في العام 2016، فاجأ فريق مرصد LIGO العالم برصد موجات الجاذبية، وسعد الجميع بإعلانهم عن أول اكتشاف لموجات الجاذبية على الإطلاق التي نتجت عن اصطدام ثقبين أسودين قبل مليارات السنين. إلى جانب هول هذا الاكتشاف الكبير وجوائز نوبل التي حصدوها، جاءت مفاجأة صغيرة غريبة. وجدوا كتلًا غريبة جدًا للثقوب السوداء، وهي غريبة بما يكفي لأنها فتحت احتمالًا مدهشًا: الثقوب السوداء التي رصد LIGO تصادمها ربما تشكّلت عندما كان عمر الكون أقل من ثانية واحدة فقط.

ملخص لآلية تشكل الثقوب السوداء:

نعلم كيف تتكون الثقوب السوداء في الكون الحديث. تبدأ بنجم يجب أن لا تقل كتلته عن ثمانية أضعاف كتلة الشمس، وعندما تنتهي موارد هذا النجم من وقود الهيدروجين عبر عشرات الملايين من السنين، يدمر النجم نفسه في انفجار هائل من الطاقة في حدث يسمى المستعر الأعظم.

في لهيب هذا الانفجار، قد تصل كثافة النواة إلى درجة كبيرة بما يكفي ليفشل أي شيء -أي شيء على الإطلاق- في مقاومة الجاذبية الداخلية للنجم. لذلك في الوقت الذي تنفجر فيه معظم طبقات النجم إلى الخارج، ينهار جزء منه إلى الداخل على نفسه، منطويًا إلى ثقب أسود. وكلما كان حجم النجم أكبر، زادت كتلة الثقب الأسود، وهو ما يجعل نتائج LIGO مثيرة حقًا للاهتمام.

كتلة تلك الثقوب السوداء المتصادمة تبلغ 30 و35 ضعف كتلة الشمس على التوالي. ولتبلغ كتلة الثقب الأسود هذه، فهو تكوّن إما من نجم عملاق فائق الكتلة أكبر من كتلة الشمس بنحو 100 ضعف، أو من اندماج الكثير من الثقوب السوداء الصغيرة.

لكن في بدايات الكون، كان من غير الممكن أن ينشأ هذان الثقبان الأسودان عبر السيناريوهات السابقة. إذ إن النجوم فائقة الكتلة لم تكن موجودة في الكون في ذلك الوقت، والاندماجات النووية كانت غير موجودة من الأساس لتكوين ثقوب سوداء فائقة الكتلة، ولكن قد يكون لهذه الثقوب السوداء أصل مختلف.

الانفجار العظيم: آلة تكوين الثقوب السوداء

بدايات الكون المبكر مكان مجنون للغاية. درجات الحرارة عالية والضغط هائل إلى حد يفوق التصور. مرحلة من التغيرات التي هزت الكون بأسره، والتحولات التي أعادت كتابة قوانين الطبيعة ذاتها.

في ذلك الوقت، إذا كانت الظروف مناسبة، قد تتقلص أي بقعة غاز قديمة تلقائيًا لتشكل ثقبًا أسود من أي حجم، مما يزن بضعة كيلوغرامات فقط إلى ما يزن آلاف أضعاف كتلة الشمس.

لكل فيزيائي نظري يعمل على حل مشكلة ما يسمى الثقوب السوداء البدائية، هناك واحدة من الآليات الافتراضية على الأقل التي تشرح آلية تشكلها، تتضمن كل شيء من نظرية التضخم الكوني إلى الأكوان المتصادمة.

لذلك، من السهل أن تشرح الثقوب السوداء البدائية النتائج المبكرة لمرصد LIGO، فتجد نظريةً تجعل الثقوب السوداء في النطاق والوفرة المناسبين، وخلال بضع مليارات من السنين، وستكون ملزمًا بالحصول على حدث اندماجهما. ولكن إذا كنت ترغب بملء الكون بالثقوب السوداء من الانفجار العظيم، تحتاج إلى أكثر من ذلك.

كيف سيبدو الكون الذي تغمره الثقوب السوداء البدائية ؟

نحتاج إلى إجابة هذا السؤال إذا أردنا اختبار الفرضية، لسبب واحد، قد تصطدم الثقوب السوداء عشوائيًا بأشياء أخرى، وتجذب أشياء أخرى عبر جاذبيتها، وتتسبب في الفوضى عمومًا.

يمكن أن تؤدي الثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها 1 كيلوغرام فقط إلى حدوث زلازل في كوكب الأرض. قد يؤدي الثقب الأسود الصامت إلى تفكيك أزواج ثنائية من النجوم أو تعطيل مجرات قزمة بأكملها. وقد يؤدي اصطدام ثقب أسود بنجم نيوتروني إلى انفجار هائل. حتى الكوكب التاسع الافتراضي يمكنه أن يكون ثقبًا أسود وبحجم ليس أكبر من كرة تنس.

توجد ميزة إضافية عندما يتعلق الأمر بإمكانية اكتشافها، فإن الثقوب السوداء ليست سوداء بالكامل، فقد تتوهج توهجًا خافتًا للغاية، نتيجة لعملية إشعاع هوكينغ. لا تتوهج الثقوب السوداء الكبيرة على الإطلاق، إذ تشع كتلة واحدة من كتلة شمسنا بمقدار فوتون واحد كل عام، وتستغرق 60(10) عامًا لتفقد كتلتها كاملة. لكن الثقوب السوداء الأصغر يمكن أن تفقد كتلتها في وقت أقل بكثير، ما يؤدي إلى إطلاق موجة من الطاقة في هذه العملية.

قد تكون انفجارات الثقوب السوداء تسببت باضطرابات في بدايات الكون، ما أدى إلى تغيير في وفرة العناصر أو ظهور إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. أو قد تكون مسؤولة عن بعض انفجارات أشعة جاما التي نراها في سمائنا.

ولكن للأسف، على الرغم من كل المحاولات، لا يمكننا التوفيق بين وجود الثقوب السوداء البدائية والكون الذي نراه. بالنسبة لكل طرق الرصد الممكنة، تسبب الثقوب السوداء البدائية الكثير من الفوضى التي يمكننا ملاحظتها. بعبارة أخرى، على الرغم من صعوبة تفسير كتل الثقوب السوداء المندمجة التي رصدها LIGO، إذا كنا نرغب بأن يكون الكون الذي يحتوي على تلك الثقوب السوداء بدائيًا، فستكون قابلة للاكتشاف بطرق أخرى.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أكبر تصادم لثقب أسود على الإطلاق

موجات الجاذبية (الثقالية) تفتح لنا شبّاكًا على الماضي، لكن هل سنتمكن من التقاط تموجات الانفجار العظيم؟

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: حسين جرود

المصدر