هل سبق لك أن رأيت صورةً للقديسة مريم العذراء في صحن الجبنة؟ أوهل لاحظت وجهًا لرجلٍ يصرخ على زهرةٍ لنبات ما؟

لا تقلق، إنها الظاهرة الشائعة لدى البشر، ولا تحصل لديك فقط، ولا تحسب أن البشر، هم وحدهم من يختبر هذه الظاهرة، فالقرود تلاحظها أيضا!.

يرى العلم أن ظاهرة (البارادوليا – Pareidolia) -ظاهرةُ رؤيةٍ لكائناتٍ حيةٍ مرتسمةٍ على الجماد- ما هي إلا عملية إدراكٍ خاطئةٍ يقوم بها الدماغ، فيرى وجوهًا غير موجودةٍ، كرؤية أشباحٍ في صورةٍ مشوشةٍ، أو رؤية رجلٍ على سطح القمر!.

ولمعرفة فيما إذا كانت هذه الظاهرة خاصةً بالبشر، قامت (جيسيكا توبرت – Jessica Taubert)، و زملاؤها في المعهد الوطني للصحة العقلية في ماريلاند، بالولايات المتحدة، بتدريب مجموعةٍ من قرود (المكاك الريزيوسية)، على التحديق في مجموعةٍ من الصور.

أظهرت بعض الصور جمادًا يظهر عليه وجه (ظاهرة بارادوليا)، وبعضها أظهر الجماد نفسه، لكن دون الوجه، فيما عرضت بقية الصور، وجوهًا لقرود أخرى.

نحن نعرف مسبقًا أن البشر والقرود كلاهما سينظر مدةً أطول إلى الصور التي تظهر وجهًا، مقارنةً مع الصورة المماثلة التي لا تظهره، وقد قام العلماء بعرض الصور على القرود على شكل أزواجٍ بكل طريقة ممكنة، – بلغ عدد الطرق 1980 طريقةً-، ثم قاموا بقياس مدة نظر القرود إلى كل زوجٍ منها.

والمثير للدهشة، أن القرود أمضت وقتًا أطول في النظر إلى تلك الوجوه المخادعة (المرتسمة على الجماد)، مقارنةً بالوقت الذي أمضته في النظر إلى وجوه القرود، وقد فسر الباحثون ذلك بأن القردة تحتاج وقتًا أطول لدراسة هذه الوجوه الغريبة، أو قد يكون السبب ببساطة، أن القرود تكره التفرس في نظرات قردٍ آخر.

وقد توصل فريق الباحثين -من خلال مسح أنماط النظرات لدى القرود-، إلى أن القردة كانت تركز على منطقة العينين، والفم في الوجوه الكاذبة، وهذا تماما ما يفعله البشر عند رؤية وجوهٍ حقيقةٍ.

ويرى عالم النفس في جامعة لانشتر البريطانية (فينسينت ريد – Vencent Reid) أن هذا الأمر ليس مفاجئًا، إذ يعرف عن قرود المكاك، أنها كائناتٌ اجتماعيةٌ، وأضاف: “تعتمد قرود المكاك – تماما كما البشر- على المعلومات التي تحصل عليها من الوجه؛ لإقامة علاقاتها الاجتماعية”، وإن دماغنا –بصفتنا بشرًا- يعطي الأولوية لرؤية الوجوه منذ صغرنا، فالأطفال يستطيعون تمييز الوجوه منذ وجودهم داخل الرحم، إذ أظهرت الفحوصات، أن الأجنة تميل إلى الالتفات إلى الأشكال التي تشبه وجوهًا، وذلك عندما تشع نقاطًا من الضوء عبر جلد الأم الحامل باتجاه الجنين، في حين أنها تهمل الأشكال العشوائية، وإن القدرة على ملاحظة الوجوه وتفسيرها بسرعةٍ، تعطي معلوماتٍ هامة؛ لمعرفة فيما إذا كانت مجموعة الكائنات المدروسة عدائيةً أو لا، وإن حقيقة أن القرود تستطيع إدراك الوجوه في أشياء جامدةٍ تؤكد الميزة البيولوجية التي تتمتع بها الحيوانات الاجتماعية، التي تجعلها تميل إلى تعقب وجوه الكائنات التي تقترب منها.

وختم ريد الحديث بقوله: “ظاهرة البارادوليا تؤكد أن الميل إلى الحياة الاجتماعية متأصلٌ في طبيعتنا البشرية”.


  • إعداد: عيسى ضومط
  • تدقيق: رجاء العطاونة
  • تحرير: جورج موسى
  • المصدر