اسأل هذا السؤال وستتلقى غالبًا إحدى هاتين الإجابتين:

نعم، أن تكون مثليًا فهذا قرار قد قمت باتخاذه، وهو قرار غير أخلاقي يجب على الحكومات أن تحاربه.

أو: لا، إن الميول الجنسية يتم تحديدها بيولوجيًا ويجب على الحكومات أن تحمي مثليي الجنس من التمييز العنصري الذي يتعرضون له لأن المثلية هي جزء غير قابل للتغير من شخصياتهم.

الشيء الذي تشترك به هاتان الإجابتان عمومًا هو أن في كليهما يدعم العلم القرار الأخلاقي…

ماذا لو كانت الإجابتين خاطئتين؟ عندها من الممكن أن نضيف إلى ما سبق:

من الممكن تغيير الميول الجنسي وفي نفس الوقت لدى الإنسان الحق بأن يرتبط بمن هو مثلي الجنس ولديه علاقات مثلية إذا كانت تلك رغبته.

(أما الخيار الرابع هو أن مثليي الجنس لا يملكون خيارًا آخر فيما يتعلق بميولهم، ولكن يجب أن تتم معاقبتهم على ذلك.
وهو خيار غير وارد أخلاقيًا بالطبع!).

مارأي العلم فيما يتعلق بالميول الجنسية؟

الجينات

أكدت لنا العديد من الدراسات التي تم إجراؤها على التوائم وعلى الذين تم تبنيهم أن الجينات تلعب دورًا في تحديد الميول الجنسية.

يُحتمل وجود أخ مثلي الجنس لرجل مثلي الجنس بنسبة أكبر من الرجال الغيريين ونفس الأمر بالنسبة للإناث.

أظهرت دراسة نشرت في عام 1993 في الدورية العلمية أن العائلات التي تضم أخوين مثليي الجنس يُحتمل عندها وجود بعض الواسمات الجينية المحددة على منطقة في الصبغي X تعرف بـXq28.

جعلت هذه الدراسة عناوين الصحف الرئيسية تدور حول احتمالية وجود «جين المثلية» والنقاشات حول أخلاقية إجهاض الجنين مثلي الجنس.

وانتشرت أيضًا عناوين حول وجود «جين الكحولية» والذي يجعل بعض الأشخاص مدمنين على الكحول، و«الجين المقاتل» الذي يجعل من الأشخاص عدوانيين بشكل غير طبيعي.

وعلى الرغم من ذلك لا يمكن للجينات أن تتحكم بالسلوك بشكل كامل.

إن مهمة الجينات هي أن تقوم بتنظيم إنتاج الأحماض الأمينية والتي تشكل باجتماعها البروتينات.

ويمكن أن يؤثر وجود أو غياب أحد البروتينات على المزاج أو مدى تحمل الكحول وغيرها من الأشياء.

التأثير على شيء ما ليس كأن يكون هو المسيطر بشكل كامل عليه.

وتلعب البيئة كما الجينات دورًا هامًا في توجيه سلوكنا.

لا يتواجد إدمان الكحول في بعض العائلات دون غيرها فقط بسبب أنهم يحملون في جيناتهم مايجعلهم مدمنين على الكحول، بل أيضًا إن أطفالهم يتعلمون بأن يتعاملوا مع الضغوطات المختلفة بنفس طريقة آبائهم وإخوتهم الأكبر منهم عن طريق تناول الكحول.

فإذا كنت قد ترعرعت في بيئة حيث الكحول أمر محظور بالتالي سيكون من الصعب أن تصبح كحوليًا بغض النظر كيف يقوم جسدك باستقلابه.

كما هناك عوامل أخرى إلى جانب «الجين المحارب» تلعب دورًا في أن يكون الشخص عدوانيًا، فالأطفال يتعلمون أن يتصرفوا بعدوانية عندما يشاهدون أن العنف يمكن أن يؤدي إلى نتيجة ما.

إذا نشأت في بيئة أو عائلة تعتبر العدوانية أمرًا مرفوضًا فأن تكون عدوانيًا هو أمر مستبعد، حيث ستتعلم منذ صغرك كيف تتحكم بميولك العدوانية.

وبالتالي ستؤثر البيئة في ميولك الجنسية وعلاقاتك العاطفية.

كان الزواج عبر التاريخ يتأثر بالعلاقات العائلية وبالحاجات الاقتصادية.

