ثمّة قَدْرٌ مدهش من الانتظام في كوننا العشوائي هذا، إلا أن ما اكتشفه العلماء مؤخرًا يُعَدُّ أمرًا في غاية الغرابة، إذ أدرك العلماء أن جميع المجرات في الكون، بصرف النظر عن حجمها، تستغرق قرابة مليار سنة لتُكمِلَ دورة واحدة حول مركزها، أي أن المادة التي توجد على الحواف الخارجية لمجرةٍ ما – مجرة درب التبانة على سبيل المثال- تستغرق حوالي مليار سنة لتُكمِلَ دورة واحدة حول مركز المجرة الثقب الأسود فائق الكتلة الذي يسمى الرامي أ* (Sagittarius A*).

وأوضح الباحث الرئيسي (غيرهارد مورير-Gerhardt Meurer) في قسم المركز الدولي لأبحاث علم الفضاء الراديوي ICRAR من جامعة Western Australia أن هذا الأمر ليس بدقة الساعات السويسرية.

وأضاف أنه بصرف النظر عمّا إذا كانت المجرة كبيرة جدًا أم صغيرة جدًا، فإنك إذا تمكّنت من الجلوس في أقصى حافّة قُرصها وهي تدور، ستستغرق حينها مليار سنة تقريبًا لتقطع دورة كاملة حول مركزها.

ولأن جميع النجوم في مجرتنا تدور حول المركز بمعدل أكبر أو أقل من السرعة نفسها، فإن تلك الأجسام القريبة من مركز المجرة لا تستغرق وقتًا طويلًا لتُكمِل دورة واحدة حول الثقب الأسود Sgr A*.

ولهذا فإن السنة الكونية – وهي المدة الزمنية التي يستغرقها نظامنا الشمسي ليُكمِل دورةً واحدة – تتراوح بين 225 و 250 مليون سنة.

ومن هنا تأتي نظرية المادة المظلمة، ذلك أنه ببساطة لا يوجد ما يكفي من الكتلة القابلة للرصد داخل مجرة درب التبانة لتُفسّر هذه النتيجة، إلا إذا كنا قد أخطأنا في فهم الجاذبية بشكل عميق، أو أنه هناك كتلة لا يمكننا رصدُها.

إن هذا الاكتشاف يعني أن المادة في المجرات الصغيرة بحاجة لأن تتحرك ببطء أكبر، طالما أنه هناك مسافة أقل لتقطعَها في الوقت نفسه.

وقد قاس الباحثون السرعاتَ الشعاعية للهيدروجين المتعادل كهربائيًا في حوالي 130 مجرة، ابتداءًا من المجرات الصغيرة القزمة غير المنتظمة، انتهاءًا بالمجرات الحلزونية الضخمة.

ومكّنت القياسات الفريقَ البحثي من حساب المدة الزمنية التي استغرقتها كل مجرة لتُكمِل دورة واحدة حول مركزها، فكانت جميعُها أكثر أو أقل من مليار سنة.

كما وجد الباحثون علاقةً بين توزّع الضوء والهيدروجين عند حواف المجرة، مما مكّنهم من التأكد من أن ملاحظاتهم حول الدورة ذات المليار سنة كانت حقًا تحدث عند حواف المجرات التي درسوها.

وقد وجدوا عند هذه الحواف نجومًا مُعمِّرة/كبيرة في السن، على الرغم من أنهم توقّعوا، بالاعتماد على نماذج حاليّة، أن يجدوا بشكل أساسي نجومًا يافعة تقطُن حواف هذه المجرات، غير أن تجمُّع النجوم كبيرة السن التي وجدوها تُعَدُّ في غاية الأهمية، كما وجدوا تبعثُر ضئيل من النجوم الأصغر سنًّا وكذلك الغاز بين النجمي.

وأوضح مورير أن هذه النتيجة مهمة جدًا، لأن معرفة الحدود التي تنتهي عندها مجرةٌ ما، يُمكّن علماء الفلك من الحد من مراقباتهم وعدم إضاعة الوقت والجهد والطاقة اللازمة للمعالجة الحاسوبية ولدراسة البيانات الواردة من نقاط أبعد من حدود المجرة.

وأضاف أنه بفضل هذا العمل أصبحنا الآن نعلم أن المجرات تُكمِل دورةً واحدةً حول مركزها كُلَّ مليار سنة، مشكّلةً حواف حادة يقطنُها مزيج من الغاز بين النجمي وكُلٌّ من النجوم اليافعة والكبيرة في السن.

وقد أشار الفريق البحثي بقوة إلى أن دراستهم هذه قد تكون خضعت لتحيُّز في الاختيار- أي أنه من بين كل المجرات في الكون، قد يكونوا، بمحض الصدفة، اختاروا تلك المجرات التي أظهرت الخصائص نفسها.

لذا فإننا بحاجة للمزيد من الدراسات للتحقُّق فيما إذا كانت هذه الملاحظات تنطبق على جميع المجرات في الكون.


  • ترجمة : محمد غيث بغدادي.
  • تدقيق: حسام التهامي.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر