لقد خلق التطور المعقد للحياة في كوكبنا عددًا لا يحصى من المخلوقات الغريبة والرائعة، لكن لا شيء يثير حماس علماء الأحياء التطورية -أو علماء التصنيف- مثل سرطان البحر.

عندما حاول الباحثون دراسة التاريخ التطوري لسرطان البحر، توصلوا إلى استنتاجٍ مفاده أن السمات المميزة للسرطان قد تطورت خمس مرات منفردة على الأقل في الـ 250 مليون سنة الماضية.

ما يثير الدهشة أكثر أن سرطان البحر قد انقرض في الماضي سبع مرات أو أكثر.

حدث هذا التطور المتكرر نحو جسم شبيه بالسرطان كثيرًا؛ ما جعل العلماء يطلقون على هذه الظاهرة اسمًا خاصًا: التسرطن.

السلطعونات الضفدعية هي أحد الأمثلة المميزة، فقد فقدت ميزات جسم السلطعون في طريق التطور إلى سرطانات الرمال البورتوريكية التي لا أرجل لديها، ولكن بعد ذلك استعادت ميزات سرطان البحر في آخر دقيقة تطورية في شكل سلطعون الملك الأحمر.

السبب وراء خلق التطور للسرطانات ما يزال لغزًا.

هناك الآلاف من أنواع السرطانات، التي تزدهر في كل الأرض تقريبًا، من الشعاب المرجانية والسهول السحيقة إلى الجداول والكهوف والغابات.

يتميز سرطان البحر أيضًا باختلافٍ واسعٍ للأحجام، أصغرها سلطعون البازلاء الذي يبلغ حجمه ملليمترات فقط، في حين أن أكبرها، سلطعون العنكبوت الياباني، يصل إلى 4 أمتار من المخلب إلى المخلب.

مع هذا الثراء والتنوع المميز في الأشكال ووجود سجل أحفوري غني، تعد السرطانات مجموعةً مثالية لدراسة التنوع الأحيائي عبر الزمن، لكن العثور على نمط مرتب في هذه الفوضى يمثل تحديًا مستمرًا.

ما تعريف «السرطان»؟

يصبح الأمر أكثر غرابة بأن ليس كل سرطانٍ سرطانًا، إذا صح التعبير، هناك السرطانات «الحقيقة» مثل سرطان الوحل والسرطان السباح. ولدينا أيضًا ما يسمى السرطانات الزائفة، مثل سرطان الناسك ببطنه المخفي في قشرته الحلزونية، وسرطان الملك المغطى بالأشواك.

يتمثل الاختلاف الأكثر وضوحًا بين سرطان البحر الحقيقي والزائف في عدد أرجل المشي لديهم: السرطانات الحقيقية لها ثماني أرجل نحيلة، في حين أن السرطانات الكاذبة لها ست أرجل فقط، مع رجلين أخريين بحجم الدبوس في الخلف.

يقترح بحث نُشر في مارس 2021، بقيادة عالمة الأحياء التطورية جوانا وولف من جامعة هارفارد أن كُلًا من السرطانات الحقيقية والزائفة تطورت مستقلةً عن بعضها من سلف مشترك لم يكن لديه أي من هذه السمات.

لكن الباحثة تعتقد أن المسار التطوري بعد هذا الانقسام لم يكن واضحًا ومباشرًا، لقد أنتج التطور سرطان البحر عدة مرات على مدى الـ 250 مليون سنة الماضية: مرة أو مرتين في السرطانات الحقيقية وثلاث مرات على الأقل خلال تطور السرطانات الزائفة.

لطالما حير سرطان البحر علماء التصنيف الذين أخطأوا دائمًا في تصنيف النوع على أنه سرطان بحر حقيقي أو كاذب بسبب أوجه التشابه المذهلة بينهما.

إلى جانب معرفة المكان الذي تنتمي إليه الأنواع في شجرة الحياة، فإن فهم عدد المرات والسبب اللذين صنع فيهما التطور شكل السرطان، يمكن أن يكشف شيئًا عمّا يدفع التطور المتقارب.

قالت هيذر براكين-جريسوم ، خبيرة السلطعون والمؤلفة المشاركة لموقع Popular Science في عام 2020: «يجب أن يكون هناك نوعٌ من الميزة التطورية ليكون سرطان البحر بهذا الشكل».

لدى علماء الأحياء التطورية الكثير من الأفكار حول عملية السرطنة التطورية، لكن لا توجد إجابات قاطعة نظرًا للتركيز الضيق للأبحاث السابقة على أنواع مختارة من السرطان؛ إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار التاريخ الكبير لتطور جسم سرطان البحر.

جمع ثلاثي من الباحثين بيانات حول مورفولوجيا السرطان وسلوكه وتاريخه الطبيعي، من الأنواع الحية والحفريات، وحددوا الفجوات في البيانات الجينية التي قد تساعد في حل العلاقات التطورية المحيرة.

وقالوا: «تقريبا نصف فروع سرطان البحر على شجرة الحياة لا تزال غير مفهومة».

فمثلًا، طورت معظم السرطانات دروعًا صلبة ومتكلسة لحماية نفسها من الحيوانات المفترسة -وهي ميزة واضحة- ولكن بعد ذلك تخلت بعضها عن هذه الحماية لأسباب غير معروفة.

المشي جانبيًا يجعل السرطانات مرنة للغاية وقادرة على الخروج بسرعة في أي من الاتجاهين دون إغفال الحيوان المفترس عن مجال الرؤية، لكن لا تُلاحظ خاصية المشي هذه في جميع سلالات سرطان البحر فهناك سرطانات عنكبوتية تسير إلى الأمام ويمكن لبعض سرطانات الناسك المشي جانبيًا أيضًا.

كما أن تفسير تطور المخالب الضخمة عند بعض السرطانات، لتصبح مفترسات ساحقة للأصداف في سباق تسلحٍ بيئي، لا يمكنه أن يوضح بصورة كاملة تطور السرطانات البدائية.

وعلى الرغم من الكميات المتزايدة من المعلومات الجينية حول أنواع السرطان الحية والمتحجرة، إلا أن علماء التصنيف ما يزالون قيد البحث عن الخصائص التي تجعل من السرطان سرطانًا.

تقول وولف: «ستسمح لنا هذه الدراسة بحل الأصول المتعددة وتفسير أسباب خسارة شكل جسم السرطان بمرور الوقت وتحديد المستجدات التطورية الرئيسية وخطط الجسم».

إضافةً إلى ذلك، فإن دراسة السرطانات قد تساعد الخبراء التطوريين الذين يظنون أنه من المتاح توقع الأشكال التي يمكن التنبؤ بها بناءً على العوامل البيئية والإشارات الجينية.

تقول براكن غريسوم:«توفر دراسة تطور السرطانات نطاقًا زمنيًا تطوريًا كبيرًا يمتد 250 مليون سنة؛ وهو ما قد يساعدنا -مع ما يكفي من البيانات الجينية والتطور- على التنبؤ بالمورفولوجيا التي ستنتج».

نشرت الورقة في BioEssays

اقرأ أيضًا:

الصورة التقليدية التي يستخدمها الجميع لتوضيح نظرية التطور خاطئة

اكتشاف إحدى الحلقات المفقودة في أحجية التطور البشري

ترجمة: محمد سامي القطوفي

تدقيق: أحمد الحميّد

المصدر