وكان الناس يلتزمون بالقيود الاجتماعية التي تفرض الزواج من شخص واحد بالرغم من ميل الأشخاص إلى آخرين غير شركائهم.

إذًا تؤثر ثقافتك أو البيئة التي نشأت فيها على موقفك من المثلية الجنسية.

في بعض المجتمعات تعد المثلية أمرًا مقبولًا، وفي مجتمعات أخرى تعد أمرًا غير محبذ لكنه غير محظور وفي أخرى تُعد جريمةً حقيقية ومن الممكن أن يكون عقاب مرتكبها الموت.

كان سلوك الرجال مثليي الجنس مُراقبًا في أثينا القديمة.

تلعب اليوم الطقوس المثلية الذكورية دورًا هامًا في بعض الثقافات في غينيا الجديدة.

من الممكن أن تؤثر تربيتك على ما تجده مقبولًا وما تجده مرفوضًا تمامًا.

غالبية الأمريكيين سيشعرون بالغثيان إذا علموا أنهم عندما يتناولون لحم البقر هم حقيقة يتناولون لحوم كلاب، على الرغم من أنه لم يثبت أي شيء غير صحي حول لحم الكلاب.

ماتعلمته أثناء تربيتك حول المثلية الجنسية سيؤثر على اعتبارك أمر الانخراط بين المثليين هو أمر مقزز أو مرغوب.

إذا كنت مثليًا فإن البعض قد يختلف حول فكرة السبب الجيني وراء المثلية ولكن بمجرد نفورك من المثلية الجنسية هذا يعني حتمًا أن لم تتقبل بعد فكرة أنك فعلا مثلي.

هذا الجدال مبني على افتراض أن الميول الجنسية تتحدد بشكل كلي من قبل الجينات، ولذلك ليس هناك مجال للنقاش حول إمكانية وجود أسباب أخرى وراء المثلية.

الدماغ

من الممكن أن تؤثر بنية الدماغ على ميولك الجنسية.

نُشرت دراسة في عام 1991 في الدورية العلمية مفادها أن الوطاء (تحت المهاد) عند الرجال المثليين والذي يتحكم بإطلاق الهرمونات الجنسية من الغدة النخامية يختلف عن الوطاء عند الرجال الغيريين.

حيث وجدوا أن النواة البينية الثالثة من المهاد الأمامي أكبر بمرتين من تلك الموجودة عند الرجال غير المثليين.

انتُقدت هذه الدراسة لأنها استخدمت نسيجًا دماغيًا تم الحصول عليه عند تشريح الجثث، وكان سبب وفاة الأشخاص المثليين الذين تم أخذ عينات للدراسة منهم هو الإيدز.

أظهرت دراسة بعدها أُجريت عام 2001 أنه ليس لفيروس الإيدز تأثير هام على INAH3.

هذه الدراسة والتي استخدمت أيضًا نسيجًا دماغيًا من تشريح الجثث لم تكشف أي اختلاف هام في حجم النواة عند كل من المثليين والغيريين، لكنها أظهرت أن الخلايا العصبية في النواة عند الرجال الغيريين متواجدة بغزارة أكبر.

وأظهرت دراسة أخرى أجريت عام 2008 استُخدم فيها التصوير المقطعي بالإصدار البروزتروني والرنين المغناطيسي أن نصفي الكرة المخية متشابهان عند الرجال المثليين والنساء الغيريات أكثر منها عند الرجال الغيريين والنساء المثليات.

كشفت هذه الدراسة أيضًا أن الاتصالات العصبية في منطقة اللوزة الدماغية عند الرجال المثليين تبدو مشابهة للاتصالات الموجودة عند النساء الغيريات وكذلك الأمر عند النساء المثليات والرجال الغيريين.

تحوي منطقة اللوزة على العديد من مستقبلات للهرمونات الجنسية المسؤولة عن عملية الشعور.

وفي دراسات أخرى بينت أن الجسم الثفني (Corpus callosum) وهو صلة الوصل الرئيسية بين نصفي الكرة المخية يمتلك بنية مختلفة عند الرجال المثليين مقارنة بالغيريين.

على عكس دراسات أخرى لم تجد أي اختلاف.

بحسب العديد من الدراسات، إن احتمالية أن يكون الرجال والنساء المثليون عسراويين هي أكبر من عند الغيريين.

