أجريت مؤخرًا دراسة أسترالية تم فيها إجراء اختبارات مسح للدماغ لمعرفة ما يجري تمامًا خلال نوبة الهذيان – اكتشاف قد يوفر علاج لحالة وصفت منذ آلاف السنين.

حيث يعاني أكثر من نصف المرضى المقبولين في المشافي فوق الـ 65 عام من هذا الاضطراب العصبي، حيث يعد الهذيان مشكلة حقيقية بحاجة لحل لدى المسنين ويبدو أن اللوم يقع على الاستقلاب الضعيف.

الهذيان هو حالة من التخليط الذهني الشديد المترافق مع تقلبات في الوعي وأحيانًا مترافق مع الهلوسات.

وعادة ما يصادف بوجود ارتفاع شديد للحرارة أو بوجود مرض خمجي (جرثومي أو فيروسي).

وبينما تعتبر جميع المشاكل السابقة المرتبطة بالهذيان متواجدة مع إنتان الدم إلا أن الأعراض قد تنتج عن أشكال أخرى من الأذية الدماغية أو الاضطرابات العصبية بما فيها داء الزهايمر.

وصفت هذه الحالة لأول مرة في القرن السادس عشر، ولكن بالعودة لـ 2500 سنة للوراء حيث صنفها العالم الشهير هيبوكراتيس ضمن اضطرابات التهاب الدماغ والتي تتضمن نفس الأعراض بما فيها الهلوسات والأرق المسبب بالالتهاب والحمى.

وأشار العلماء القدماء إلى أن الحالة تعود لاضطرابات السوائل والسموم في الجسم، ومع تقدم العلم حتى الآن لا تزال الآراء مختلفة حول تعريف واضح لآلية المرض لهذه الحالة.

الدراسات الحديثة وضعت احتماليات للمسببات المتورطة في هذه الحالة بدءًا من الإشارات الدماغية الخاطئة بين الأعصاب وصولًا إلى التهاب النسيج الدماغي.

وجدت الدراسات علاقة بين الهذيان و نقص التروية الدموية وانخفاض نسبة الأكسجة مما أدى إلى اعتقاد أن ضعف الاستقلاب يلعب دورًا أساسيًا في الآلية الإمراضية.

إضافة إلى تراكيز الإنزيم الذي يساعد على استقلاب الغلوكوز اللاهوائي و ارتفاع تراكيز حمض اللاكتات أيضًا ترجح وجود علاقة بين الهذيان والخلل الاستقلابي.

ويوضح الباحثون أن البحث مازال ضئيل فهو لا يتضمن سوى مسبب واحد للحالة ولنوع من أنواع الهذيان وليس كل أنواعه ولا يتوافق مع التظاهرات التشريحية أو السريرية ويعتبر الباحثون أن الفرضية الاستقلابية مضمونة لتفسير حدوث هذه الظاهرة.

استخدم الباحثون التصوير المقطعي البوزيتروني (pet) للحصول على نظرة أقرب على أدمغة 13 مريض مقبول في المشفى بشكوى الهذيان.

وتحرى المسح عن قبط الغلوكوز(جمعه) من قبل أدمغة المرضى وذلك في سبيل رسم خريطة استقلابية تعبر عن كامل النشاط الدماغي لديهم.

وركز الباحثون على نشاط القشرة الحزمية الخلفية والتي تلعب دورًا كبيرًا في النشاطات التنفيذية والوعي الذاتي.

وقد عرف عن هذه المنطقة وجود دور لها في أمراض الوعي والذاكرة والاضطرابات الحسية كداء الزهايمر ومرض نقص الانتباه المترافق بفرط النشاط ومرض السكيزوفرينيا.

وجد الباحثون أنماط مختلفة من نقص الاستقلاب في القشرة الحزمية الخلفية لدى المرضى الذين يعانون من الهذيان.

ورغم صغر حجم العينة التي أجريت عليها الدراسة إلى أن هذه الدراسة متوافقة مع الدراسات السابقة مما يشير إلى أن الفريق يسير على الطريق الصحيح.

وعلى الصعيد الاقتصادي يكلف الهذيان ما يقارب الـ 146 مليار دولار من الاقتصاد الامريكي سنويًا.

إن الحالة قابلة للوقاية في 30 إلى 40% من الحالات ولكن المشكلة أنها لا تشخص في ربع الحالات وتصل إلى 90% من الحالات عندما يحدث الخرف.

وكون المرض غير قابل للعلاج حتى الآن هذا ما يدفعنا إلى المزيد من البحث والتجربة ، حيث تجرى على الحالات حاليًا إعطاء الأنسولين عبر الرذاذ الأنفي لمعرفة ما إذا كان سيفيد في زيادة قبط الغلوكوز من قبل الدماغ.

نشرت الدراسة في دورية الاستقلاب و الجريان الدموي الدماغي.