بالرغم من حدود معرفتنا بكوننا، فقد توصلنا فعلًا لمعرفة أقل درجة حرارة ممكنة وهي الصفر المطلق أي 0 درجة على مقياس كلفن (وهي تعادل 373.15- درجة مئوية) ولكن ماذا عن أعلى درجة حرارة ممكنة؟

وللإجابة عن سؤالنا، فإنَّ الفيزياء التي بين أيدينا تبدو غامضة بعض الشيء فيما يتعلق بأعلى كمية من الطاقة الحرارية قد نقيسها، ولكن نظريًا، يوجد شيء من هذا القبيل -أو على الأقل كان موجودًا- ولو لمرّة واحدة وهي ما تسمّى «درجة حرارة بلانك»، ولكن كما هو الحال مع كل شيء في الحياة، فهي كذلك ليست بهذه البساطة.

بدايةً لا بدَّ من طرح سؤال، ما هي درجة الحرارة؟

وأول ما يحضر بأذهاننا عند التفكير بدرجة الحرارة هو أنها وصف يعبّر عن كميّة الطاقة الحرارية التي يحتويها جسم ما.

إنَّ استيعابنا للحرارة أو «الطاقة الحرارية» يُعد جزءًا مهمًا من الشرح، فإنّ فهمنا البديهي للحرارة هو أنها تتدفق من مصادر ذات درجات حرارة أعلى إلى تلك ذات درجات الحرارة الأقل، مثل تبريد كوب الشاي الساخن من طريق النفخ عليه.

ومن الناحية الفيزيائية، نعد الطاقة الحرارية متوسط الحركات العشوائية في نظام ما، عادة هذه الحركات تكون بين الجسيمات مثل الذرَّات أو الجزيئات. إذ إنه بوضعنا لجسمين بكميّات متفاوتة من الطاقة الحرارية بالقرب من بعضهما ليتلامسا، سوف تتحد الحركات العشوائية بينهما حتى يتوازن كلا الجسمين، فيصبح فيهما نفس متوسط الحركات العشوائية ومن ثم نفس الطاقة الحرارية، وعلى هذا النحو يكون قد حدث الانتقال الحراري بينهما.

وباعتبارنا للحرارة شكلًا من أشكال الطاقة، فإنَّ وحدة قياسها هي «الجول» .

من ناحية أخرى، فإنَّ «درجة الحرارة» نظريًا تصف انتقال الطاقة من المناطق الأكثر سخونة إلى تلك الباردة.

وتوصف عادةً بأنها مقياس، بوحدات مثل الكلفن أو سليزيوس أو فهرنهايت. فمثلًا «درجة حرارة» لهب الشمعة كبيرٌ جدًا مقارنة بجبل جليدي، لكن كمية «الطاقة الحرارية» الموجودة في فتيلها المشتعل لن تُحدِث فرقًا كبيرًا عند وضعها على هذا الجبل الجليدي.

بعد ذلك إذن، ما هو الصفر المطلق بالضبط؟

الصفر المطلق هو «درجة حرارة»، ومن ثم فهو مقياس للانتقال النسبي للطاقة الحراريّة.

من الناحية النظريّة، فإنّه يُشير إلى نقطة على مقياس درجة الحرارة حيث لا يمكننا بعدها إزالة المزيد من الطاقة الحرارية من النظام، وهذا ما تخبرنا به قوانين الديناميكا الحرارية.

أما عمليًا، فإنّ هذه النقطة الدقيقة يَستَحيل الوصول إليها، لكن يمكننا الاقتراب منها كثيرًا، وكل ما نحتاج إليه للوصول إلى ذلك هو طرق لتقليل متوسط كمية الطاقة الحراريَّة المنتشرة بين جزيئات النظام، ربما باستخدام الليزر، أو باختيار النوع الصحيح من المجال المغناطيسي المتقلِّب.

وعلى كل حال، يوجد دائمًا متوسط للطاقة الحرارية سيجعل درجة الحرارة أعلى بجزء بسيط من الحد النظريّ المتوقّع لها.

وبعد تعرّفنا على مفهوم الصفر المطلق، ما هي أعلى درجة حرارة يمكن قياسها؟

بالاعتماد على اعتبارنا أن الصفر المطلق هو الحد الذي لا نستطيع بعده سحب الطاقة الحرارية من نظام ما، فمن المنطقي أن يكون هناك حد آخر لا نستطيع بعده ضخ الحرارة في نفس هذا النظام أو (الحد الأعلى من الطاقة الحرارية التي قد يمتلكها نظام ما).

في الحقيقة لدينا طريقتان لمعرفة هذا الحد، تختلفان تبعًا لنوع النظام الذي نتحدث عنه بالضبط.

أول هذه الطرق هو معرفة ما يسمّى «درجة حرارة بلانك» وهي تعادل 1.417×10³² كلفن (أي 141 مليون مليون مليون مليون مليون درجة).

هذا ما نشير إليه غالبًا باسم «الحرارة المطلقة».

في كوننا اليوم، لاشيء يقترب حتّى من هكذا نوع من درجات الحرارة، لكنها كانت موجودة على الأقل في فترة وجيزة من فجر الكون، هذه الفترة _وهي جزء صغير جدًا من الثانية_تعادل وحدة واحدة من «زمن بلانك» وذلك عندما كان حجم الكون يعادل وحدة واحدة أيضًا من «طول بلانك» ، عندها كانت الحركات العشوائية لمحتوياته في أقصى حدودها، وبالتالي كانت في أعلى درجات سخونتها، وعندها تكون القوى مثل الكرومغناطيسيّة والقوى النووية على قدم المساواة مع قوّة الجاذبية، لا شكَّ أن الأمر يبدو ضبابيًا بعض الشيء لأنّ تفسير ذلك يتطلب فيزياء أكثر تطورًا لم نصلها لحد الآن بعد، تلك الفيزياء التي توحِّد ما نعرفه عن ميكانيكا الكمّ مع النسبيَّة العامة لأينشتاين. هناك أيضًا بعض الشروط الخاصّة والمحددة جدًا، فلن يكون هناك زمان ومكان مقيدان حينها.

في وقتنا هذا أفضل ما يمكن للكون تقديمه هو بضع ترليونات تافهة من درجة الحرارة تلك التي تنطلق عندما نسحق الذرات معًا في المصادم.

أما الطريقة الأخرى هو النظر إلى عكس الصفر المطلق.

فعندما ننظر إلى مفهوم الحرارة من جهة الطريقة الثانية، فإن فهمنا لمسألة الحرارة ينقلب رأسًا على عقب.

فباعتبارنا أنّ الطاقة الحرارية تمثل متوسط الحركات العشوائية بين أجزاء النظام، كل ما يتطلبه الأمر هو أن تتحرك نسبة مئوية صغيرة جدًا من جزيئات هذا النظام عشوائيًا، هذه النسبة تجعل النظام يتأهل ليكون ذا حرارة.

إذن ماذا يحدث في حال قلبنا هذه الحالة وجعلنا نسبة الجزيئات ذات الحركات العشوائية الكبيرة أكثر بكثير من الجزيئات البطيئة؟

هذا ما يسميه العلماء بتوزيع «ماكسويل-بولتزمان» المقلوب، والغريب في الأمر أنه موصوف باستخدام قيم تقل عن الصفر المطلق.

ولكن يبدو أن هذا النظام الغريب لا يعترف بقواعد الفيزياء، فإننا لا نحسبه كميًا باعتبار أنه من السالب إلى الصفر المطلق فحسب، بل إنه تقنيًا أسخن من أيّ قيمة موجبة، فهو حرفيًا أحرّ من الحرارة نفسها.

خطأ إحصائي مثل هذا لا نجده في أي ركن من أركان الكون، لأنه ببساطة يتطلب كمّية لا نهائية من الطاقة.

وبالرغم من ذلك هذا لا يمنعنا من ثني القواعد قليلًا فنصنع شيئًا من ذلك القبيل، ففي عام 2013 عُرض المقترح من قبل الفيزيائيين في جامعة «لودفيج ماكسيميليان» في ميونيخ ومعهد «ماكس بلانك» للبصريات الكمية في ألمانيا إذ استخدموا الغازات الذرية في ظروف محددة للغاية، التي بدورها جعلتهم يفرضون الحدود العليا لطاقتهم.

وكانت نتائج هذه التجربة نظامًا مستقرًا من الجسيمات مع قدر كبير من الطاقة الحركية وأصبح من المستحيل ضخ المزيد منها مرة أخرى. الطريقة الوحيدة لوصف الترتيب التي كانت عليه هي باستخدام مقياس درجة حرارة يتجه إلى سالب كلفن ، أو عدة أجزاء من المليار درجة أدنى الصفر المطلق.

يمكن نظريًا لمثل هذا النظام الغريب أن يمتص الطاقة الحرارية ليس من المساحات الأكثر سخونة فقط، بل وأيضًا من الأماكن الأكثر برودة، الأمر الذي يجعله وحشًا حقيقيًا بين درجات الحرارة العالية جدًا.

يمكن للآلة في مثل هذه الزاوية الشيطانية من الكون أن تعمل بكفاءة تزيد عن مئة في المئة لأنها تتغذى من الحرارة والبرودة على حدٍ سواء، فتبدو وكأنها تتلاعب بقوانين الديناميكا الحرارية.

اقرأ أيضًا:

درجة الحرارة – فيزيائيًا.. ما هي درجة الحرارة؟

بعد مئات السنوات من النقاش ، الصفر المطلق مستحيل رياضيا

ترجمة: هشام جبور

تدقيق: بدور مارديني

ترجمة: عون حدّاد

المصدر