أسكليبيوس هو إله الطب في الديانة اليونانية القديمة، وامتاز أيضًا بامتلاكه القدرة على التنبؤ. بُني على شرفه العديد من المعابد التي قدسها اليونانيون القدماء في مختلف أنحاء المعمورة، وكان أشهرها معبد أبيداروس الذي صار بدوره مركزًا مهمًا يلتمس فيه المرضى الشفاء في العصور اليونانية والرومانية القديمة، وكان موقعًا تُقام فيه الألعاب الرياضية والأعمال الدرامية والمهرجانات الموسيقية على شرف الإله أسكليبيوس كل أربع سنوات.

أسكليبيوس في الأساطير:

تروي الأساطير اليونانية، أن أسكليبيوس كان بطلًا نصف إله، لأنه كان ابن الإله أبولو، ووالدته كورونيس بشرية من مدينة ثيساليا.

تذكر بعض الروايات، أن كورونيس تخلت عن طفلها بالقرب من أبيداروس خجلًا من عدم شرعيته وتركته لتعتني به معزة وكلب، وفي نسخة مختلفة تمامًا، قُتلت كورونيس على يد أبولو لأن عشيقته تلك غير مخُلصة، بينما في نسخة ثالثة، كانت أرسينوي الميسينية هي أم أسكليبيوس.

بعد ذلك، قام والده الإله أبولو بتربية طفله يتيم الأم، الذي وُهب قدرةً خارقةً على الشفاء ومعرفة بأسرار العلاج باستخدام النباتات والأعشاب. كما تلقى أسكليبيوس تعليمًا من قبل القنطور الحكيم تشيرون الذي عاش فوق قمة جبل بيليون.

أنجب أسكليبيوس العديد من الأطفال، ولدان: ماتشاون وبوداليريوس، وأربع بنات: إياسو، باناسيا، أسيسو، أغليا. في بعض المرويات كان متزوجًا من هايجيا (إلهة الصحة والنظافة العامة). وفي نسخة أخرى كانت هايجيا ابنته وتزوج من إبيون.

على أي حال، عُرف عن أحفادهِ أنهم أسسوا فنًا في الطب والشفاء ببركة جدهم الإله أسكليبيوس، على سبيل المثال: ماشاون، المعالج الذي ساعد ميلنيوس عندما أُصيب في حرب طروادة، لكن يبقى أبقراط أشهر طبيب في العائلة بلا منازع.

واجه أسكليبيوس نهاية تراجيدية عندما قُتل بصاعقة ألقاها عليه زيوس. كان هذا لأن كبير الآلهة احتج على أسكليبيوس وطُرقه في العلاج وعدها تهديدًا للانقسام الأبدي بين البشرية والآلهة، خاصةً بعد الشائعات التي أفادت بأن قوى الشفاء التي يملكها أسكليبيوس خارقة لدرجة أنه تمكن حتى من إعادة إحياء الموتى.

ثار أبولو على مصرع ابنه لكنه عوقب هو نفسه من قبل زيوس بتهمة عدم التقوى وأجبر على خدمة أديمتوس ملك ثيساليا لمدة عام واحد. صار أسكليبيوس إلهًا بعد وفاته، وفي بعض الأساطير المحلية، أنه توهج في السماء ليشكل تجمع نجوم برج الحواء.

أسكليبيوس في الأساطير اليونانية الدينية القديمة - إله الطب أسكليبيوس الذي التمس فيه المرضى الشفاء في العصور اليونانية والرومانية القديمة

أبيداروس

كان الإله يُعبد خصوصًا في معبد أبيداروس الذي تأسس في القرن السادس قبل الميلاد، والمعروف باسم الأسكليبيون، لأنه كان يعتقد أنه وُلِد فوق جبل. ويُعد أهم مركز للشفاء في العالم القديم، يسعى إليه الناس من جميع أنحاء اليونان طلبًا للتخفيف من أمراضهم إما بالتدخل الإلهي أو بالأدوية التي يديرها الكهنة القائمون عليه، واحتوى أيضًا على العديد من المباني الهامة. وشملت هذه المباني: المعبد الكبير، الذي احتوى على تمثال أكبر من الحجم الطبيعي لأسكليبيوس نُحت على يد ثرازيميدس و ثايملا (360-330 قبل الميلاد). والمبنى الخارجي شكله دائري ومصنوع من الرخام يحتوي على متاهة غامضة تحت الأرض، يُعتقد أنها احتوت على ثعابين، إذ كان يعتقد أن الثعابين تعيش في باطن الأرض وفوقها وارتبطت بأسكليبيوس وساعدت قدراته على التنبؤ لأنها تعرف الأسرار الخفية تحت الأرض.

