تقدم لنا الطبيعة العديد من الممتصات الطبيعية للكربون، التي يمكنها مساعدة البشر على تقليل التغير المناخي. يستطيع البشر صناعة ما يشبه هذه الممتصات الطبيعية، لسحب الكربون من الغلاف الجوي بكفاءة أعلى. ولكن ما الذي سيترتب على تطبيق هذه الفكرة التي تكاد تكون أقرب إلى الخيال العلمي؟ وكم يجب أن نصنع من هذه المواد -وما تكلفتها؟- لإحداث انخفاض في وتيرة التغير المناخي؟

زراعة تريليون شجرة تعد إحدى طرق تخزين الكربون. (Image: © Shutterstock)

زراعة تريليون شجرة تعد إحدى طرق تخزين الكربون. (Image: © Shutterstock)

بحثت الاقتصادية سابين فوس عن إجابات عن هذه التساؤلات في العامين الماضيين مع فريقها البحثي في معهد مركاتور للأبحاث في تغير المناخ والاحتباس الحراري، الذي كان جزءًا من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC التابعة للأمم المتحدة لتقيم مخاطر وتأثيرات الاحتباس الحراري.

بعد تقرير اللجنة لعام 2018 وهدف اتفاقية باريس الجديدة المتمثل في الحفاظ على الاحتباس الحراري عند درجة 1.5 درجة سيليزية أو أقل، كُلفت فوس بمهمة إيجاد الاستراتيجية الأفضل والأكثر فاعلية للتخلص من الكربون.

يعد التشجير وإعادة التشجير من أحواض امتصاص الكربون الطبيعية المعروفة، فعدد كبير من الأشجار يمكنه الحد من انتشار غازات الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون) داخل الغلاف الجوي من خلال عملية البناء الضوئي، الذي يعد تفاعلًا كيميائيًا، تستخدم فيه الطاقة الشمسية ليحوّل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكر وأكسجين. ووفقًا لدراسة نشرت عام 2019 في مجلة العلوم، فإن زراعة تريليون شجرة من شأنه تخزين ما يقارب 250 مليار طن من الكربون، أي ما يقارب ثلثي الكربون الذي أطلقه البشر في الغلاف الجوي منذ بدء الثورة الصناعية.

تدبيرات الأراضي الزراعية تعد طريقة أخرى طبيعيةً لإزالة الكربون، منخفضة المخاطر نسبيًا، وبالفعل أبدت فاعليتها وفقًا لجان زيلكوفا، عالمة بيئات الأرض ورئيسة العلماء في منظمة كربون 180.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة كربون 180 هي منظمة غير ربحية تدعم استراتيجيات مماراسات التخلص من الكربون في الولايات المتحدة، مثل تناوب الرعي وتقليل الحرث وتناوب ري المحاصيل، التي تؤدي لزيادة الكربون المأخوذ في عملية البناء الضوئي، وهذا الكربون يخزن في النهاية في الجذور ثم يتحلل في التربة. وقد وجدت الأكاديمية الأمريكية العالمية للعلوم أن الكربون المخزن في التربة كان يقارب 10% من صافي الانبعاثات السنوية الأمريكية -أو نحو 632 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون- بتكلفة منخفضة.

قالت فوس إن سحب الكربون اعتمادًا على الطرق الطبيعية، مثل تشجير الغابات وإعادة تشجيرها، يمكن أن يتضارب مع الأهداف السياسة الأخرى، كصناعة الغذاء مثلاً، وأن اعتماد تلك الاستراتيجية على نطاق أوسع يتطلب استخدام كثير من الأراضي والتي غالبًا ما تكون مستخدمة مسبقًا. لهذه الأسباب يعد استخدام أساليب إزالة الكربون المعتمدة على التكنولوجيا أمرًا مهمًا من خلال أخذ الكربون مباشرة من الهواء وتخزينه.

على سبيل المثال تعمل تفاعلات كيميائية على شفط ثاني أكسيد الكربون من الهواء إلى المرشّحات، وحين ترتفع حرارة المرشح يمكن التقاط ثاني أكسيد الكربون وضخه تحت الأرض. توجد حاليًا 15 محطة تعمل على التقنية المعتمدة على الهواء مباشرةً في جميع أنحاء العالم، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

تنتج لدينا أيضًا طاقة حيوية مع عملية التقاط الكربون وحجزه، إذ يمكن بهذه التقنية زيادة زرع الأشجار والنباتات، ما يؤدي لإنشاء حوض امتصاص كربون طبيعي، ومن ناحية أخرى يمكن حرق المواد العضوية لإنتاج الحرارة أو ما يعرف بالطاقة الحيوية أثناء الاحتراق، إذ تخزن الانبعاثات وتحجز تحت الأرض.

