«أنت تبدأ ككتلة من الذرات، وإذا سُلّط عليها الضوء فترة كافية، فلا تتفاجأ بأن تصبح نبتة».

يبقى السؤال الأضخم، كيف تكونت الجينة الأولى على الأرض؟

تراود العلماء أفكارًا بشأن بدايتها، ربما بجانب فتحة هدروترمالية (حرارية مائية)، وهذا يثبت أن الطاقة حينها احتاجت لتوليدها تفاعلًا كيميائيًا، ما يقود في النهاية لأول ظهور للجينة الحية.

يدور الحديث عنها أحيانًا كحدث خارج إطار التسلسل المنطقي، إذ تقاطع مصادفةً المزيج الصحيح للعناصر الكيميائية مع التصادمات العشوائية داخل المجموعة المكوِّنة للجينة الحية.

ماذا لو كانت الفيزياء أساس هذه التفاعلات، وتقود الحياة إلى الوجود؟

كانت تلك جزء من فكرة قدّمها الفيزيائي الأميركي جيريمي إنجلاند الذي يعتقد بأن الحياة قد تكون نتيجة الإنتروبيا.

الإنتروبيا هي الفوضى في نظام معيّن، فعندما يكون شيء في حالة عالية من الإنتروبيا (أو فوضى عالية)، فيمكنك أن تبدّل مقومات النظام وسيبقى ذاته إلى حد كبير. لكن هناك أشياء داخل الكون، مثل الحياة الموجودة بحالة إنتروبيا منخفضة، وهنا تبدو وكأنها تنتهك قانون الترموديناميك (علم التحريك الحراري) الثاني التي تقول إن الإنتروبيا تتزايد بصورة دائمة ضمن نظام مغلق أو أن كل شيء يميل للفوضى.

لكن ليس هذا هو الحال، فالحياة لا تنتهك القانون الثاني للترموديناميك، بل تستمد طاقتها من البيئة، وتستثمر تلك الطاقة بغية إنقاص الطاقة بهدف لملمة الثلج وإنشاء انضباط مؤقت، حتى يتحطم بفعل الإنتروبيا إلى الحالة الفوضوية مجددًا.

عندما يؤخذ النظام الشامل (متضمنًا المصدر الحقيقي للجينة الحية والحرارة التي تُنقصها البيئة الحياتية) بعين الاعتبار، فسيبقى النظام الكلي متحركًا باتجاه الإنتروبيا.

كان أول من اكتشفَ القانون السكوني للكون هو رودولف كلاوزيوس الذي لاحظ أن الحرارة تنبعث من الأجسام ذات الحرارة الأعلى باتجاه الأجسام الأقل حرارة لا العكس.

وفقًا لإنجلاند، فالحياة والأجسام النابضة بالحياة قد تنشأ في بيئات معقدة ومضطربة بالطرق التي تنشر الحرارة للبيئة. بمعنى آخر، قد تنشأ الحياة والأجسام النابضة بالحياة نتيجةً للإنتروبيا، وهذا لقابليتها على توزيع الحرارة.

في ورقة بحثية واحدة، أنشأ إنجلاند محاكاة لحسائي معقد مكون من 25 عنصرًا كيميائيًا بتراكيز متنوعة مع مستويات مختلفة للطاقة تطبّق على النظام «لإخضاع» التفاعلات الكيميائية على الحدوث، تمامًا كالشمس القادرة على إنتاج الأوزون في غلافنا الجوي (شكرًا لكِ يا إنتروبيا).

كتب إنجلاند والمؤلف المساعد جوردن م. هوروويتز في ورقتهما البحثية: «كما هو متوقع في أعمال نظرية سابقة، كانت نتيجتنا المركزية أن سلوكيات منتظمة حركيًا لنظام كهذا تكون منحازة للظهور لتضبط أخيرًا وتصبح مدارًا خارجيًا».

تضيف الورقة البحثية: «بتعبير آخر، أغنى سلوك النظام طويل الأمد في النتائج التي يُحتفى بها باحتمال ضئيل فقط بأخذ عينات عشوائية وموحدة من مجمل فضاء الاحتمالات المتعددة».

بينما اتجهت بعض عناصر الحساء نحو التوازن كما هو متوقع، شهدت الأنظمة الأكثر تطرفًا «تحسنًا تلقائيًا بصورة ذاتية» منظمة نفسها ضمن أجسام أكثر تعقيدًا، ومكتسبة قدرة أكبر على التعامل مع البيئة المعقدة وقادرة على توزيع الحرارة بصورة أفضل.

في ورقة بحثية أخرى، وَجد الفريق مزيدًا من «النماذج النابضة بالحياة لسلوك جزيئي مشترك» فضلًا عن «الناحية الإحصائية للنظام ليعتمد هياكل بنسب توازن أعلى لاستيعاب العمل، إذ تحدث التحولات الشديدة التي لا عودة عنها والداعمة للانحياز غير المتوازن نحو الهياكل الرنانة؛ لأن الرنين يساعدها على حصد مزيد من العمل الخارجي [كمصدر طاقة]».

مع أن هذا تناظر للحياة وعدم تكرار تعقيدها -النظرية مثيرة للجدل ولمزيد من العمل، كما هو الحال، يجب الأخذ بها- كانت النتائج مثيرة للاهتمام، وتشير إلى إمكانية نشوء الحياة نتيجة لقوانين الفيزياء.

إذا صحّ ذلك، فيمكن أن يشير إلى أن الحياة منتشرة في كل أنحاء الكون، وتكوّنت في نظم معقدة مثل كوكبنا.

كما قال إنجلاند في مجلة Quanta Magazine في عام 2014: «أنت تبدأ ككتلة من الذرات، وإذا سُلّط عليها الضوء فترة كافية، فلا تتفاجأ بأن تصبح نبتة».

اقرأ أيضًا:

إنتروبيا الثقوب السوداء

الإنتروبيا – ما هو التعريف العلمي للإنتروبيا؟

الحياة فوضوية: ما هي الإنتروبيا (مقياس الفوضى)؟

ترجمة: سليمان عبد المنعم

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر