أدى عامل النمو الموجود في السائل الدماغي الشوكي للفئران الصغيرة إلى تكاثر الخلايا التي تصنع المايلين – myelin عند حقنها في أدمغة الفئران الأكبر سنًا.

الشركات الناشئة في وادي السيليكون Silicon Valley -التي تدّعي أن حُقن دم الشباب قد تكون لها فوائد صحية لكبار السن أو المرضى- قد تقدمت وتراجعت، دون الكثير من العلم الفعلي الذي يدعم ادعاءاتهم.

طُرحت الفكرة في أبحاث الفئران التي نُشرت في مجلة نيتشر Nature، التي تشير إلى أن حقن السائل الدماغي الشوكي-CSF من الفئران الأصغر سنًا في الفئران الأكبر سنًا قد يجدد ذاكرة المتلقين في ظل ظروف محددة.

يؤدي السائل الدماغي الشوكي دورًا مزدوجًا مهمًا، فهو يحمي الدماغ ويوفر العناصر الغذائية في أثناء تدفقه داخل وحول تجاويف وطيات الدماغ. وفي دراسة، تفوقت الفئران التي تتراوح أعمارها بين 18 و 25 شهرًا -التي حُقنت بالسائل الدماغي الشوكي لفئران بعمر شهرين إلى ثلاثة أشهر مباشرة في أدمغتها- على مجموعة الضبط في تكييف الخوف لمهمة الذاكرة. ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن ذلك بفضل نمو الخلايا الدبقية الناقصة الجديدة التي تدعم خلايا الدماغ الأخرى بإنتاج المايلين، وهو العازل الذي يحمي محاور الخلايا العصبية.

قالت المؤلفة تال إيرام المشاركة في الدراسة، وهي عالمة الأعصاب في كلية الطب في جامعة ستانفورد، لصحيفة The Scientist في بريد إلكتروني: «تعد الخلايا الدبقية الناقصة فريدة من نوعها لأن أسلافها ما تزال موجودة بأعداد كبيرة في الدماغ المسن، ولكن هذه الأسلاف بطيئة جدًا في الاستجابة للإشارات التي تعزز تمايزها. وقد وجدنا أنه عندما تتعرض مرة أخرى للسائل الدماغي الشوكي لفئران صغيرة السن، فإنها تتكاثر وتنتج المزيد من المايلين في الحُصين، وهي منطقة دماغية مرتبطة بتكوين الذاكرة والاحتفاظ بها».

قبل الحقن، دُرّبت الفئران على ربط ضوء وامض ونغمة بصدمة كهربائية على أقدامها. وبعد التدريب، حُقنت الفئران الأكبر سنًا بالتنقيط المنتظم، إما من السائل الدماغي الشوكي للفئران الأصغر سنًا أو الاصطناعي (أي الماء الممزوج بالصوديوم والبوتاسيوم وأيونات أخرى) على مدار أسبوع واحد، واختبرت مع مهمة الذاكرة بعد أسبوعين آخرين من ذلك.

وجدت إيرام وزملاؤها أن الحيوانات التي استقبلت السائل الدماغي الشوكي الطبيعي قد تجمدت استجابةً للضوء والنغمة أكثر من مجموعة الضبط، ما يدل على أنها تتذكر الصدمات الكهربائية تذكرًا أفضل. أما الحيوانات التي حُقنت بالسائل الدماغي الشوكي الاصطناعي، فلديها معدلات تجميد مشابهة للفئران المتطابقة بالعمر التي لم تتلقَّ حُقن السائل على الإطلاق.

تقول جانين كوابيس في رسالة بريد إلكتروني -باحثة في الذاكرة والشيخوخة في جامعة ولاية بنسلفانيا، ولم تشارك في الدراسة: «إنه من المدهش للغاية أن حَقن السائل الدماغي الشوكي قد حسّن الإدراك لدى الحيوانات الأكبر سنًا، على الرغم من أن فكرة الحقنة العلاجية من الصغار في الكبار ليست فكرة جديدة».

وتضيف: «تحديد دور الخلايا الدبقية الناقصة في عمر الدماغ هو أمر حقًا جديد هنا. وعلى الرغم من أن الأبحاث ركزت تاريخيًا على الخلايا العصبية تقريبًا باعتبارها مركزية لوظيفة الدماغ، فقد بدأت الأبحاث الحديثة بتقدير الأدوار الرئيسية التي تؤديها الخلايا الدبقية مثل الخلايا الدبقية الناقصة، التي يبدو أنها لا تقل أهمية لوظيفة الدماغ عن الخلايا العصبية».

في تجربة متابَعة، شرّح الباحثون أقسام الدماغ بعد مدة قصيرة من حقن السائل الدماغي الشوكي -CSF للفئران الصغيرة في الفئران الأكبر سنًا، وحللوا إنتاج الحمض النووي الريبي للكشف عن المسار الجزيئي المسؤول عن تحسين الذاكرة. ووجدوا أن الفئران المعالجة قد زادت من مستويات عامل الاستجابة المصلي-SRF بالنسبة إلى عناصر التحكم. وعامل الاستجابة المصلي هو عامل استنساخ أدى إلى زيادة تكاثر الخلايا السلفية الدبقية الناقصة.

أظهرت مقارنة عينات من حيوانات تتراوح عمرها بين 3 أشهر و 25 شهرًا أن مستويات SRF RNA تنخفض طبيعيًا في حصين الفأر مع تقدم العمر. ومع ذلك، أظهر تحليلهم للفئران المعالجة بحقن السائل الدماغي الشوكي أن مركبًا يسمى عامل نمو الأرومة الليفية 17 (Fgf17) يعزز مستويات SRF، وهو مركب وجده الباحثون في السائل الدماغي الشوكي للفئران الصغيرة.

وجد الفريق أيضًا أن حقن Fgf17 وحده كان له نفس التأثيرات في الفئران الأكبر سنًا مثل حقن السائل الدماغي الشوكي للفئران الأصغر سنًا، وأن منع عمل عامل النمو في الفئران الأصغر سنًا يضعف الذاكرة.

تقول كوابيس: «هذا مسار مثير للاهتمام وفريد من نوعه مقارنة بالكثير من المسارات حول تكوين الذاكرة».

تقول إيرام إنها وزملاءها يدرسون حاليًا الجوانب الانتقالية المحتملة لهذه الدراسة، على الرغم من أن خبراء آخرين أخبروا موقع The Scientist أن علاقة هذه الدراسة بالبشر غامضة على أفضل تقدير.

تقول كوابيس: «من غير المحتمل أن يكون لنقل دم أو لنقل السائل الدماغي الشوكي من شخص شاب تأثير تجديد دائم في شخص عجوز».

وفقًا لغابرييلا بوبيسكو -عالمة الكيمياء الحيوية في كلية جاكوبس للطب والعلوم الطبية الحيوية بجامعة بافالو، وتدرس علم الأعصاب للذاكرة، ولكنها لم تشارك في الدراسة- فإن الدراسة هي مثال آخر للعمل الذي يظهر الشيخوخة إظهارًا خاطئًا -كما تقول- كمرض يحتاج إلى علاج.

وقالت لصحيفة The Scientist: «أعتقد أنه من الخطأ بيع العلم بهذه الطريقة». وذلك في إشارة منها إلى الدراسات التي تفترض ضمنيًا وجود طريقة مباشرة لعكس الشيخوخة أو فقدان الذاكرة أو غير ذلك من المصادر الشائعة للقلق المتعلق بالصحة.

تقول بوبيسكو -على الرغم من تحفظاتها- إن ملاحظات الدراسة مثيرة للاهتمام وحقيقة جيدة تجب معرفتها.

وللمضي قدمًا، تقول كوابيس إنه سيكون من المثير للاهتمام معرفة: هل المسار نفسه يتوسط أنماطًا أخرى من الذاكرة والتعلم، وخاصة تلك التي يُعتقد أنها تتضمن مناطق دماغية أخرى مثل: اللوزة والقشرات المختلفة أو لا؟

وتضيف: «سيكون من المفيد معرفة: هل هذه الحقن الصغيرة من السائل الدماغي الشوكي تحسن أيضًا الذكريات الأقل بروزًا وإرهاقًا وأكثر نموذجية للأنواع الشائعة اليومية من الذكريات الأكثر تأثرًا بالتدهور المرتبط بالعمر أو لا؟»

اقرأ أيضًا:

بسبب حالة نادرة جدًا، تسرب السائل الدماغي الشوكي لامرأة بسبب مسحة أنفية للكشف عن فيروس كورونا!

الجزء المنسي من الذاكرة: النسيان ضروري لكيفية عمل الدماغ

ترجمة: سميرة طارق غزولين

تدقيق: هادية أحمد زكي

المصدر