افترضت بعض الأبحاث أن الميل لاستخدام أحد الأيدي دون الأخرى والذي يمكن أن تتم ملاحظته عند الأجنة مرتبط بالاختلافات الموجودة في الجسم الثفني.

أظهرت دراسة في عام 1992 أن الصوار الأمامي (وهو صلة وصل أصغر بين نصفي الكرة المخيخية) كان أكبر حجمًا عند الرجال المثليين من الغيريين ولكن في دراسة أخرى أجريت بعد عشر سنوات بينت أن حجم الصوار الأمامي لا يتأثر بالميول الجنسية.

نحن نعلم من دراسة الجرذان أن التعرض للهرمونات الجنسية في الرحم خلال الفترة الحرجة من تطور الدماغ يؤثر على الميول الجنسية في المستقبل.

ومن خلال التلاعب بمستويات الهرمونات خلال هذه الفترة تمكن العلماء من جعل الجرذان تميل للسلوك المثلي فيما بعد.
وبالتالي فإن دماغك يؤثر على ميولك الجنسية حتى قبل أن تولد.

هذا من الممكن أن يفسر لماذا يشعر العديد من الأشخاص المثليين بأنهم كانوا دومًا كذلك.

وعلى الرغم من ذلك، لا يتوقف تطور الدماغ عند الولادة.

فيحدث جزء كبير من عملية تطور الدماغ خلال الطفولة عندما تبدأ بتعلم أشياء جديدة ومن ضمنها ما تعتقد به عائلتك والبالغين من حولك بأنه الشيء الصحيح الذي يجب أن تشعر به أو أن هذا السلوك مقبول دون غيره.

كما يؤثر التعليم الذي تتلقاه في طفولتك بشدة على كيفية تطور دماغك أثناء نموه.

وكمثال لذلك إن الأطفال الذين يتلقون تدريبًا موسيقيًا تتأثر عندهم المناطق المرتبطة بالسمع وبالتحكم بالحركة.

يمكن لدماغك مع التجارب الصحيحة أن يتغير حتى بعد أن تصبح بالغًا.

أظهر كل من سائقي التاكسي في لندن وعازفي البيانو المحترفين زيادة في حجم المادة الرمادية المرتبطة بالمهارات التي يحتاجونها لأداء مهنهم على حد سواء، وكان مقدار هذه الزيادة مرتبط بعدد سنوات الخبرة.

وفي إحدى التجارب أظهر المتقدمون بالسن زيادة في حجم المادة الرمادية في أجزاء محددة من الدماغ بعد أن تم تعليمهم كيفية الاحتيال أو التلاعب.

مع إعادة التأهيل المناسبة تمكن الأشخاص الذين تعرضوا لضرر دماغي بسبب الصدمات أن تطور أدمغتهم اتصالات عصبية جديدة وأن يستعيدوا بعضًا من مهاراتهم القديمة.

من الجدير بالذكر أن أجزاء الدماغ التي حدث فيها التغيير نتيجة التدريب والتجربة ليست هي نفسها المسؤولة عن الميول الجنسية.

لكن التغيير الناجم عن التجربة عند النساء يتظاهر بتغيير في بنية الوطاء -والذي تعلمنا أنه مرتبط بالميول الجنسية- خلال الدورة الشهرية.

حتى الآن لم تفلح محاولات «علاج» المثلية الجنسية عن طريق إجراء العمليات الجراحية على الدماغ -حيث كانت قد أجريت من قبل عمليات على الفصوص الدماغية-.

كما لم تأتِ محاولات إقصاء المثلية الجنسية عن طريق العلاج الهرموني بنتيجة أيضًا.

على الرغم من أن التغييرات الهرمونية في داخل رحم الحامل أثناء فترة معينة يمكنها أن تؤثر على الميول الجنسية في المستقبل، إلا أنه لا يكون لها أي أثر فيما بعد ذلك.

تتساوى مستويات الهرمونات الجنسية بين الرجال الغيريين والمثليين وكذلك الأمر بين النساء الغيريات والمثليات.

نحن نملك اليوم معلومات عن الدماغ أكثر من الوقت الذي كنا نعتقد فيه أن المثلية مرض ويجب علاجه، وهذه المعرفة تزداد يومًا بعد يوم.

لعلنا سنتمكن يومًا ما من ضبط الميول الجنسية عبر الجراحة أو الزروع العصبية أو التدريب.

