تشكّلُ الأشجارُ والغاباتُ أهميّةً كبيرة في حياتنا، ليس فقط لأنّها تخلّصُنا من غازِ ثاني أكسيد الكربون (CO2) وتزوّدنا بغازِ الأكسجين (O2) الضّروريّ لبقائنا، بل لكونها مصدرًا لراحتنا النّفسيّة وهدوءِ أعصابنا.

ومن أجل ذلك، تحظى الأشجارُ باهتمام علميٍّ بالغٍ، فقد طرحَت دراسة جديدة تساؤلاً قد لا يخطر ببالنا أبداً: هل تنامُ الأشجار؟

في الواقع، ولأوّل مرة، قام فريقٌ عالميٌّ مؤلّفٌ من مجموعة باحثين من دول عدّة تشملُ النّمسا وفنلندا وهنغاريا، بدراسةِ وتحليلِ التغيّرات التي تطرَأ على الأشجارِ أثناءَ الليل باستخدامِ تقنيّة المسح بالليزر عالية الدّقّة، وتوصّلوا إلى نتائجَ مفادُها أنَّ الأشجارَ تقومُ أثناءَ الليل بالانحناء قليلًا ثمّ ترتفعُ في النّهارِ وتعودُ إلى وضعِها الطبيعيّ.

ووفقًا لما ذكره باتريك كيغرPatrick J.Kiger ، فقد أجريت الدّراسة على شجرتين تقعان في مكانين مختلفين، الأولى في النّمسا والثّانية في فنلندا، وذلك باستخدام ماسحات الليزر ذات الدّقة العالية التي تقوم بتسجيل غمامة تتكوّنُ من أكثر من مليون نقطةِ بياناتٍ للشّجرةِ الواحدة. هذا وقد ساعدت هذه الماسحاتُ على رؤيةِ مدى تحرّك الشّجرتين طوال الوقت، حتى ولو كان مقدارُ هذه الحركة ضيلًا.

وبعد أخذ جميع الدّلالات بعين الاعتبار، وجدَ الفريق ميلانًا في الشّجرتين يقدّرُ بحوالي 10 سنتيميترات (3,93 إنشًا) أثناءَ الليل، ولوحظَ أيضًا أنَّ أخفضَ نقطةٍ وصلت إليها الأشجارُ كانت قبل فترةِ الفجر، وفي الصّباحِ عادتِ الأشجار بشكل تدريجيٍّ إلى استقامتها الطبيعيّة.

ويشيرُ إيتو بوتنين Eetu Puttonen، التّابع للمؤسّسة الفنلنديّة للأبحاثِ الجيومكانية، أنَّ هذه النتائج قد أظهرت انحناءَ الشّجرة بكاملها ليلًا، ويمكن رؤية ذلك بتغيّر موقع الأوراقِ والأغصَان ، ويستطردُ موضّحًا أنَّ هذه التغيّرات ليسَت كبيرةً جدًا، فهي بلغت فقط ما يقاربُ 10سم بالنّسبة للأشجارِ التي يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار، إلا أنّها ممنهجة ومنظمّة بشكلٍ يعكسُ دقّة الأجهزةِ المستخدَمة.

لقد ساعدَ إجراء الدّراسة على أشجارٍ في أماكنَ مختلفة وتحت ظروفٍ مثاليّةٍ على استبعادِ الفريق للعواملِ البيئيّة التي يرجّح إمكانيّة دورها في ظهور هذه النّتائج، وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ هذه النتائجَ جاءت بعد دراسة شجرتين فقط أي أنَّ العيّنة المختارة كانت صغيرة جدًا.

وينوّه إيتو مجدّدًا إلى أنَّ الخطوة التّالية تتمثّل بجمع الغيمة النقطيّة للشّجرة( وهي مجموعة من النّقاط ثلاثيّة الأبعاد التي تنشأ من مسح سطح الجسم عبر الماسح ثلاثيّ الأبعاد) بشكلٍ متكرّرٍ مع مقارنةِ النّتائج بمقدارِاستهلاكِ الماء أثناء الليل والنّهار، وهذا سيتيح لنا فهمًا أفضلَ حول الأشجارِ واستهلاكها اليوميّ للماءِ وتأثيرها على المناخِ المحليّ والإقليميّ.

ولكن هل هذا يعدّ نوماً ؟

ليسَ بالشّكل الذي نعرفه نحن عن النّوم، وإذا ثبتت صحّة النتائج السّابقةِ فإنها حتمًا ستكون دورة ليلية لهذه الأشجار Night Cycle، فقد صرّحَ أندي كولان Andy Coghlan للمجلّة العلميّة (New Scientist) أنَّ هذا الانحناءَ جاءَ نتيجة لفقدان ضغطِ الماء الداخليّ ضمنَ خلايا الأشجار، ويطلق على هذهِ الظّاهرة لقبَ ضغط الامتلاء Turgor pressure، وتعتبرُ واحدةً من الظواهر الشّائعة بين معظم النّباتات .

يشاهدُ ضغط الامتلاء بشكلٍ رئيسيٍّ عند توقّفِ عمليّة التّركيبِ الضّوئيّ مما يؤدّي إلى انخفاضِ الضّغط وبالتالي حدوث الانحناء. و يوضّح أندراس زلينسكي Andras Zlinszky، من مركز الأبحاث البيئيّ في هنغاريا لمجلة (New Scientist )، أنَّ هذه النتائجَ تبيّن قلّة صلابة أغصانِ الأشجار وقدرتها على الانحناءِ تحتَ تأثير وزنها.

يقترح الفريق أيضًا أنَّ انحناءَ الأشجارِ قد يكون نتيجة لإراحةِ الأشجار لأغصَانها، حيث تقومُ الأخيرة برفعِ أغصَانها وأوراقها خلال النَّهار لامتصاصِ أكبر قدرٍ ممكنٍ من الطاقة الشّمسيّة، بينما يعتبرُ القيام بهذه الآلية أثناءَ الليل هدرًا لطاقتها. كما ويتطلبُ هذا الأمرُ إجراءَ المزيد من الدّراسات لتوضيحِ ما يجري بشكلٍ دقيق.

وختامًا، يمكننا القول أنَّ الأشجارَ تتحرّكُ أثناءَ الليل بطريقة تبدو لنا وكأنّها نائمة، إنّما تعتبرُ هذه الحركة مؤشّرًا فعليًّا على وجود دورةٍ ليليّة لم نتمكّن من تسجيلها حتّى الآن.


إعداد: سيرين خضر
تدقيق: ميس كروم
مصدر الدراسة