العلاقة بين ألعاب الفيديو وحمل السلاح. في كل مرة يقع فيها حادث إطلاق نار جماعي، يثار موضوع الصحة العقلية في البلاد. يسارع العديد من السياسيين إلى الإشارة للجناة بأنهم مضطربين عقليًا. بينما يشير صحفيو الأخبار عن وجود ميول انعزالية أو علامات عدم استقرار عقلي عند مرتكبي الحادث. وقال الرئيس ترامب يوم الاثنين عقب حدوث حادثتي إطلاق نار كثيف خلال أقل من 24 ساعة: «المرض العقلي والكراهية هما سبب الجريمة، لا السلاح». فهل يتحمل المرض العقلي مسؤولية حادثة إطلاق النار الجماعي في أمريكا؟ وفقًا للبحث فالجواب هو «لا».

لدى بعض مجرمي إطلاق النار الجماعي سوابق مرضية في الفصام أو الذهان، ولكن الكثير منهم ليس لديهم تاريخ مرضي، فقد وجدت معظم الدراسات التي أجريت على مجرمي إطلاق النار الجماعي أن عددًا قليلًا منهم فقط لديه مشاكل في الصحة العقلية.

لاحظ الباحثون مجموعة من العوامل الأخرى التي تنبئ بقوة باحتمالية إطلاق شخص ما النار على الأفراد وهي: الشعور القوي بالاستياء، والرغبة في العار، وتقليد المجرمين الآخرين، وتاريخ مرضي لوجود عنف منزلي في الماضي، والنرجسية، بالإضافة إلى القدرة على الوصول إلى الأسلحة النارية.

وقال جيفري سوانسون أستاذ العلوم النفسية والسلوكية في كلية الطب بجامعة ديوك: «من المثير والمغري محاولة إيجاد حل بسيط وتوجيه أصابع الاتهام إلى ذلك». ويضيف: «إن حقيقة أن شخصًا ما سيخرج ويقتل مجموعة من الغرباء ليس فعلًا من العقل السليم، لكنه لا يعني أيضًا أن لديه مرض عقلي».

نظرًا لأن عمليات إطلاق النار الجماعية أصبحت أكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة، فقد فحص ارتباط هذه الأحداث بالصحة العقلية بشكل متزايد من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، وإدارات الشرطة، وأطباء النفس الشرعيين، وخبراء الأمراض العقلية، وعلماء الأوبئة.

في تقرير عام 2018 حول 63 مجرمًا، وجد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن 25% قد شخصوا بمرض عقلي. ثلاثة من هؤلاء شخصوا باضطراب ذهاني. في دراسة أُجريت عام 2015 فحصت 226 رجلًا ارتكبوا أو حاولوا ارتكاب جرائم قتل جماعي، اعتبر 22% منهم مرضى عقليين.

قدّر تقرير صادر عن مؤسسة التراث أن غالبية مرتكبي جرائم إطلاق النار الجماعي يعانون مرضًا عقليًا، ويعتمد ذلك جزئيًا على تصنيفات أقل حدة ودراسات على حالات سابقة.

كشفت الأبحاث منذ فترة طويلة عن تفسير آخر شائع بين السياسيين، وهو أن ألعاب الفيديو العنيفة هي وراء أحداث القتل الجماعية هذه. طرحت الفكرة مرة أخرى من قبل زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي وترامب، اللذين طالبا بوضع قيود على ما أسموها (ألعاب الفيديو الشنيعة والمروعة). وقال جوناثان ميتزل مدير مركز الطب والصحة والمجتمع بجامعة فاندربيلت إنه لا يوجد رابط إحصائي بين لعب ألعاب الفيديو العنيفة وإطلاق النار على الناس.

وجد تقرير صدر عام 2004 من قبل قسم الخدمة السرية ووزارة التعليم أن 12% من الجناة في أكثر من ثلاثين حادث لإطلاق نار في المدارس قد أظهروا اهتمامًا بألعاب الفيديو العنيفة. على الرغم من عدم وجود صلة، يواصل المشرعون والشخصيات العامة إلقاء اللوم على هذه الألعاب.

وقال متزل: «بالنسبة لي، إنها قمة اللامسؤولية عندما يواصل سياسيون مثل الرئيس ترامب الحديث عن هذه الأسباب، لأنها تديم الأمور الزائفة».

يقول الخبراء إن شغف إلقاء اللوم على الصحة العقلية وألعاب الفيديو يعني أن المجتمع يبحث عن إجابات في الأماكن الخطأ.

كانت ذروة إلقاء اللوم على ألعاب الفيديو بعد حادثة إطلاق مدرسة كولومبين الثانوية في عام 1999 إذ وجد استطلاع أجرته مؤسسة غالوب أن 62% من البالغين في جميع أنحاء البلاد يعتقدون أن التسلية هي المحفز الرئيسي لهذه المأساة وأن 83% أيدوا القيود المفروضة على بيع الألعاب العنيفة للأطفال، حتى أن الرئيس بيل كلينتون دعا إلى إجراء تحقيق حول كيفية بيع هذه الألعاب.

في العام الماضي، وجد استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC حول عمليات إطلاق النار الجماعية أن 57% من الناس يعتقدون أن إطلاق النار كان انعكاسًا للفشل في تحديد ومعالجة الأشخاص الذين يعانون مشاكل في الصحة العقلية. وفي الوقت نفسه، اعتقد 28% أنها تعكس عدم كفاية قوانين في مكافحة الأسلحة.

