لدرجة تعيق النوم».

أضاف هاكيت: «تبدأ صحة الإنسان بالتدهور، ويصبح النوم مشكلةً، ويحدث هزال في العضلات، وفقدان للوزن».

إضافةً إلى وذمة الرئة في المرتفعات والوذمة الدماغية المرتفعة، قد يعاني الأشخاص من الغثيان والتقيؤ المرتبط بالمرتفعات، ما قد يسبب فقدانًا للشهية.

قد يسبب البرد الشديد العمى الثلجي وهو فقدان مؤقت للرؤية، ناتج عن انفجار الأوعية الدموية في العين.

قالت بيرك: «درجات الحرارة في منطقة الموت لا ترتفع أبدًا فوق درجة صفر فهرنهايت «-17 مئوية»، أي أن الجلد المكشوف يتجمد فورًا».

قد يؤدي نقص التروية الدموية في أصابع اليدين والقدمين إلى الإصابة بقضمة الصقيع، وفي الحالات الشديدة يحدث موت في الجلد والأنسجة الداخلية، ما يؤدي إلى الإصابة بالغنغرينا التي تسبب بتر الجزء المُصاب.

قالت بيرك: «قد يؤدي الضعف الجسدي وضعف الرؤية إلى الانهيار والسقوط، إذ إنك قد تبقى مرهقًا طوال الوقت، والمضي قدمًا يتطلب طاقةً ومجهودًا كبيرين».

أيضًا قد يؤدي الخلط إلى نسيان المتسلقين ربط أنفسهم بحبل الأمان، أو الابتعاد عن الطريق وأن يضلوا طريقهم، أو الفشل في إعداد المعدات المنقذة للحياة بطريقة صحيحة مثل أسطوانات الأكسجين.

يصعد المتسلقون إلى منطقة الموت خلال يوم واحد، لكنهم قد ينتظرون في طابور لساعات طويلة، قبل تسلق منطقة الموت التي وصفها متسلق إيفرست عام 1998 ديفيد كارت بأنها جحيم حي.

عادةً ما يحاول المتسلقون الوصول إلى القمة والعودة في يوم واحد. ويحاولون قضاء أقل وقت ممكن في منطقة الموت، والعودة إلى مستويات أقل ارتفاعًا. لكن الوصول إلى القمة يكون في نهاية أسابيع التسلق، أي يكون المتسلقون متعبين للغاية، وليس لديهم الطاقة الكافية للعودة دون أخذ استراحة قصيرة.

قالت لاكبا شيربا، التي تسلقت جبل إيفرست تسع مرات، أكثر من أي امرأة أخرى في العالم: «إن اليوم الذي وصل فيه الفريق إلى قمة الجبل كان أصعب يوم في الرحلة».

يتطلب الوصول إلى القمة بنجاح إجراء مجموعة من الخطوات بطريقة صحيحة. نحو الساعة 10 مساءً، يغادر المتسلقون المعسكر الرابع الواقع على ارتفاع 26,000 قدم «7924 مترًا». الجزء الأول من تسلقهم يكون في الظلام على ضوء النجوم والمصابيح اليدوية.

بعد نحو سبع ساعات، يصل المتسلقون إلى القمة. ويأخذون استراحةً قصيرة، يحتفلون فيها ويلتقطون الصور، ثم تستدير المجموعة في رحلة تستغرق 12 ساعة لتعود أدراجها قبل حلول الظلام.

اقرأ أيضًا:

هل ترغب بخسارة وزنك الزائد وزيادة طولك؟ الجبال قامت بذلك حقًّا!

كريات الدم الحمراء قادرة على تذكر رحلاتك إلى الجبال

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر