لقد كانَ السّائد في الاعتقاد، ولمدّة عقدين من الزّمان، أنّ الكويكبات والمُذنّبات القريبة جدًّا من الأرض، والتي تُمثِّل تهديدًا كبيرًا على الحياة، تنتهي حياتُها ووجودها بعد سقوطِها بشكلٍ دراماتيكيّ في الشّمس. نُشرت دراسة جديدة في العدد الصّادر من مجلّة (Nature) العلميّة – وذلك يوم الخميس، الموافق 18 فبراير 2016م -، وتفترض هذه الدّراسة بأنّ هذة الكويكبات والمذنّبات، يتمّ تدميرها على مسافةٍ بعيدةٍ عن الشّمس، وبالتّالي فقد أحبطت الفرضيّة القديمة، وهذا الافتراض الجديد، سيساعد في حلّ أحد ألغاز الكون، وهي الملاحظات المُحيّرة التي تمّ رصدُها خلال هذة السّنوات القريبة.

 

استطاعَ فريقٌ من الباحثين من عدة دول مختلفة، مثل فنلندا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة وجمهورية التّشيك، على القيام بتشكيل نموذجٍ مُجسّم، يساعد في التّنبّؤ بحركة بعض الكويكبات، ويساعد في تسهيل مهمّات السّفن الفضائية، بالإضافة إلى أنّ هذا المُجسّم سيوضّح أماكن انتشار الأجرام القريبة من الأرض، وتحديد أحجامها.

 

الغالبيّة العُظمى من الأجسام القريبة من الأرض، تنشأ في حزام الكويكبات، الذي يفصل بين كوكبيّ المرّيخ والمشتري، فمدار الأجسام المتواجدة بحزام الكويكبات، قد تتغيّر ببطئ؛ نتيجة الحرارة الزّائدة الصّادرة من الشّمس، أو قد يتداخل مدار أحد كوكبيّ المريخ أو المشتري، مع مدار أحد هذه الكويكبات، فيتمّ دفعه ببطئ نحو الأرض، ويصبح مداره أقرب للأرض، ويُطلَق على هذه الكويكبات أو الأجرام؛ الأجسام القريبة من الأرض -عندما تكون المسافة بينها وبين مدار الأرض، أقلّ بمقدار 1.3 من المسافة بين الأرض والشّمس-.

 

ولبناءِ هذا المُجسّم، استعانَ العلماء بحوالي 100 ألف صورة، لِما يقرب من 9000 جسم يدور بالقرب من الأرض، بوساطة تليسكوب فضائيّ في ولاية أريزونا، وذلك لمدّة 8 أعوام متواصلة، ولعلّ أبرز مشكلة واجهت هؤلاء العلماء، هي تحديد مكان وهيئة الجسم الفضائيّ بدقّة، فهناك بعض الأجسام الفضائيّة تتحرّك بسرعة كبيرة، وكأنّها نُقطة ضوئيّة تتحرّك أمام نجمٍ لامعٍ في السّماء، فلا تستطيع أن تُفرّق بين ضوء النّجم والجسم المُتحرّك. ولحلّ هذه المُعضلة، اعتمد العلماء على عاملين؛ هما شدّة ضوء الجسم المتحرّك، وسرعة تحرّكه في السماء، فإذا لم يكن التليسكوب موجّه في الاتجاه الصّحيح، وفي الوقت الصّحيح لرصدِ هذا الجسم المتحرّك، فإنّ عمليّة رصد هذا الجسم، والتّعرّف عليه، ستكون صعبة للغاية.

القيامُ بكلّ هذه الملاحظات في وقتٍ قصير، يتطلّب فهمًا عميقًا لآليّة عمل التليسكوبات، وآلات الرّصد الفضائي، بالإضافة لتوافر بعض الأجهزة التي تقوم بعمليات تحليليّة في وقتٍ قصيرٍ للغاية، وبكلّ هذه العوامل، استطاع الفريق البحثيّ، من تصميم نموذجٍ جيّد للغاية؛ لتوضيح أماكن مرور الأجسام الفضائيّة، وأحجامها، والتي قد نشأت في حزام الكويكبات بين كوكبيّ المريخ والمشتري، وذلك بالاستعانه بالمرصد الفضائيّ بولاية أريزونا الأمريكية (CSS).

 

لكن هناكَ مشكلة في هذا النّموذج، افترض الباحثون أنّ هناك 10 أضعاف العدد من الأجرام الفضائيّة، قد يقترب مدارها من الشّمس، ولحلّ هذة المُعضلة أيضًا، استغرقَ العلماء عامًا كاملًا، للتّأكّد من حساباتهم الرّقميّة، قبل التّوصل لاستنتاجٍ نهائيٍّ. ولكن في نهاية الأمر، اتّضح الأمر بأنّ المُشكلة ليست في الحسابات، إنّما في قصور فهمهم آلية عمل النّظام الشمسيّ.
يعتقد الدّكتور “Mikael Granvik”، الباحث العلميّ بجامعة “Helsinki”، وكاتب المقال في مجلّة “Nature”، أنّ النّموذج الذي تمّ إنشاؤه، سيكون أفضل بكثير، لو أنّ الأجسام القريبة من الشّمس تمّ تدميرها وإنهاؤها فعليًّا قبل أن تصطدم بالشّمس من الأساس، ووجد هذا الاعتقاد ردَّ فعلٍ جيّد من قِبل منفّذي النّموذج، حيث وجدوا توافقًا كبيرًا بينه وبين الأجرام التي تستغرق وقتًا طويلًا للدّوران حول الشّمس، حيث تتّخذ مدارًا أطول بعشر مرّات من المجموعة الشّمسيّة. “إنّ فكرة تدمير الأجسام السّماويّة عندما تقترب من الشّمس، هي فكرة رائعة، فلقد بذلنا المزيد من الوقت للتّأكد من حساباتِنا”، هذا ما صرَّح به عضو الفريق البحثيّ، والباحث بجامعة “Hawai”، الدكتور Robert jedicke” “.

 

ما اكتشفه هذا الفريق، سيساعد في حلّ الكثير من التّناقضات، بينَ رصد الأجسام الصّغيرة في النّظام الشمسي، وتوقّع حركتها في هذا النّظام، فالشُّهب هي عبارة عن قِطعٍ صغيرةٍ من الغُبار والصّخور، التي نشأت من سطحِ أحد هذه الكويكبات، وتحترق فورَ دخولها الغلاف الجوّيّ لأيّ كوكب. هذه الشّهب تقترن دائمًا بمصدرها، فدائمًا ما ترى الشّهب تتحرّك خلف الكويكب المصدر لها، ولكن الباحثون لم يجدوا من قبل تفسيرًا لفكرة تواجد شهابٍ وحيدٍ دون العثور على الكويكب الذي يسير أمامه، فبعدَ هذه النّظرية، إنّ هذا الكويكب قد تحطّم واندثر بسبب قُربه من الشّمس.

تتنبَّأ أيضًا هذه الدّراسة بأنّ الكويكبات الدّاكنة، تحترق ويتمّ تدميرها بمسافة بعيدة عن الشّمس، عكس الكويكبات الأكثر إشراقًا، فإنّها يتمّ تدميرها على مسافة قريبة من الشّمس، ومِن هُنا، تمّ التّنبّؤ بأنّ هذان النّوعان من الكويكبات، يوجد لدى كلّ منهما تركيبٌ داخليّ يختلف عن الآخر.


 

المصدر