احتوى معبد أبيداروس أيضًا عمودَي أباتو أو إينكوميتيرين التي ينام قربها المرضى. فبعد أن يخوضوا العديد من طقوس التطهير، ينامون ليلتها وينتظرون أحلامًا يظهر فيها الإله ويقدم لهم العلاج. بعد ذلك، ستتم إدارة وتوزيع العلاجات ذاتيًا أو تنفيذها بواسطة الكهنة المقيمين في الحالات الأكثر تعقيدًا. غالبًا ما يترك المرضى المتعافون نذورهم وهداياهم في المعبد شاكرين عون الإله. يحتوي الموقع أيضًا على مسرح يوناني يتسع لنحو 6000 متفرج ويعد أفضل مسرح مُحافظ عليه في اليونان وما يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.

كان أبيداروس أيضًا موقعًا لمهرجان أسكليبيا الهيليني، الذي تأسس في القرن الخامس قبل الميلاد ويعُقد كل أربع سنوات للاحتفال بالمسرح والرياضة والموسيقى على شرف أسكليبيوس. حافظ الموقع على أهميته في العصر الروماني، وأضيفت العديد من المباني في القرن الثاني الميلادي تحت رعاية السيناتور الروماني أنطونيوس. غُلق المعبد أخيرًا في عام 426 م عندما أصدر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الثاني مرسومًا بإغلاق جميع المواقع الوثنية في اليونان.

معابد أخرى:

معبد مقدس ثانٍ بُني على شرف إله الطب كان في أثينا ويقع تحديدًا أسفل الأكروبوليس مباشرة على المنحدر الغربي. يُفترض تقليديًا أن كاهنًا يدعى تيليماتشوس أحضر الإله إلى الموقع على هيئة ثعبان مقدس عام 419 قبل الميلاد.

يذكر سترابو أيضًا أن أقدم معبدٍ لأسكليبيوس كان في مدينة تريكا اليونانية، إذ تعتقد بعض المرويات أن الإله قد وُلد، لكن لم يُكتشف ذلك الموقع حتى اليوم. ومع ذلك، فإن ميسين لديها بقايا أثرية مهمة تشهد على شعبية معبد أسكليبيوس في العصور الهيلينية.

توجد مواقع مقدسة أخرى في جزيرة كوس التي كان بها أيضًا مدرسة مهمة للأطباء من القرن الخامس قبل الميلاد، وفي تيغيا نُقلت إليهم عبادة أسكليبيوس أيضًا في وقت ما في القرن الرابع قبل الميلاد، ويُعتقد أن مريضًا شُفي في إبيداوروس يُدعى أركياس أشاع عبادة أسكليبيوس في مدينته.

أخيرًا، وفي عام 293 قبل الميلاد، قيل أن الرومان أخذوا الأفعى المقدسة من إبيداوروس إلى جزيرة التيبر من أجل علاج وباء ما، على الرغم من وجود أدلة على عبادة أسكليبيوس في البر الرئيسي الإيطالي منذ القرن الخامس قبل الميلاد.

أسكليبيوس في عيون الفنانين:

في الفن اليوناني القديم، صُور أسكليبيوس في النحت والفخار والفسيفساء والعملات المعدنية. دائمًا ما امتلك الإله لحية كاملة، ويرتدي رداءً بسيطًا، ويحمل عصاه الشهيرة التي يلتف حولها الثعبان المقدس، التي أصبحت رمزًا للطب الحديث. ترافقه في بعض الأحيان هيجيا وأحيانًا يكون لديه كلب عند قدميه، إذ كانت تلك الحيوانات مقدسة في بعض معابد الإله، وارتبط الإله بثلاثة أنواع من الأشجار: السرو والصنوبر والزيتون.

تشهد الأعمال الفنية من مناطق بعيدة مثل ديون وكوس وأثينا ورودس التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي على انتشار الإله وشعبية لها امتداد تاريخي بعيد.

اقرأ أيضًا:

السكر وصعود نظام المزارع

العصور الوسطى: الدرب نحو عصر النهضة

ترجمة: علي حسين

تدقيق: حسين جرود

المصدر