إلى جانب الكتابة الهيروغليفية والمسلات والأنماط الهندسية، امتلكت القطط حضورًا متميزًا في الفن الفرعوني، ما يبين المكانة الفريدة التي امتازت بها القطط لدى سكان ضفاف نهر النيل. روّض الإنسان الحيوانات بدايًة بغية الاستفادة منها لتتحول تدريجًا إلى رموز إلهية توفر الحماية له.

تقول جوليا تروش، عالمة المصريات وأستاذ مساعد في التاريخ في جامعة ولاية ميسوري: «على الرغم من صعوبة فهم كيفية تفكير المصريين -نظرًا إلى الكثير التغييرات التي طرأت عبر تاريخهم الذي يزيد عن 3000 عام- فإن المصريين القدماء عامة لم يعبدوا الحيوانات، بالأحرى، لقد كانوا يرون الحيوانات على أنها تمثيلات للجوانب الإلهية لآلهتهم».

بصرف النظر سواء كانوا يتخذون من الحيوانات آلهة أم لا، كانت القطط جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية في مصر القديمة. ويشير اكتشاف القطط المحنطة في المقابر جنبًا إلى جنب مع البشر إلى أن القطط تمثل دورًا مهمًا في معتقداتهم بالحياة ما بعد الموت أيضًا.

 القطط توفر الرفقة ومكافحة الآفات:

بالنسبة لمعظم تاريخ الحضارة الفرعونية، رأى المصريون القدماء بالقطط رفيقًا يصلح لتبادل المنفعة، وفقًا لتروش: «قد تأتي القطط إلى الداخل عندما يكون الجو حارًا، وتقوم بدورها بمطاردة الحيوانات الخطرة، مثل الأفاعي والعقارب».

جزء مما نعرفه اليوم عن وظيفة القطط في المجتمع المصري القديم مأخوذ من مشاهد الحياة اليومية المصورة في اللوحات على جدران المقابر. تقول تروش: «في مشاهد المقابر، تظهر القطط وهي ترقد أو تجلس أسفل الكراسي، وتطارد الطيور وتلعب».

ثم تضيف: «في بعض النصوص الجنائزية، تظهر القطط بخنجر وهي تقطع أبوفيس -الذي يتخذ شكل ثعبان ويهدد رَع (إله الشمس) ليلًا في العالم السفلي-».

 الاستئناس بالقطط خلال الحياة ما بعد الموت:

تفاصيل لوحة من ضريح نب آمون تظهره وهو يقف على زورق من القصب يصطاد الطيور. إلى اليسار، يُمسك قطه بثلاثة طيور.

بعد الاحتفاظ بالقطط حيوانات أليفة حية خلال فترة حياتهم، واصل المصريون القدماء تلك العلاقة حتى في الحياة الآخرة. توضح تروش: «إن ضريح المرء هو منزله إلى الأبد». ثم تضيف: «في ضريحك، بإمكانك أن تضيف رسمًا لعائلتك، ونقشًا لألقابك، وأن تدفن جوائزك العظيمة والأشياء التي استمتعت بالقيام بها في حياتك. لذا، فإن رؤية القطط المدرجة في هذه اللوحات يدل على أهميتها في حياتهم اليومية، وأملهم في أن يستمروا برفقتها في الحياة بعد الموت».

في ضريح نب آمون، الموجود الآن في المتحف البريطاني، تُظهر إحدى اللوحات قطة مصاحبة لنب آمون أثناء خروجه للصيد. ممسكةً طائرًا في فمها وعصفورين آخرين في مخالبها. زُينت إحدى عيني القط بأوراق الذهب التي وفقًا للمتحف البريطاني تعد «المثال الوحيد المعروف للتذهيب على اللوحات الجدارية في غرف مقابر طيبة».

لم يقتصر وجود القطط في المقابر على اللوحات، ففي بعض الأحيان تُحنَّط القطط وتوضع داخل قبر رفيقها البشري. وفقًا لمتحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي، أحد أسباب ذلك هو أنه عند الانتهاء من تحنيط القطط، يمكن استخدامها بعد ذلك سلعًا جنائزية. تضيف مونيك سكيدمور، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة ديكين ورئيسة تحرير مجلة Trip Anthropologist: «هذا يعني أن الشخص المتوفى قد يسكن جسد القط المحنط في الحياة الآخرة».

 دور الفراعنة في ترويج العناية بالقطط:

كما هو الحال في مختلف الحضارات والثقافات، رأى المصريون القدماء أن أفراد العائلة المالكة هم من رواد الموضة، إذ أخذوا تلميحات من صانعي الأذواق الحاكمة في كل شيء من الطعام، إلى الموضة، حتى القطط المنزلية.

يقول سكيدمور: «كنّ قدماء المصريين تقديرًا كبيرًا للقطط بسبب ممارسات وتفضيلات آلهتهم، ولكن أيضًا لأن ملوكهم الفراعنة احتفظوا بنوع من القطط العملاقة». ثم يضيف: «كان أعضاء الطبقة الملكية المصرية يزينون قططهم بالذهب ويتركونها تأكل من أطباقهم». على الرغم من أن أفراد الطبقات الدنيا لم يكونوا في وضع يسمح لهم بتزيين قططهم بالمعادن الثمينة، فإن مجوهراتهم الخاصة تميزت بتصاميم مستوحاة من القطط.

يوضح سكيدمور أنه بينما كانت القطط مفضلة لدى الفراعنة، فإن بعض خصائصها كانت أكثر أهمية خلال بعض العصور الأسرية من غيرها. ويضيف: «الإلهة باستيت – ابنة الآلهة رع وإيزيس – على سبيل المثال، صورتها الرسوم لأول مرة على أنها لبؤة شرسة، ولكن لاحقًا قطة وديعة: أم لديها عدة قطط صغيرة حولها، وحامية للأسرة».

 خصائص القطط في مصر القديمة:

نسخة من لوحة جدارية عُثر عليها في مقبرة نخت تظهر قطة تأكل السمك تحت كرسي حيث امرأة جالسة.

إضافة إلى تقديرهم لقدرتها على إبقاء القوارض والثعابين والآفات الأخرى خارج منازلهم، أدرك المصريون القدماء أن القطط من الأحجام جميعها ذكية وسريعة وقوية.

تلاحظ تروش أن «سخمت الآلهة صُوّرت على شكل لبؤة، وكانت محاربةً وإلهةً حاميةً أبقت أعداء إله الشمس رع بعيدًا عن المرض». وبهذه الطريقة، بإمكاننا أن نرى أن قدماء المصريين كانوا يعتبرون القطط عامة، حامية، بينما كانوا في الوقت نفسه يحترمون شراستها».

كان يُنظر أيضًا إلى القطط في مصر القديمة على أنها تمتلك نوعًا آخر من القوة الذي تُمثَّل بالخصوبة. تقول تروش: «غالبًا ما تُصَّور القطط وهي جالسة تحت كراسي النساء، ما يدل على وجود صلة ما بين القط والمرأة، وربما الخصوبة على نطاق أوسع»، مشيرة إلى أن الارتباط قد ينبع من حقيقة أن القطط تمتلك قابلية إنجاب عدد كبير من الأبناء.

 تحنيط القطط في مصر القديمة:

اعتقد المصريون القدماء أن بإمكان آلهتهم اتخاذ أشكال مختلفة. وعلى مر القرون، أصبح من الشائع أن تتخذ الآلهة شكل الحيوانات، بما في ذلك القطط.
يوضح سكيدمور: «ليس باستطاعة الآلهة أن تظهر برأس قطة فحسب، بل يمكنها أيضًا أن تسكن أجساد القطط». ثم يضيف: «لهذا السبب تُحنَّط القطط، وبذلك نشأ اقتصاد كامل حول تربية القطط وتحنيطها في مصر القديمة». وفي مصر القديمة، يضيف سكيدمور: «كان قتل القطط ممنوعًا آنذاك إلا بهدف التحنيط».

يوضح سكيدمور لاحقًا: «لم تكن القطط تُعبد لكونها آلهةً بحد ذاتها، ولكن لدورها المتمثل بأوعية اختارت الآلهة أن تسكنها. ومن شابه الآلهة، اختير للتبني».

عبر وجودها المتميز في كل مكان في الفن والأزياء والزخرفة المنزلية لمصر القديمة، اعتُبرت القطط تذكيرًا يوميًا بحضور الآلهة.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف تفاصيل أقدم طرق التحنيط

توت عنخ آمون: معلومات وحقائق

ترجمة: علي حسين

تدقيق: نور عباس

مراجعة: نغم رابي

المصدر