وذلك من خلال التركيز على مناطق محددة في الدماغ مرتبطة بالميول الجنسية.

ماذا لو كان الممكن تغيير الميول الجنسية؟

حتى لو لم يكن بإمكان المثليين التوقف عن انجذابهم للأفراد من نفس الجنس من الممكن أن يتعلموا كيف يقاومون رغباتهم.

يتعلم الناس أن يتوقفوا عن التدخين، وأن يتوقفوا عن تناول أطعمة معينة، أو حتى التوقف عن خيانة شركائهم.

إذا عرّفنا المثلية على أنها الانخراط بسلوك المثليين، بالتالي يتوقف المثليين عن كونهم كذلك إذا توقفوا عن انخراطهم في هذا السلوك.

(حيث أن مفهوم المثلية كهوية أو تعريف عن النفس هو مفهوم قادم من الثقافة الغربية.

-من الممكن للأشخاص الذين يقومون بممارسة الجنس مع الجنسين أن يطلقوا على أنفسهم مثليين أو غيريين أو ثنائيي الجنس، ويعتمد ذلك على تقاليد ثقافاتهم أو البنية التحتية لها).

لكن السؤال هو هل عليهم أن يتوقفوا عن الانخراط بهذا السلوك حقًا؟

إذا استطاعوا ذلك، هل عليهم أن يغيروا من بنية أدمغتهم ليصبحوا غيريين؟.

نؤمن بأن للناس حق اختيار السلوك الذي يرغبون الانخراط فيه، لطالما تصرفاتهم لا تؤذي الآخرين، ونعتقد أن العلاقات المثلية والجنس المثلي لن يؤذي أي أحد.

لذلك المثليون الذين اختاروا أن يكونوا على هذا النحو لديهم الحق في أن يبقوا على ما اختاروه.

(بالطبع هناك علاقات مثلية مؤذية وغير صحية يجب عدم تقبلها مثلما هناك علاقات بين أشخاص غير مثليين وهي غير صحية ويجب عدم القبول بها أيضًا.)

إذا كان من الممكن تغيير الميول الجنسية فإن الأشخاص الداعمين لحقوق المثليين لايمكن أن يستندوا للحجة القائلة أنه ليس لديهم خيار فيما هم عليه.

(هذه الحجة التي تبدو وكأنها اعتذار عن كونهم مثليين وكأنما المثلية مرض غير قابل للعلاج).

في هذه الحجة هناك مايشير إلى رهاب المثلية -مضمونها أن الأشخاص المثليين كانوا سيصبحون غيريين لو تمكنوا من ذلك-.
الآن يصبح دعم الزواج المثلي مساويًا لدعم بناء كراسي متحركة للمقعدين.

ويذكّرنا التعبير القائل «أن المثليين غير مفيدين بكونهم على هذه الحال» بالرأي الذي كان سائدًا قديمًا أن المثلية هي مرض نفسي.

أنتَ لست بحاجة أن تدافع عن أفعال مثيرة للجدل بأن تقول أنه ليس لديهم سيطرة على تصرفاتهم.

في الحقيقة، عندما تقوم بذلك فأنت تعزز الاعتقاد بأن سلوكهم غير مقبول.

ليس على أحد أن يثبت أن الجينات أجبرته على التصويت لحملة انتخابية محددة، أو ممارسة طقوس دينية أو حتى اتباع حمية ما.

لا يجب إجبار الأشخاص المثليين الذين هم سعداء بكونهم كذلك على تغيير ميولهم الجنسية، المثليون الذين يرغبون أن يكونوا غيريين لهم الحق أن يتغيروا إن استطاعوا ذلك، والكلمة المناسبة لذلك هي «التغيير» وليست «العلاج».

قال أحد المدونين: «سيقول العديد من النقاد أن التذرّع بالجينات هو الوسيلة الوحيدة لحماية المثليين من هجوم الأديان عليهم».

هؤلاء النقاد لن يكونوا سعيدين من سماع ذلك: لكن العلم لايعمل بهذه الطريقة!

العلم لا يتغير فقط لدعم وجهات نظر سياسية.

تتغير معتقدات العلماء فقط عند الحصول على معطيات جديدة، وأحيانًا يخبرنا العلم أشياء لا نرغب بسماعها حتى.

اعتادوا على ذلك.