بعد أن بدأ رجل بتناول المضادات الحيوية لعلاج الالتهاب الرئوي البكتيري، انقلب إدراكه للعالم رأسًا على عقب. وفقًا لتقريره الطبي عانى الرجل البالغ من العمر 50 عامًا تقلبات مزاجية وأصبح أكثر تهيجًا ويتحدث بكلام غير مفهوم، ومن الجدير بالذكر أنه لم يُصَب باضطرابات نفسية سابقًا ولم يتناول المضادات الحيوية في حياته قبل تلك الحادثة. تُعَد هذه الأنماط السلوكية أعراضًا للهوس (Mania)، وهو حالة تتميز بمستويات مرتفعة من الطاقة وأفكار وسلوكيات غير منتظمة.

بعد أن أُدخِل المريض إلى وحدة الطوارئ النفسية في جنيف، أخبر الأطباء النفسيين أنه وفي الليلة التي تلت تناوله أول جرعة مضادات حيوية، كان يشعر بأنه يحتضر وتعرض لهلوسات سمعية بأن الله كان يتحدث إليه ويقول له إنه اختير لإتمام مهمة خاصة؛ قد تدل هذه الأعراض على الذهان.

شخّص الأطباء الرجل بـ«هوس المضادات الحيوية» (Antibiomania) وهو أحد الأعراض الجانبية النادرة للعلاج بالمضادات الحيوية، ذلك وفقًا لتقرير حالته الذي نُشِر في دورية بي إم سي سايكايتري في شهر أغسطس من عام 2021.

ابتُكِر مصطلح «هوس المضادات الحيوية» في مراجعة بحثية نُشرَت في دورية كلينيكال سايكوفارماكولوجي في عام 2002، إذ تناولت المراجعة دراسات منشورة مسبقًا عن حالات هوس مرتبط بتناول المضادات الحيوية.

يقول عالم النفس والطبيب النفسي باسكال سينيرت من جامعة لوفين الكاثوليكية في بلجيكا، الذي لم يكن مشاركًا في التقرير الطبي أو مسؤولًا عن العناية بالرجل: «إن الإطار الزمني لتناول المضادات الحيوية وظهور أعراض الهوس لاحقًا لدى هذه الحالة يتماشى مع حالات مسبقة موثقة من هوس المضادات الحيوية».

في مراجعة لدراسات حالات هوس المضادات الحيوية التي نُشرَت في عام 2017 في مجلة أفيكيتف ديس أوردرز، غطى سينيرت وزملاؤه 37 تقريرًا طبيًا عن 47 حالة من هوس المضادات الحيوية لدى مرضى لا تزيد أعمارهم عن 3 سنوات، إضافةً إلى 143 حالة أخرى غير منشورة وُثقَت عبر برامج مراقبة التفاعلات الدوائية السلبية التابعة لمنظمة الصحة العالمية ووكالة الغذاء والدواء الأمريكية.

يقول سينيرت: «خلال مسيرتي الطبية، رأيتُ على الأقل ثلاث حالات، تعرضت إحداها إلى نوبات متكررة، وعالج زملائي أيضًا بعض الحالات، لذا إذا أضفنا هذه الأعداد وطبقناها على مستوى العالم، فسنجد أننا وبالتأكيد نعاني نقصًا في توثيق الحالات».

وجد سينيرت وزملاؤه أن الكلاريثرومايسين (أحد المضادات الحيوية التي وصفها الأطباء للمريض المذكور في التقرير) هو أحد أكثر المضادات الحيوية شيوعًا في حالات هوس المضادات الحيوية، إلى جانب السيبروفلوكساسين والأولفوكساسين من مجموعة الكينولون.

يقول سينيرت: «وجدنا أن هذه المضادات الحيوية هي الأكثر تسببًا بالهوس، ولكنها أيضًا من أكثر المضادات الحيوية استخدامًا في العالم. أفترض أنه من المنطقي أن نرى أعدادًا أكبر من حالات الهوس المرتبطة بهذه الأنواع من المضادات الحيوية كونها الأشيع عالميًا».

لاحظ الباحثون أن مضادات الذهان كذلك استُخدمَت في علاج بعض الحالات.

«استُخدمَت مضادات الهوس في غالبية الحالات، ولكننا نؤكد أن ذلك لا يعني أن نوبات الهوس لم تكن لتتحسن دون وصف الأدوية المضادة للهوس. فمن المعتاد في ممارسة الطب أن تُوصف الأدوية لمعالجة حالات الهوس بسرعة أكثر».

في حين أن مريض جنيف لم يحتج إلى مضادات الذهان في نهاية المطاف، لكن الأطباء وصفوا له دواء لورازيبام، الذي يُستخدَم في علاج القلق ونوبات الصرع.

تبين حالة المريض أن أنواعًا مختلفة من المضادات الحيوية يمكنها أن تتسبب بهوس المضادات الحيوية؛ إذ بدأت أعراض الهوس لديه في البداية بعد تناوله للمضاد الحيوي أموكسيسيلين – حمض الكلافولانيك، وتوقفت الأعراض فور توقفه عن أخذ الدواء، ولكنها عادت مجددًا عندما بدأ بتناول مضاد حيوي آخر يسمى كلاريثرومايسين لعلاج التهاب الرئة، ما أجبره على إيقاف العلاج مرةً أخرى.

بعد توقفه عن أخذ المضادات الحيوية بأسبوع، لم تعد لديه أية أعراض هوس، وذلك وفقًا لما ورد في تقرير حالته.

ومع أن آلية تفاعلات المضادات الحيوية مع الجهاز العصبي المركزي لا تزال غير معروفة، فإن سينيرت وزملاءه طرحوا عدة فرضيات في مراجعتهم.

مثلًا، اتضح أن بعض فئات المضادات الحيوية (من ضمنها الماكروليدات مثل الكلاريثرومايسين ومضادات البيتا لاكتام مثل الأموكسيسيلين) تؤثر في نظام غابا في الدماغ عبر تثبيط حمض الغاما أمينوبيوتيريك (GABA)، وهو ناقل عصبي منتشر بوفرة مسؤول عن تثبيط نشاط الخلايا العصبية المستثارة.

يقول سينيرت: «قد يفسر ذلك سبب ظهور الهوس في هذه الأحوال، إذ عبر تثبيط ناقل عصبي، تنتج استثارة في وظيفة الجهاز العصبي».

تشمل الفرضيات الأخرى التي طُرحَت في مراجعة سينيرت قدرة المضادات الحيوية على زعزعة الميكروبيوم المعوي لدى المرضى، والتسبب بخلل وظيفي في الميتوكوندريا التي تمد الخلايا بالطاقة.

يفترض كاتبو دراسة الحالة أيضًا احتمالية حدوث تفاعل دوائي بين الكلاريثرومايسين والأموكسيسيلين-حمض الكلافولانيك نظرًا إلى عملهما المشترك على مستقبلات غابا.

اقرأ أيضًا:

أموكسيسيللين Amoxicillin: الاستخدامات والجرعة والآثار الجانبية والتحذيرات

كلاريثرومايسين: الاستخدامات والجرعات والتأثيرات الجانبية والتحذيرات

الذهان psychosis: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

إحدى عشرة حالة مرضية قد تسبب لك الهلوسة

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: نغم رابي

المصدر