أظهرت دراسة جديدة عن فترة انتشار فيروس كورونا، أن الأشخاص الذين يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للهروب من الشعور بالملل، يجنبون أنفسهم عن غير قصد التقدم إلى مستويات عميقة من الملل، وهذا يفتح الباب أمام نشاط هادف، وأكثر إبداعًا.

مؤلفو الورقة البحثية، والقائمون على الدراسة: هم الدكتور «هيل»، والبروفيسور «بيير ماكدونا» من «جامعة باث»، والدكتور «ستيفن مورفي»، و«أماندا فلاهرتي» من كلية «ترينيتي»، دبلن.

تبين معهم أن الجائحة، والإجازة، والعزلة القسرية وفرت لكثير من الأشخاص فرصةً نادرةً لتجربة مستويين من الملل: سطحي وعميق؛ حددهما أولاً الفيلسوف الألماني «مارتن هايدجر».

يمكن تعريف الملل السطحي – الحالة الأكثر شيوعًا للملل – بأنه شعور بالقلق المألوف لدينا جميعًا. إذ إن الشعور بالملل في موقف ما، مثل انتظار قطار، دائمًا ما نسعى فيه إلى تشتيت الانتباه المؤقت عن الحياة اليومية، ذاك المكان الذي تؤدي فيه وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة المحمولة دورًا مهمًا.

ينبع الملل العميق من وفرة الوقت المتواصل الذي نقضيه في العزلة النسبية، وهذا قد يؤدي إلى اللامبالاة، والتشكيك في إحساسنا بالذات، وفي وجودنا. ولكن برأي «هايدجر» فإنه من الممكن أيضًا أن يمهد ذلك الطريقَ لمزيد من التفكير، والنشاط الإبداعي.

فحص البحث -في تجارب الملل في أثناء الجائحة- الأشخاصَ الذين وُضعوا في مخططات الإجازة، أو طُلب منهم العمل من المنزل.

قال الدكتور «تيموثي هيل»، المؤلف المشارك في البحث: «كانت المشكلة التي لاحظناها أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تخفف من الملل السطحي، لكن هذا الإلهاء يمتص الوقت والطاقة، وقد يمنع الناس من التقدم إلى حالة ومستوى عميق من الملل. إذ إنهم قد يكتشفون عواطف جديدة أو أهدافًا وشغفًا لم يدركوه سابقًا، أو تتغلب عليهم مشاعر الإحباط، والكسل وفقدان الذات.

لقد فتح لنا هذا البحث نافذة لفهم كيف أن التكنولوجيا التي تعمل على مدار اليوم والساعة، والتي تعدنا بوفرة في المعلومات والترفيه، قد تصلح مللنا السطحي، ولكنها في الواقع تمنعنا من العثور على أشياء أكثر أهميةً».

وقال: «إن أولئك الذين ينخرطون في التخلص من السموم الرقمية، قد يكونون على الطريق الصحيح».

وأشار الدكتور «هيل» إلى أن الملل العميق أصبح ممكنًا لكثير من الناس بسبب الظروف الاستثنائية للوباء، إذ أعفت الحكومات بعض الأشخاص من العمل مؤقتًا، ومنحت «قلة محظوظة» وفرة في أوقات الفراغ المدفوعة، التي تتطلب الملء.

«قد يبدو الملل العميق مفهومًا سلبيًا إلى حد بعيد، ولكن في الواقع يمكن أن يكون إيجابيًا للغاية، إذا مُنح الناس فرصة للتفكير والتطوير غير المشوش. لذا يجب أن ندرك أن الجائحة كانت تجربة مأساوية ومدمرة ومستهلِكة لآلاف الأشخاص الأقل حظًا، لكننا جميعًا على دراية بقصص أولئك الذين وجدوا هوايات أو وظائف أو اتجاهات جديدة في الحياة».

ذكر الدكتور «هيل» أن الباحثين كانوا مفتونين برؤية نتائج المسح الوبائي التي يبدو أنها تثبت تفكير «هايدجر»، الذي وصف نوعي الملل في محاضراته عام 1929/30، وسلط الضوء على الاحتمال الوجودي الذي يوفره المتغير العميق.

قال الدكتور «هيل» إن البحث أخذ عينات من 15 مشاركًا من خلفيات عمرية ومهنية وتعليمية مختلفة في إنجلترا، وأيرلندا. بعضهم وُضع في إجازة، وبعضهم طُلب منهم العمل من المنزل.

وقال إن الاستطلاع كان محدودًا نسبيًا، وإنه سيكون من المفيد أيضًا -على سبيل المثال- دراسة دور الظروف المادية والطبقة الاجتماعية في تجربة الناس للملل.

تابع: «نعتقد أن هذه النتائج الأولية سيكون لها صدى مع تجارب كثير من الناس مع الوباء، واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي للتخفيف من الملل، ونود أن نرى هذا البحث يؤخذ إلى أبعد من ذلك».

اقرأ أيضًا:

التعاطف مع الذات: الذين يتعاطفون مع أنفسهم أقل عرضة للإصابة بالملل

هل يعد الملل مشكلة نفسية تستلزم التشخيص والعلاج؟

ترجمة: كلوديا قرقوط

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصادر: 1 2