إحدى الطرق الأخرى المتمثلة في احتجاز الكربون تظهر فيما ما يسمى بالتمعدن؛ وهي عملية يتم فيها زيادة أسطح المعدن المتاح للتفاعل الكيميائي مع ثاني أكسيد الكربون. وبعد ذلك يخزّن ثاني أكسد الكربون المعدني تحت الأرض.

لكنّ أيًا من تلك التقنيات لم تنفذ على نطاق واسع، فهي عالية التكلفة للغاية، إذ إن كل طن مزال من ثاني أكسيد الكربون سيكلف نحو 400 دولار، ولا سيما أن هذه التقنيات ما زالت تتطلب الكثير من البحث والدعم قبل البدء في اعتمادها. قالت زيليكوفا: «إن الولايات المتحدة هي مثال جيد على كيفية العمل بحلول كثيرة لإزالة ثاني أكسيد الكربون، إذ يمكن استخدام الأراضي الزراعية في الوسط الغربي؛ بينما تعد صخور البازلت مثالية للتمعدن في الشمال الغربي؛ وحقول النفط في الجنوب الغربي بالفعل معدة بالتكنولوجيا والعمال المهرة لتخزين الكربون تحت الأرض».

وفي نهاية المطاف، يجب أن تجمع كل الدول استراتيجياتها الخاصة لإزالة ثاني أكسيد الكربون معًا، لأنه لن ينجح أي تدخل بمفرده. وفقًا لما قالته فوس: «باعتماد أي نموذج بمفرده سوف يكون لدينا كارثة، فقد تستهلك مساحات شاسعة من الأراضي أو قد تكون التكلفة باهظة للغاية».

من ناحية أخرى أظهر بحثها أن تشجير الغابات وإعادة تشجيرها سيكون أكثر فعاليةً في المناطق الإستوائية، إذ إن الإشعاعات الشمسية تختلف أكثر في خطوط العرض الشمالية وهذا يعني أن زيادة انعكاس الضوء إلى الفضاء في تلك البلدان سيجعلها تحظى بأفضلية استعمال الطرق التقنية، مثل حجز الكربون واستخدام الطاقة الحيوية.

حاجتنا إلى نشر تلك الحلول ملحّة للغاية، تقول فوس: «إن ميزانية الكربون العالمية، وكمية ثاني أكسيد الكربون الناتج من البشر الذي يلزم أن ينبعث قبل أن ترتفع الحرارة 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة، يساوي نحو 300 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون». وتابعت قائلةً : «في السنوات الأخيرة، أطلقنا 40 مليار طن. ولم تتبق إلا بضع سنوات على كسر حاجز 800 مليار طن».

تقول دراسة حديثة في مجلة التقارير العلمية، أن أي تأخر وإن دام بضع سنوات قد يكون خطيرًا للغاية، إذا كنا نريد تحقيق إتفاقية باريس. وبناءً على نموذجهم المناخي يتنبأ القائمون على الدراسة قائلين: «حتى إذا توقفنا عن بعث غازات الاحتباس الحراري ستزداد درجة الحرارة 3 درجات وسيرتفع مستوى البحر 3 أمتار وهو أعلى بـ 2500 مرة مما كان عليه عام 1850، أما لعكس أثار التغير المناخي فتجب إزالة 33 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري هذا العام وتكرار ذلك سنويًا لنكون على المسار الصحيح».

لا يجدر أن نتغافل عن كون هذه الأساليب ليست جاهزةً ولا يوجد إجماع حول كيفية دفع تكاليفها. بينما هناك إجماع بين العلماء على الخطوة التالية: أننا نحتاج إلى وقف مزيد من الانبعاثات فورًا. أما فوس فعلقت قائلة: «الانبعاثات أمر لا مفر منه في حياتنا اليومية وعنصر رئيسي في بنيتنا التحتية؛ لذلك تأتي إزالة الكربون في مقدمة الأولويات».

اقرأ أيضًا:

الماضي هو مفتاح التنبؤ بمناخ المستقبل

أثر ذوبان الجليد في المناخ

ترجمة : آية قاسم

تدقيق : إدريس زويتن

المصدر