وقال آرثر إيفانز جونيور، وهو عالم نفسي يرأس الرابطة الأمريكية لعلم النفس: «المفارقة هو أننا فعلًا نحتاج إلى نظام أقوى للصحة العقلية»، ثم يكمل: «لكن هذا أمر منفصل وليس له علاقة في عمليات إطلاق النار هذه».

يعاني ما يقرب من 5% من سكان الولايات المتحدة مرضًا عقليًا خطيرًا في نظام للرعاية الصحية. يقول معظم الأطباء إن السبب عدم إعطاء الأولوية للصحة العقلية. وقد ترك ذلك في كثير من الأحيان أولئك الذين في مشكلة لطلب المساعدة من الأطباء وشركات التأمين.

أكثر من 60% من المقاطعات في أمريكا ليس لديها طبيب نفسي واحد. في العام الماضي، حصل 43% فقط من البالغين في الولايات المتحدة المصابين بمشكلة عقلية على مساعدة.

وفقًا للمسح الوطني الوبائي حول الكحول والأحداث ذات الصلة، من المحتمل أن يُظهر الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية خطيرة سلوكًا عنيفًا بمقدار 3.6 أضعاف. لكن من المرجح أن يكونوا ضحايا للعنف بمعدل خطر يبلغ 23 ضعفًا مقارنةً ببقية المجتمع.

وجدت دراسة نشرت في مجلة حوليات علم الأوبئة أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية لا ينخرطون في أعمال عنف ضد الآخرين، وأن معظم السلوك العنيف يرجع إلى عوامل أخرى غير المرض العقلي.

وقال فيليب ريسنيك الذي كان طبيباً نفسياً شرعيًا في حالات عديدة من بينها وويونابومبر تيد كازينسكي منفذي هجوم أوكلاهوما سيتي: «نعتقد أن أي شخص يقتل الآخرين مصاب بمرض عقلي». في مقابلة أجريت العام الماضي، قال ريسنيك: «علينا أن نتذكر، يقتل الناس لأسباب مختلفة. فهم يقتلون من أجل المنفعة أو الحب أو الجشع».

يقول المدافعون عن الصحة العقلية إن بعض التعليقات مثل تعليق ترامب على حادثة إطلاق النار، والذي وصف منفذيها بـالوحوش المريضة عقليًا: «يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الصور النمطية الكاذبة حول المرضى العقليين».

وقالت أنجيلا كيمبال رئيسة الرابطة الوطنية للأمراض العقلية: «عندما تلوم المصابين بأمراض عقلية على أشياء مثل إطلاق النار الجماعي، فهذا ليس غير صحيح فقط، بل إن هذا يمنع الناس من طلب المساعدة حتى عندما يحتاجون إليها». وإنها تنشر مخاوف غير مبررة بشأن المرضى العقليين وتزيد من وصمة العار المحيطة بهم.

وجدت دراسة مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2018 أن منفذي هذه الاعتداءات قد واجهوا العديد من الضغوطات في العام الذي سبق الهجوم، سواء أكانت ضغوط مالية، أو مشاكل مع زملاء الدراسة أو زملاء العمل، أو إدمان المخدرات.

في المتوسط، أظهر المجرمون حوالي أربعة إلى خمسة سلوكيات يمكن أن يلاحظها المحيطون بهم، والسلوك الأكثر شيوعًا المتعلق بالصحة العقلية أو النزاعات الشخصية أو بعض علامات النوايا العنيفة.

ويشير الباحثون إلى أن الدول الأخرى لديها معدلات مماثلة للأمراض العقلية ولكن لديها نسبة قليلة من أحداث إطلاق النار مقارنة مع تلك التي تحدث في أمريكا. وبالمثل، تنتشر ألعاب الفيديو على نطاق واسع في أوروبا وآسيا، ومع ذلك فإن معدلات الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة فيها أقل بكثير من معدلاتها في الولايات المتحدة.

يقول علماء الأوبئة إن ما يميز الولايات المتحدة عن بقية العالم هو إمكانية حمل السلاح.

وفقًا لإحصائيات الأسلحة الصغيرة، يملك المدنيون ما يقرب من 400 مليون من الأسلحة النارية في أمريكا، أو بمعدل 120.5 سلاح لكل 100 ساكن – وهذا يعني أن البلاد لديها أسلحة أكثر من عدد السكان فيها. بينما حلت اليمن في المرتبة الثانية، بمعدل 52.8 سلاح لكل 100 شخص.

وقالت كيمبال: «المرض العقلي ليس القضية الحقيقية، لأن المرض العقلي شيء يحدث في جميع أنحاء العالم. أما أحداث إطلاق النار الجماعي فليست كثيرة». تضيف: «الحقيقة المحزنة هي أنه من السهل الحصول على سلاح في أمريكا، ولكن من الصعب للغاية الحصول على رعاية صحية للمشاكل العقلية».

اقرأ أيضًا:

ترامب: ألعاب الفيديو تشجع العنف. لكن ما رأي العلم؟

ممارسة ألعاب الفيديو تزيد كمية المادة الرمادية والاتصالات الدماغية

بمساعدة ربع مليون من محبي ألعاب الفيديو، اكتشاف ستة أنواع جديدة من الخلايا العصبية

ترجمة: بشر معلولي

تدقيق: علي فرغلي

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر